ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/09/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإسلام والطريق إلى السلام العالمي

بقلم يسري عبد الغني عبد الله*

غني عن البيان أن قضية السلام من القضايا الأساسية التي كثر الحديث عنها في عصرنا الحديث ، حيث عقدت من أجلها ـ ولا تزال تعقد ـ العديد من المؤتمرات والمنتديات والملتقيات على المستوى الدولي ، وفي الواقع فإن هذا أمراً له ما يبرره ، فالسلام بالنسبة للإنسان ـ في كل زمان ومكان ـ يعد ضرورة حياتية مصيرية ، ولا يمكن للإنسان أن ينعم بالسلام الحقيقي العادل الشامل ، إلا إذا كان يتمتع بجميع حقوقه الإنسانية ، ويشعر دوماً بأن قيم العدل والمساواة والحرية ليست مجرد شعارات جوفاء نتشدق بها ، بل هي أمور يجب أن تتحقق بالفعل على أرض الواقع المعاش .

والإسلام الذي هو دين للحياة بكل أبعادها ، لا بد أن يكون لديه تصور متكامل لقضية السلام الملحة ، ومن أجل ذلك حاولنا خلال هذه السطور المتواضعة أن نوضح مدى إسهام الإسلام في ترسيخ قيم السلام العادل في العقلية الإسلامية ، ومدى إسهامه في ترجمة هذه القيم إلى سلوك حياتي بصفة خاصة ، وبالتالي إسهامه من خلال ذلك كله في إرساء دعائم هذه المبادئ في العالم بوجه عام .

وإذا كان عالمنا المعاصر قد أصبح مثل قرية كوكبية كبيرة ، فإنه لم يعد في وسع المسلمين بأي حال من الأحوال أن يعزلوا أنفسهم عما يدور حولهم في عالمهم المحيط بهم من مستجدات ومستحدثات وتحديات ، وهذا يتطلب منهم المشاركة الإيجابية في قضايا عالمهم الحاضر ، وأن يسهموا إسهاماً فاعلاً في حل مشكلاته .

وفي رأينا المتواضع : إن إبراز الرؤية الإسلامية المستنيرة لقضية السلام العادل ، والتعريف بها أمر من شأنه أن يساعد على توضيح هذه الرؤية ، وبالتالي اتخاذ المواقف الصحيحة التي تساعد وتسهم في تقديم الخير للإنسان الذي كرمه الله سبحانه ، وجعله خليفة في الأرض .

ومن هنا تتأتى أهمية التوعية السليمة بمبادئ الإسلام الحنيف ، وقيمه المتسامحة الخيرة ، تنويراً للأذهان ، وتصحيحاً للمفاهيم المغلوطة ، والأفكار الخاطئة و المتجمدة ، وسداً لمنابع التطرف والانحراف الفكري عن المسار الصحيح للإسلام ، وتعاليمه المستنيرة التي تصلح لكل زمان ومكان .

ويمكن لنا القول : إن الحديث حول السلام في الرؤية الإسلامية ، يتمحور في صورة دوائر ثلاث متداخلة : ـ

الدائرة الأولى : تتمثل في السلام النفسي أو السلام الداخلي ، الذي يحظى به الإنسان في داخله ، وهذا السلام يكون ممكناً عن طريق الدائرة الثانية .

الدائرة الثانية : طريق السلام مع الله تعالى ، الذي يتمثل في العقيدة الدينية ـ وكلتا الدائرتين تجعلان الدائرة الثالثة ممكنة .

الدائرة الثالثة : وهي التي تتمثل في السلام الدائم مع الآخرين ، ومع العالم الذي يحيط بنا ـ والدوائر الثلاث كما نرى جميعها يؤثر كل منهما في الآخر .

وإذا كان المسلم طبقاً لعقيدته ، مطالباً بالسلام مع الآخرين ، ومع عالمه المحيط به ، فإن هذا يعني أن المسلمين مطالبون دائماً وأبداً بالسلام مع العالم الذي يحيون فيه .

وفكرة السلام العالمي تتضمن أن كل شعوب الدنيا ينبغي أن تتاح لها فرصة السلام ، وبالتالي المشاركة الفاعلة في صنعه ، وتحويله إلى واقع يجب أن ينعم به كل البشر .

والمسلمون في كل مكان يرون أن السلام العالمي يعد ضرورة من أجل إنقاذ العالم من شرور الحروب المدمرة ، ومن ثم يريدون بإخلاص وصدق أن يكون لهم نصيب وافر في المشاركة في صنعه .

والخطوة الأولى المهمة على طريق السلام العالمي ـ الذي نتمناه جميعاً ـ تتمثل في وضع نهاية عاجلة لجعل جماعات معينة أو شعوباً أو أدياناً ضحية للعدوان الغاشم ، والرغبة في التوسع .

وبعبارة أخرى : فإن شروط تحقيق السلام العادل في عالمنا ، تتمثل في ضرورة الاعتراف بحق كل إنسان على هذه الأرض في حفظ حياته ودينه وماله وعقله وأسرته ، وهذا ما يؤكده وينادي به الإسلام .

ويمكننا أن نتعلم من دروس التاريخ الكثير حتى نتبين القيمة الحقيقية للسلام في العالم ، فدروس التاريخ توضح لنا أن الحروب المدمرة لم ولن تنجح في حل المشكلات ، بل أنها في واقع الأمر تؤدي إلى ظهور مشكلات جديدة متفاقمة وخطيرة ، وفي أفضل الأحوال تؤخر حل المشكلات على نحو باهظ التكاليف ، وربما تجعل حل المشكلات أمراً محالاً .

وإذا أردنا أن نقيم السلام في عالمنا فلا يجوز أن نعيد الحياة من جديد إلى عدوات الماضي السحيق أو القريب ، وما سببته من عقد مختلفة وعواقب وخيمة ، وبدلاً من ذلك يجب علينا أن نتجه إلى بناء المستقبل بفكر إيجابي ، من أجل العثور على فرص جديدة ، وحلول بناءة ، تساعد على تحقيق السلام الذي نرجوه جميعاً .

إننا نقف اليوم تجاه عوالم جديدة أو أجيال جديدة ، لم يكن لها ذنب فيما تم ارتكابه في عصور سابقة من مظالم ، كما أنها لا تمتدح أيضاً على ما بذلته أجيال سابقة من جهود إيجابية وإسهامات بناءة .

كل ما تحتاجه الأجيال الجديدة الصاعدة ، أن نتيح لها الفرصة كاملة كي تشارك بإيجابية في بناء حياة جديدة مثمرة ، واضعين في الاعتبار أن الظروف الحياتية والعالم الذي يتغير من حولنا ، يجعلنا مطالبين بالبحث الجاد وباستمرار عن حلول جديدة للسلام العادل .

والعالم الإسلامي الذي يشكل أكثر من سدس سكان العالم ، مطالب بالمشاركة وبفاعلية من أجل السلام المنشود الذي سيأخذنا نحو عالم أفضل ، وهذا يتطلب إتاحة الفرصة أمامه لكي يستطيع أن يجند في سبيل ذلك جهوده دون عوائق خارجية أو داخلية ، حتى ينطلق إلى أفاق رحبة للتعاون المثمر مع كل القوى المحبة للسلام .

والإسلام يمتاز عن غيره من الأديان بأنه يعترف من حيث المبدأ بكل الديانات السماوية السابقة عليه ، وفي ذلك يقول القرآن المجيد : {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً , والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه ، الله يجتبي إليه من يشاء ، ويهدي إليه من ينيب .}

والمعنى : لقد شرع الله لكم أيها الناس من الدين دين نوح ومحمد ومن بينهما من الرسل ، وهذا الأصل المشترك بين جميع الأديان ، هو أن اجعلوا الدين قائماً لا مهملاً ، ولا تختلفوا فيه مذاهب شتى ، لأنه لا يحتمل الخلاف لبساطته ، لقد عظم على المشركين ما تدعوهم إليه من هذا الأمر ، فالله تعالى يصطفي لنفسه من يشاء ، ويهدي إلى الحق من يقبل عليه .

ومن أجل ذلك يستطيع الإسلام أن يعيش في سلام مع كل الأديان الأخرى ، وأن يتعاون معها من أجل إرساء دعائم السلام في العالم .

ولكن السلام في العالم لا يمكن تحقيقه إلا إذا تم الاعتراف لجميع الشعوب بلا أدنى استثناء بحقها في تقرير مصيرها وصياغة حياتها على النحو الذي يتواءم مع عقيدتها وحضارتها .

ولا شك في أن هناك جهوداً كثيرة من جهات عديدة تسعى لحلول سلمية للمشكلات العالمية ، ولكن مصداقية مؤسسات السلام العالمية ـ بكل ألم ـ تهتز كثيراً وتتأثر على نحو خطير إذ لم تستطع حتى الآن أن تبرهن على أنها تسعى إلى تحقيق العدالة والسلام بطريقة لا تعرف التحيز ، ولا تعرف الكيل بمكيالين ، أو ازدواجية المعايير ، ولسنا ننكر أن هناك قانوناً دولياً قائماً ، ولكن الأمر لا ينبغي أن يقف عند الإعلان عن ذلك ، بل ينبغي أن ينفذ هذا القانون بالفعل على نحو عملي ، وعلى الجميع بلا أدنى استثناء ، وهذا أمر لا يحدث بكل أسف ، وهذه حقيقة يمكن بسهولة أن يتبينها المرء في كل مكان من عالمنا .

إن القانون الدولي أو الإنساني لا ينبغي أن يكون إلى جانب الدول الغنية القوية فقط لا غير ، بل ينبغي أن يشعر الجميع أغنياء وفقراء ، بأنهم أمام القانون سواء ، فالعدالة لا تتجزأ ، ولا تعترف بازدواجية المعايير .

صحيح أن تعقيدات مشكلات السلام العالمي قد أضحت متشعبة على نحو يصعب على الإنسان الإحاطة بها ، ولكن هذه المشكلات تصبح مستعصية على الحل ، بل مستحيلة الحل ، إذا لم يبد من بيدهم الأمر الرغبة الصادقة لحل المعضلات على نحو لا يعرف التحيز .

 إن الحروب العدوانية ينبغي منعها أي كان مصدرها ، ويجب معاقبة وردع الذين يقومون بإشعالها ، و الشيء نفسه ينطبق على المحاولات التوسعية بما يسمى بالمناطق المحتلة ، والاعتداءات على حقوق الإنسان في أي مكان من العالم يجب تجريمها وتحريمها وعقاب مقترفيها على الفور , ويجب أن تخضع الدول الغنية والفقيرة على السواء للقانون الدولي دون أن نكيل الأمور بمكيالين .

إن الإسلام يؤكد في تعاليمه السمحاء الداعية إلى السلام على ضمان حقوق الإنسان العامة بوصفها أساساً للسلام العادل ، وتتمثل الحقوق الأساسية لكل إنسان ـ من وجهة النظر الإسلامية ـ في حقوق خمسة هي : حفظ النفس ، وحفظ الدين , وحفظ العقل ، وحفظ المال ، وحفظ النسل .

ويتضح لنا مدى الاهتمام البالغ الذي أبداه الإسلام في هذه القضية الجوهرية ، وذلك بجعله هذه الحقوق الأساسية مقاصد للشريعة الإسلامية .

والإسلام إذ يؤكد على هذه الحقوق فإنه من ناحية أخرى يؤكد أيضاً على أهمية الممارسة المسئولة والواعية للواجبات الإنسانية العامة ، كما سبق أن أوضحنا .

ولا شك في أن الممارسة المسئولة للحقوق والواجبات عن طريق الأفراد والجماعات والشعوب من شأنها أن تدعم بحق فرص السلام العادل الشامل ، وتهيئ المناخ الملائم للتعاون الدولي من أجل سلام العالم الذي هو سلامتنا جميعاً ، والتي نرجوها من الله سبحانه وتعالى .

ــــــــ

*باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية

 ayusri_a@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ