ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإسلام
والطريق إلى السلام العالمي بقلم
يسري عبد الغني عبد الله* غني عن البيان أن
قضية السلام من القضايا
الأساسية التي كثر الحديث عنها
في عصرنا الحديث ، حيث عقدت من
أجلها ـ ولا تزال تعقد ـ العديد
من المؤتمرات والمنتديات
والملتقيات على المستوى الدولي
، وفي الواقع فإن هذا أمراً له
ما يبرره ، فالسلام بالنسبة
للإنسان ـ في كل زمان ومكان ـ
يعد ضرورة حياتية مصيرية ، ولا
يمكن للإنسان أن ينعم بالسلام
الحقيقي العادل الشامل ، إلا
إذا كان يتمتع بجميع حقوقه
الإنسانية ، ويشعر دوماً بأن
قيم العدل والمساواة والحرية
ليست مجرد شعارات جوفاء نتشدق
بها ، بل هي أمور يجب أن تتحقق
بالفعل على أرض الواقع المعاش . والإسلام الذي هو دين
للحياة بكل أبعادها ، لا بد أن
يكون لديه تصور متكامل لقضية
السلام الملحة ، ومن أجل ذلك
حاولنا خلال هذه السطور
المتواضعة أن نوضح مدى إسهام
الإسلام في ترسيخ قيم السلام
العادل في العقلية الإسلامية ،
ومدى إسهامه في ترجمة هذه القيم
إلى سلوك حياتي بصفة خاصة ،
وبالتالي إسهامه من خلال ذلك
كله في إرساء دعائم هذه المبادئ
في العالم بوجه عام . وإذا كان عالمنا
المعاصر قد أصبح مثل قرية
كوكبية كبيرة ، فإنه لم يعد في
وسع المسلمين بأي حال من
الأحوال أن يعزلوا أنفسهم عما
يدور حولهم في عالمهم المحيط
بهم من مستجدات ومستحدثات
وتحديات ، وهذا يتطلب منهم
المشاركة الإيجابية في قضايا
عالمهم الحاضر ، وأن يسهموا
إسهاماً فاعلاً في حل مشكلاته . وفي رأينا المتواضع :
إن إبراز الرؤية الإسلامية
المستنيرة لقضية السلام العادل
، والتعريف بها أمر من شأنه أن
يساعد على توضيح هذه الرؤية ،
وبالتالي اتخاذ المواقف
الصحيحة التي تساعد وتسهم في
تقديم الخير للإنسان الذي كرمه
الله سبحانه ، وجعله خليفة في
الأرض . ومن هنا تتأتى أهمية
التوعية السليمة بمبادئ
الإسلام الحنيف ، وقيمه
المتسامحة الخيرة ، تنويراً
للأذهان ، وتصحيحاً للمفاهيم
المغلوطة ، والأفكار الخاطئة و
المتجمدة ، وسداً لمنابع التطرف
والانحراف الفكري عن المسار
الصحيح للإسلام ، وتعاليمه
المستنيرة التي تصلح لكل زمان
ومكان . ويمكن لنا القول : إن
الحديث حول السلام في الرؤية
الإسلامية ، يتمحور في صورة
دوائر ثلاث متداخلة : ـ الدائرة الأولى :
تتمثل في السلام النفسي أو
السلام الداخلي ، الذي يحظى به
الإنسان في داخله ، وهذا السلام
يكون ممكناً عن طريق الدائرة
الثانية . الدائرة الثانية :
طريق السلام مع الله تعالى ،
الذي يتمثل في العقيدة الدينية
ـ وكلتا الدائرتين تجعلان
الدائرة الثالثة ممكنة . الدائرة الثالثة :
وهي التي تتمثل في السلام
الدائم مع الآخرين ، ومع العالم
الذي يحيط بنا ـ والدوائر
الثلاث كما نرى جميعها يؤثر كل
منهما في الآخر . وإذا كان المسلم
طبقاً لعقيدته ، مطالباً
بالسلام مع الآخرين ، ومع عالمه
المحيط به ، فإن هذا يعني أن
المسلمين مطالبون دائماً
وأبداً بالسلام مع العالم الذي
يحيون فيه . وفكرة السلام
العالمي تتضمن أن كل شعوب
الدنيا ينبغي أن تتاح لها فرصة
السلام ، وبالتالي المشاركة
الفاعلة في صنعه ، وتحويله إلى
واقع يجب أن ينعم به كل البشر . والمسلمون في كل مكان
يرون أن السلام العالمي يعد
ضرورة من أجل إنقاذ العالم من
شرور الحروب المدمرة ، ومن ثم
يريدون بإخلاص وصدق أن يكون لهم
نصيب وافر في المشاركة في صنعه . والخطوة الأولى
المهمة على طريق السلام العالمي
ـ الذي نتمناه جميعاً ـ تتمثل في
وضع نهاية عاجلة لجعل جماعات
معينة أو شعوباً أو أدياناً
ضحية للعدوان الغاشم ، والرغبة
في التوسع . وبعبارة أخرى : فإن
شروط تحقيق السلام العادل في
عالمنا ، تتمثل في ضرورة
الاعتراف بحق كل إنسان على هذه
الأرض في حفظ حياته ودينه وماله
وعقله وأسرته ، وهذا ما يؤكده
وينادي به الإسلام . ويمكننا أن نتعلم من
دروس التاريخ الكثير حتى نتبين
القيمة الحقيقية للسلام في
العالم ، فدروس التاريخ توضح
لنا أن الحروب المدمرة لم ولن
تنجح في حل المشكلات ، بل أنها
في واقع الأمر تؤدي إلى ظهور
مشكلات جديدة متفاقمة وخطيرة ،
وفي أفضل الأحوال تؤخر حل
المشكلات على نحو باهظ التكاليف
، وربما تجعل حل المشكلات أمراً
محالاً . وإذا أردنا أن نقيم
السلام في عالمنا فلا يجوز أن
نعيد الحياة من جديد إلى عدوات
الماضي السحيق أو القريب ، وما
سببته من عقد مختلفة وعواقب
وخيمة ، وبدلاً من ذلك يجب علينا
أن نتجه إلى بناء المستقبل بفكر
إيجابي ، من أجل العثور على فرص
جديدة ، وحلول بناءة ، تساعد على
تحقيق السلام الذي نرجوه جميعاً
. إننا نقف اليوم تجاه
عوالم جديدة أو أجيال جديدة ، لم
يكن لها ذنب فيما تم ارتكابه في
عصور سابقة من مظالم ، كما أنها
لا تمتدح أيضاً على ما بذلته
أجيال سابقة من جهود إيجابية
وإسهامات بناءة . كل ما تحتاجه الأجيال
الجديدة الصاعدة ، أن نتيح لها
الفرصة كاملة كي تشارك بإيجابية
في بناء حياة جديدة مثمرة ،
واضعين في الاعتبار أن الظروف
الحياتية والعالم الذي يتغير من
حولنا ، يجعلنا مطالبين بالبحث
الجاد وباستمرار عن حلول جديدة
للسلام العادل . والعالم الإسلامي
الذي يشكل أكثر من سدس سكان
العالم ، مطالب بالمشاركة
وبفاعلية من أجل السلام المنشود
الذي سيأخذنا نحو عالم أفضل ،
وهذا يتطلب إتاحة الفرصة أمامه
لكي يستطيع أن يجند في سبيل ذلك
جهوده دون عوائق خارجية أو
داخلية ، حتى ينطلق إلى أفاق
رحبة للتعاون المثمر مع كل
القوى المحبة للسلام . والإسلام يمتاز عن
غيره من الأديان بأنه يعترف من
حيث المبدأ بكل الديانات
السماوية السابقة عليه ، وفي
ذلك يقول القرآن المجيد : {شرع
لكم من الدين ما وصى به نوحاً ,
والذي أوحينا إليك ، وما وصينا
به إبراهيم وموسى وعيسى ، أن
أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ،
كبر على المشركين ما تدعوهم
إليه ، الله يجتبي إليه من يشاء
، ويهدي إليه من ينيب .} والمعنى : لقد شرع
الله لكم أيها الناس من الدين
دين نوح ومحمد ومن بينهما من
الرسل ، وهذا الأصل المشترك بين
جميع الأديان ، هو أن اجعلوا
الدين قائماً لا مهملاً ، ولا
تختلفوا فيه مذاهب شتى ، لأنه لا
يحتمل الخلاف لبساطته ، لقد عظم
على المشركين ما تدعوهم إليه من
هذا الأمر ، فالله تعالى يصطفي
لنفسه من يشاء ، ويهدي إلى الحق
من يقبل عليه . ومن أجل ذلك يستطيع
الإسلام أن يعيش في سلام مع كل
الأديان الأخرى ، وأن يتعاون
معها من أجل إرساء دعائم السلام
في العالم . ولكن السلام في
العالم لا يمكن تحقيقه إلا إذا
تم الاعتراف لجميع الشعوب بلا
أدنى استثناء بحقها في تقرير
مصيرها وصياغة حياتها على النحو
الذي يتواءم مع عقيدتها
وحضارتها . ولا شك في أن هناك
جهوداً كثيرة من جهات عديدة
تسعى لحلول سلمية للمشكلات
العالمية ، ولكن مصداقية مؤسسات
السلام العالمية ـ بكل ألم ـ
تهتز كثيراً وتتأثر على نحو
خطير إذ لم تستطع حتى الآن أن
تبرهن على أنها تسعى إلى تحقيق
العدالة والسلام بطريقة لا تعرف
التحيز ، ولا تعرف الكيل
بمكيالين ، أو ازدواجية
المعايير ، ولسنا ننكر أن هناك
قانوناً دولياً قائماً ، ولكن
الأمر لا ينبغي أن يقف عند
الإعلان عن ذلك ، بل ينبغي أن
ينفذ هذا القانون بالفعل على
نحو عملي ، وعلى الجميع بلا أدنى
استثناء ، وهذا أمر لا يحدث بكل
أسف ، وهذه حقيقة يمكن بسهولة أن
يتبينها المرء في كل مكان من
عالمنا . إن القانون الدولي أو
الإنساني لا ينبغي أن يكون إلى
جانب الدول الغنية القوية فقط
لا غير ، بل ينبغي أن يشعر
الجميع أغنياء وفقراء ، بأنهم
أمام القانون سواء ، فالعدالة
لا تتجزأ ، ولا تعترف بازدواجية
المعايير . صحيح أن تعقيدات
مشكلات السلام العالمي قد أضحت
متشعبة على نحو يصعب على
الإنسان الإحاطة بها ، ولكن هذه
المشكلات تصبح مستعصية على الحل
، بل مستحيلة الحل ، إذا لم يبد
من بيدهم الأمر الرغبة الصادقة
لحل المعضلات على نحو لا يعرف
التحيز . إن
الحروب العدوانية ينبغي منعها
أي كان مصدرها ، ويجب معاقبة
وردع الذين يقومون بإشعالها ، و
الشيء نفسه ينطبق على المحاولات
التوسعية بما يسمى بالمناطق
المحتلة ، والاعتداءات على حقوق
الإنسان في أي مكان من العالم
يجب تجريمها وتحريمها وعقاب
مقترفيها على الفور , ويجب أن
تخضع الدول الغنية والفقيرة على
السواء للقانون الدولي دون أن
نكيل الأمور بمكيالين . إن الإسلام يؤكد في
تعاليمه السمحاء الداعية إلى
السلام على ضمان حقوق الإنسان
العامة بوصفها أساساً للسلام
العادل ، وتتمثل الحقوق
الأساسية لكل إنسان ـ من وجهة
النظر الإسلامية ـ في حقوق خمسة
هي : حفظ النفس ، وحفظ الدين ,
وحفظ العقل ، وحفظ المال ، وحفظ
النسل . ويتضح لنا مدى
الاهتمام البالغ الذي أبداه
الإسلام في هذه القضية الجوهرية
، وذلك بجعله هذه الحقوق
الأساسية مقاصد للشريعة
الإسلامية . والإسلام إذ يؤكد على
هذه الحقوق فإنه من ناحية أخرى
يؤكد أيضاً على أهمية الممارسة
المسئولة والواعية للواجبات
الإنسانية العامة ، كما سبق أن
أوضحنا . ولا شك في أن
الممارسة المسئولة للحقوق
والواجبات عن طريق الأفراد
والجماعات والشعوب من شأنها أن
تدعم بحق فرص السلام العادل
الشامل ، وتهيئ المناخ الملائم
للتعاون الدولي من أجل سلام
العالم الذي هو سلامتنا جميعاً
، والتي نرجوها من الله سبحانه
وتعالى . ــــــــ *باحث
ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |