ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
اهتمامات
غير سياسية .. خبز وبراميل نفط
ودولارات الطاهر
إبراهيم* اعترف ابتداء أن اهتمامات المواطن العربي
قد احتكرتها لقمة عيشه اليومية.
من أين يكتسبها، وكيف يحسّن
نوعيتها، وهل يستطيع الدفاع
عنها في وجه غول الغلاء الفاحش
الذي يكتسح في طريقه كل المواد
الغذائية من دون استثناء؟ وهل
إذا بقي عنده شيء من وقت يفيض عن
سعيه وراء حاجته وحاجة عياله،
فأين يصرف ذلك الوقت المستقطع؟ المواطن العربي المغترب، قد لا يختلف
كثيرا عن أخيه المحصور داخل
جدران الوطن. ولكن قد تتنوع
اهتمامات هذا المغترب
أكثر،لكنها في النهاية تصب
بوعاء البحث عن مصادر اللقمة،
في تحسينها أو الدفاع عن بقائها
في نفس مستواها، في هذا الزمن
الذي لا يعترف بشيء اسمه حاجة
ضرورية ندافع عنها في وجه غول
الغلاء ووحش الاحتكار. مع هذا
الاهتمام الشخصي الصرف، كنا
نتحسس ما يهم وطننا العربي، غير
بعيد عن السياسة، اقتصاداً
وسلطة. لذلك كانت البسمة ترتسم في وجوهنا أحيانا
عندما بدأنا نسمع ونقرأ عن
ارتفاع أسعار البترول عالميا،
وإن كنا في النتيجة لن ينالنا
شيء من تلك العوائد الدولارية
الضخمة. إلا أننا كنا نقول مع
المثل: "اطلب الخير لجارك
تجده في دارك". لكن ظاهرة سيئة
رافقت ارتفاع أسعار النفط ، وهي
انخفاض قيمة الدولار الأمريكي -لا
حبا في أمريكا، فربما يكون خفض
قيمة الدولار من صنعها- لأن
عملات معظم بلداننا العربية
مرتبطة بشكل أو بآخر بالدولار.
وهكذا انقلب سحر الساحر عليه.
براميل النفط يرتفع سعرها،
والدولار الأمريكي ينخفض سعره.
ما جعل البسمة التي ارتسمت
تنقلب إلى عبوس وتقطيب في
وجوهنا، وتركتنا نتحسس جيوبنا
ومافيها من غلة ضئيلة اقتطعناها
من مصروفنا اليومي ندخرها لوقت
الحاجة ولتعليم أبنائنا، خصوصا
أننا مقطوعون عن بلداننا، إن
كان لأحدنا فيها مال أو عقار. وهكذا، وجدنا قطعة الثلج –ولا أقول كرة
الثلج- تذوب شيئا فشيئا،
ومدخراتنا –القليلة على كل حال-
تتضاءل يوما فيوما. ولأن أكثر
المواطنين العرب لم يستفيدوا من
زيادة أسعار البترول، فقد غدا
ارتفاع قيمة برميل النفط، التي
سعدنا لها، نقمة علينا لا نعمة. عندما بدأت أسعار براميل البترول تتدحرج
هابطة بسرعة كأنها تقول: "ما
طار برميل وارتفع ... إلا كما طار
وقع". عادت البسمة الخجول
ترتسم من جديد، لا تشفيا من
أصحاب براميل النفط، بل لأن
انكماش الدولار توقف، بل بدأ
يرتفع بخجل وإن كان ارتفاعا
متعثرا، فاستعادت معه الريالات
والدراهم القليلة في جيوبنا بعض
عافيتها. ما دفعني إلى تسجيل هذه الخواطر ليس
ارتفاع سعر برميل النفط
أونزوله، ولاذوبان مدخرات
المواطن مع انخفاض قيمة
الدولار، فهناك من لا يملك
مدخرات أصلا، بل لخواطر أخطر
وأجل . فقد كانت أخبار المال
تذاع مع نشرات الأخبار السياسة
في كل ساعة، ما جعل المتابع
مضطرا لسماع أخبار الأسهم
العالمية والعربية، التي تحمل
معها ما يذكرنا بهامشية
اهتمامات أصحاب رؤوس الأموال،
وأصحاب مليارات الدولارات. فما ساءني في نشرات المال عبر الفضائيات،
أن الصفقات الضخمة لم تكن تذهب
في مشاريع البنية التحتية، أوفي
بناء مصانع سيارات توقف نزيف
المال العربي في شرائها، أوفي
مشاريع الزراعة في السودان الذي
يصفه خبراء الزراعة بأنه سلة
الغذاء الذي يمكن –لواستثمر
جيدا- أن يحقق الاكتفاء والأمن
الغذائيين في العالم العربي
الذي يستورد معظم غذائه من
أمريكا ومن أستراليا وأوروبا.
بل لقد سمعنا أن مَحَافِظ ضخمة
بعشرات مليارات الدولارات
تأسست لشراء أصول مؤسسات مالية
في أمريكا، أو تشتري نوادي
رياضية، أولشراء أرصفة لتحميل
السفن في بعض المقاطعات
الأمريكية. ولعل المضحك المبكي
في الأمر أن تقف السلطات
الأمريكية –زيادة في الإغراء
في الشراء وفي تمكين الخازوق-
محاولة رفض إتمام هذه الصفقات. فهل استنفدنا بنود المشاريع في البلاد
العربية، بلداً بلدا، حتى نشتري
نادي "مانشستر سيتي"
بمليارات الدولارات، كما فعل
متمولون عرب؟ وفي مجال المؤسسات
المالية: هل خلت البلاد العربية
من مؤسسات استثمارية مالية –أو
إنشاء مشاريع استثمارية حيوية-
حتى تشتري هيئة "استثمار أبو
ظبي" بنك "سيتي كورب" في
العام الماضي في صفقة قيمتها 7.5
مليار دولار بقيمة 30 دولارا
للسهم، وقد هبطت قيمة سهم هذا
البنك يوم الاثنين الأسود في15
سبتمبر إلى 15 دولارا؟ (الحياة ..
17 أيلول "سبتمبر"). لست خبيرا في الاقتصاد. لكن الكل يعرف أن
أصحاب المؤسسات المالية لا
يبيعونها كاملة إلا إذا كانت
على شفا الإفلاس. وكما يقول
المثل المعروف: "لو كان فيها
خير ما رماها الطير"... وهذا ما
أظهر للعالم أجمع: كم كانت
المؤسسات المالية الضخمة في
أمريكا تنطوي على دخيلة سيئة،
ومدراؤها يعلمون، لكنهم ساكتون
ومشاركون في تهديم تلك
المؤسسات؟ حتى إذا فاض الإناء
بما فيه ظهر عوارها بل عماها،
دفعة واحدة!. *كاتب سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |