ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضانيات
(9) رحمة
الله بأمة الحبيب المصطفى الدكتور
عثمان قدري مكانسي كنت
أقرأ اليوم
- صباح السادس عشر من رمضان
عام 1429 للهجرة سورة البقرة ،
فتوقفت عند آخرها في قوله تعالى
" لِلَّهِ
مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي
الأرض وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي
أَنْفُسكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ
يُحَاسِبكُمْ بِهِ اللَّه
فَيَغْفِر لِمَنْ يَشَاء
وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء
وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء
قَدِير" وفيها أن الله
تعالى لا تَخْفَى عَلَيْهِ
الظَّوَاهِر وَلا السَّرَائِر
وَالضَّمَائِر وَإِنْ دَقَّتْ
وَخَفِيَتْ وأَنَّهُ
سَيُحَاسِبُ عِبَاده عَلَى مَا
فَعَلُوهُ وَمَا أَخْفُوهُ فِي
صُدُورهمْ كَمَا قَالَ
تَعَالَى "
قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي
صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ
يَعْلَمهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ
مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي
الأرض، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
وَقَالَ " يَعْلَمُ
السِّرَّ وَأَخْفَى "
وأنه سبحانه يحاسب العباد على
جليل الأعمال وحقيرها لما
سمع أصحاب رسول الله هذه الآية
اشتد الأمر عليهم وخافوا
وجثـَوا على الركب أمام رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقولون
هلكنا والله يا رسول الله
، وَقَالُوا : يَا رَسُول
اللَّه كُلـّفنا مِن الأعمال
مَا نُطِيق : الصلاة
وَالصِّيَام وَالْجِهَاد
وَالصَّدَقَة وَقَدْ
أُنْزِلَتْ عَلَيْك هَذِهِ
الآية ولا نُطيقها . فَقَالَ
رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " أَتُرِيدُونَ
أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ
أَهْل الْكِتَابَيْنِ مِنْ
قَبْلكُمْ : سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا
سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
غُفْرَانك رَبّنَا وَإِلَيْك
الْمَصِير " . فَلَمَّا
أَقَرَّ بِهَا الْقَوْم
وَذلَّتْ بِهَا أَلسِنَتهمْ
أَنْزَلَ اللَّه فِي أَثَرهَا
" آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ
وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ
رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا غُفْرَانك رَبّنَا
وَإِلَيْك الْمَصِير " . فَلَمَّا
فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا
اللَّه تعالى ، فَأَنْزَلَ :
"
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إلا وُسْعهَا لَهَا مَا
كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اِكْتَسَبَتْ رَبّنَا لا
تُؤَاخِذنَا إِنْ نَسِينَا
أَوْ أَخْطَأْنَا " قَالَ
نَعَمْ " رَبّنَا
وَلا تَحْمِل عَلَيْنَا
إِصْرًا كَمَا حَمَلْته عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلنَا "
قَالَ نَعَمْ
" رَبّنَا ولا
تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَة
لَنَا بِهِ " قَالَ
نَعَمْ " وَاعْفُ
عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا
وَارْحَمْنَا أَنْتَ مولانا
فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْم
الْكَافِرِينَ" قَالَ
نَعَمْ . من حَدِيث اِبْن
عَبَّاس فَتَجَوَّزَ
لَهُمْ عَنْ حَدِيث النفس
وَأُخِذُوا بالأعمال والأقوال
فقط . يقول
القرطبي في تفسيره : قَالَ
جِبْرِيل للنبي صلى الله عليه
وسلم : إِنَّ اللَّه قَدْ
أَحْسَنَ الثَّنَاء عَلَيْك
وَعَلَى أُمَّتك ، فَسَلْ
تُعْطَهُ . فَسَأَلَ النبي صلى
الله عليه وسلم التخفيف ، فنزلت
الآية الأخيرة " لا يكلف الله
نفساً إلا وسعها ، ثم روى اِبْن
عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُول
اللَّه - صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
إِنَّ اللَّه وَضَعَ عَنْ
أُمَّتِي الْخَطَأ
وَالنِّسْيَان وَمَا
اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ "
. عَنْ
أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ
رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
إِنَّ اللَّه تَجَاوَزَ لِي
عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ
بِهِ أَنْفُسهَا مَا لَمْ
تَكَلَّم أَوْ تَعْمَل " .
وَفِي
الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حديث
أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ
رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَالَ
اللَّه : إِذَا هَمَّ عَبْدِي
بِسَيِّئَةٍ فلا تَكْتُبُوهَا
عَلَيْهِ فَإِنْ عَمِلَهَا
فَاكْتُبُوهَا سَيِّئَة
وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ
فَلَمْ يَعْمَلهَا
فَاكْتُبُوهَا حَسَنَة فَإِنْ
عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا
عَشْرًا " وَفِي
حَدِيث سُهَيْل عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ :
جَاءَ نَاس مِنْ أَصْحَاب
رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا إِنَّا
نَجِد فِي أَنْفُسنَا مَا
يَتَعَاظَم أَحَدُنَا أَنْ
يَتَكَلَّم بِهِ قَالَ " وَقَدْ
وَجَدْتُمُوهُ ؟ " قَالُوا
نَعَمْ قَالَ "
ذَاكَ صَرِيح الإيمان " . وقد
قال العلماء : إِنَّ الْمُذْنِب
مُحْتَاج إِلَى ثلاثة أَشْيَاء
: 1-
أَنْ
يَعْفُو اللَّه عَنْهُ فِيمَا
بَيْنه وَبَيْنه ، 2-
وَأَنْ
يَسْتُرهُ عَنْ عِبَاده فلا
يَفضَحهُ بِهِ بَينهم ، 3-
وَأَنْ
يَعْصِمهُ فلا يُوقِعهُ فِي
نَظِيره . وهذا
من فضل الله تعالى على أمة
الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
. إذ رفع الله سبحانه عنا
الفضيحة والعنت مما كانت الأمم
قبلنا تعيشه . فقد
كان يُكتب على أبواب الأقوام
قبلنا ما كانوا يفعلونه في
اليوم السابق ، فيستيقظون ،
فيجدون ذلك أمام أعينهم ، يقرؤه
الجميع ، فلا سرّ ولا ستر أكان
ما فعلوه خيراً أم شراً . مثال
ذلك قصة الرجل الذي تصدق على
زانية وعلى لص ثم على تاجر . وكان
من طهارة الثوب إذا أصابته
نجاسة أن يُقرض مكان النجاسة
بالمقاريض . والإصر
كما قال العلماء : الشدة
والتكليف الشاق الذي قد لا
يتحمله المكلّفُ به إلا بعنت
وجهد كبيرين . من
الأمثلة التي نجد فيها شدة
الأخذ بخواطر النفس في الأمم
قبلنا مارواه صهيب بن سنان رضي
الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يحرك شفتيه بشيء لا
نفهمه , فقلنا : يا رسول الله إنك
تحرك شفتيك بشيء لا نفهمه ! قال :
" إن نبياً من
الأنبياء أعجبه كثرة قومه , فقال
: من يفي لهؤلاء ؟ أو من يقوم
لهؤلاء ؟ قال : فقيل له : خيّر
أصحابك بين 1-
أن
نسلط عليهم عدواً فيستبيح
بيضتهم ، 2-
أو
الجوع ، 3-
أو
الموت , فخيّرهم فاختاروا الموت
, قال : فمات منهم في ثلاثة أيام
سبعون ألفاً
" . قال : فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " وأنا
أقول : اللهم بك أقاتل , وبك
أحاول , وبك أصاول , ولا قوة إلا
بك " .
وفي رواية : فأُوحي إليه أن اختر
لقومك إحدى ثلاث إما أن نسلط
عليهم عدوا من غيرهم أو الجوع أو
الموت فاستشار قومه في ذلك
فقالوا أنت نبي الله فكل ذلك
إليك خر لنا فقام إلى الصلاة
وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى
الصلاة فصلى ما شاء الله قال ثم
قال أي رب أما عدو من غيرهم فلا
أو الجوع فلا ولكن الموت فسلط
عليهم الموت فمات منهم سبعون
ألفا. فهَمْسي الذي ترون أني
أقول اللهم بك أقاتل وبك أصاول
ولا حول ولا قوة إلا بالله . وتصور أن عقوبة هذه
الخواطر التي لم يطّلع عليها
إلا الله تعالى الذي يعلم السر
وأخفى كانت إحدى ثلاث أمور من
أشد ما يُعاقب به الإنسان . فالحمد له – سبحانه –
أنه لم يكلفنا إلا ما نُطيق ،
ولم يحملنا حساب الخواطر
والأفكار وحديث النفس ، فوالله
إنها لمن الطامّات لو كانت ،
إنها لا تبقي ولا تذر . يا ربنا لك الحمد ولك
الشكر آناء الليل وأطراف النهار
، في كل لمحة وثانية في حياتنا
إلى أن نلقاك وأنت راضِ عنا . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |