ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رمضانيات
(12) شرور
الثقلين الدكتور
عثمان قدري مكانسي قرأ الإمام في صلاة
فجر هذا اليوم الرمضاني
20- رمضان 1429من سورة فاطر ،
ولما قرأ آخر آية في هذه السورة
" وَلَوْ
يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ
بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ
عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ
دَابَّةٍ وَلَٰكِنْ
يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ
أَجَلٍ مُسَمًّى ۖ
فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ
فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
" كررت
في نفسي "
ما ترك على ظهرها
من دابّة " ثم قلت : أأراد
سبحانه وتعالى بكلمة دابـّة مَن
يعقل فقط ( الأنس والجن ) وهم
المكلفون ، وعليهم يجري القلم
أم أراد سبحانه أن كل نسمة في
الأرض من حيوانات وحشرات يبيدها
الله تعالى بذنوب الجن والإنس
وشرورهم ؟ . وحين عدت إلى البيت
لجأت إلى كتب التفسير
أستجلي الأمر فوجدت الرأيين
كليهما ، وقبل أن أورد ما ارتاحت
له نفسي أذكر ما قيل فيهما ،
ولعل القارئ يقدم أحدهما على
الآخر لعلة قوية يرتئيها . قال بعض المفسرين في
هلاك الجميع " لَوْ أخذهم
بِجَمِيعِ ذنوبهمْ لأهلك
جَمِيع أَهل السَّمَاوات
وَالأرض ، وَمَا يملِكُونَهُ
مِن دَوَابّ وَأَرزاق . ويورد
ابن كثير عن ابن مسعود " كَاد
الجُعل أَن يُعَذب فِي جُحره
بِذَنْبِ اِبن آدم " . وزاد
القرطبي معللاً : وَقَدْ فُعِلَ
ذَلِكَ زَمَن نُوح عليه
السَّلام .
وَقَالَ سَعِيد بن جُبَير
وَالسُّدِّيّ في هذه الآية :
لَمَا سَقَاهُم الْمَطَر
فَمَاتَت جَمِيع الدَّوَابّ .
وَقَالَ يَحيى بن أَبِي كَثِير :
أَمَرَ رَجُلٌ بِالْمَعرُوفِ
وَنَهَى عَنْ المُنكَر ,
فَقَالَ لَهُ رَجُل : عَلَيْك
بِنَفسِك فَإِنَّ الظَّالِم لا
يَضُرّ إلا نَفسه . فَقَالَ أبو
هريرة : كَذَبت ، وَاَللَّه
الَّذِي لا إِلَه إلاّ هُوَ -
ثُمَّ قَالَ - وَاَلَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ
الْحُبَارَى لَتَمُوت هُزْلا
فِي وَكرهَا بِظُلمِ الظَّالِم
. وَقَالَ الثمَالِيّ وَيَحْيَى
بْن سلاّم فِي هَذِهِ الآية :
يَحبِس اللَّه الْمَطَر
فَيَهلِك كلّ شَيْء .ويقول
مُجَاهِد فِي تَفسِير " وَيَلْعَنهُمْ
اللاعنون " في
سورة البقرة هم الْحَشَرَات
وَالْبَهَائِم يُصِيبهُم
الْجَدب بِذُنوبِ عُلَمَاء
السُّوء الْكَاتِمِينَ
فَيَلعَنُونَهُم . وَذَكَر
القرطبي حَدِيث
الْبَرَاء بن عَازِب قَالَ :
قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وسلم فِي قَوله
: " ويلعنهم
اللاعنون " قَالَ : ( دَوَابّ
الأرْض ) . ولا تدل لعنة
الحيوانات التي لا تعقل وغيرها
للمفسدين من البشر والجن
في الحديث أن الهلاك يصيبها
إلا ان الأذي قد يلحق بها ،
وتشعر به . وأما قول ابن مسعود
رضي الله عنه " " كَادَ
الجَعْل أَنْ يُعَذَّب فِي
جُحْره بِذنبِ اِبْن آدم "
فللتهويل وتعظيم الأمر حين
استعمل الفعل ( كاد) . وأما حبس
المطر في قول الثمالي وابن سلام
فيرده قول النبي صلى الله عليه
وسلم " ولولا
البهائم لم يُمطروا " . وقال بعضهم في هلاك
الإنس والجن فقط ، فهم أصحاب
الشرور . وَقَالَ الْكَلبِيّ :
" مِنْ دَابَّة
" يُرِيد الْجِنّ وَالإنس
دُون غيرهما ; لأنهما
مُكَلَّفَانِ بِالعقل . وَقَالَ
اِبن جَرِير والأخفش والحسين بن
الفضل : أَرَادَ بِالدابة هُنَا
النَّاس وَحدهم دُون غَيرهم . ويقول الفقير إلى ربه
: حين قال تعالى " ولكنْ
يؤخّرهم " فالضمير المتصل
هنا يعود على العاقل فإذا كان
التأخير للعاقل ، فالإهلاك لو
حصل فللعاقل نفسه ، كما أعتقد أن
كلمة " عباده"
تطلق
على العاقل في القرآن كله ،
فالحديث إذاً عن العاقلين ليس
غير ... ولعل القارئ علم من
الأسطر الأخيرة وما علّقت عليه
في آخر سرد الرأي الأول ما ارتحت
إليه من المعنيين ، ولك يا أخي
أن تختار ما اطمأنّ قلبك إليه ،
فالقرطبي رحمه الله تعالى يرى
غير ما أرى ، وهو عالم جليل ذو
فكر راجح وآراء صائبة . ولكنْ قد
يصل إلى الصواب أحياناً تلميذ
صغير لا يؤبه له ، وكلنا ننشد
الحقيقة ، هدانا الله إليها ،
وعلى الجميع أن يُعمل عقله
وفكره ... والله وليّ التوفيق. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |