ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الانقسام
والحكم الذاتي للفصائل
الفلسطينية أ.د.
محمد اسحق الريفي تتمرس فصائل
فلسطينية عديدة خلف الانقسام
الداخلي، لتبرير حياديتها
وسلبيتها وأنانيتها، وللتغطية
على فشلها وتخاذلها، وللتعمية
على الأسباب الحقيقية لتمزق
الجبهة الداخلية.
وتبكي تلك الفصائل من
الانقسام رغم أنها هي نفسها
التي صنعته، بما تمارسه من حكم
ذاتي أدى إلى تصدع الجبهة
الداخلية. تقبع بعض
الفصائل الفلسطينية تحت مظلة
منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف)،
بينما ليس لبعضها الآخر أي تمثل
في هذه المنظمة المشلولة. وتسيطر
حركة فتح كبرى الفصائل المنضوية
تحت مظلة م.ت.ف على هذه المنظمة
المهترئة، وتأخذ بناصيتها إلى
الوجهة التي تريدها، وتضع
سياساتها الخاصة بالقضية
الفلسطينية، وتهيمن على صناعة
القرار الفلسطيني فيها، وتحدد
العلاقة بين القوى السياسية
الفلسطينية. أما باقي
الفصائل التي تعمل تحت مظلة م.ت.ف،
فوجودها الديكوري تحت هذه
المظلة يقتصر إما على دعم حركة
فتح والتأسي بها في المواقف
المختلفة وإما لتحقيق مصالح
فئوية لا تمت للقضية الفلسطينية
وجهاد الشعب الفلسطيني بصلة. ويكفي
هذه الفصائل سوءاً أنها مجرد
لبنة في بيت خرب تستخدمه عصابات
الابتزاز السياسي وسماسرة
الوطن والراقصين على جراحات
الشعب الفلسطيني ملاذاً آمناً
لها، وأن هذه الفصائل هي جزء من
جسم فاسد فرط بالحقوق وتنازل عن
الثوابت واستنزف قوى الشعب
الفلسطيني. ولو سألت
قيادات أحدى تلك الفصائل،
وكوادرها وأنصارها، عن مواقفهم
من اتفاقيات أوسلو المشئومة
ومثيلاتها، فسيجيبونك بأنهم
عارضوها، وسيبررون بقاءهم تحت
عباءة م.ت.ف بعد سلسلة الخطايا
التي ارتكبتها تجاه الشعب
الفلسطيني وقضيته بالعمل
الديمقراطي، الذي يكفل حق
الأغلبية في القيام بأي عمل
واتخاذ أي مواقف، حتى وإن أدى
ذلك إلى ضرب المشروع الوطني
التحرري ضربة قاصمة وانقسام
الجبهة الداخلية بين نهج مقاوم
وآخر مستسلم. فالديمقراطية
عند تلك الفصائل تبرر السكوت
على بيع فلسطين وتصفية القضية
الفلسطينية. أما الفصائل
التي لا تمثيل لها في م.ت.ف، فقد
تباينت مواقفها من العملية
السياسية والمشاركة في النظام
السياسي الفلسطيني، الذي جاء
وفقاً لاتفاقيات أوسلو.
فبينما قررت حركة حماس
الدخول في المعترك السياسي
والتأثير في النظام السياسي
الفلسطيني من داخله بهدف
الإصلاح والتغيير، رأت حركة
الجهاد الإسلامي أن العمل
السياسي رجس من عمل الشيطان يجب
عليها عدم مقارفته. وقد
يكون لحركة الجهاد مبرراتها
الخاصة، التي يقتضيها حجمها على
الساحة الفلسطينية، ولكن عدم
اتفاق الحركتين الإسلاميتين هو
انقسام بحد ذاته. وبغض النظر عن
مواقف حركة الجهاد والفصائل
الأخرى من فوز حركة حماس في
الانتخابات التشريعية، وعن
مواقفها من الحكومة العاشرة
وحكومة الوحدة الوطنية، تمارس
كل الفصائل حكماً ذاتياً في
تعاطيها مع القضية الفلسطينية
وتفاعلاتها السياسية. فكل
فصيل يتخذ ما يشاء من قرارات
ومواقف سياسية، ويقوم بما يرى
من إجراءات وممارسات سياسية،
بحرية مطلقة، ودون أي مشاركة أو
تنسيق أو توافق مع الفصائل
الأخرى. وهذا الحكم
الذاتي للفصائل الفلسطينية هو
أصل الانقسام الداخلي المزمن،
وهو المسئول عن تصدع الجبهة
الداخلية وضعفها أمام الاحتلال
الصهيوني، الأمر الذي سيؤدي
استمراره إلى تقهقر القضية
الفلسطينية وإعاقة مسيرة
التحرير وإنهاء المشروع
التحرري. إن الزعم بأن
الفصائل الفلسطينية لا تشارك في
العملية السياسية الراهنة هو
مجرد أكذوبة، فكل الفصائل
الفلسطينية تشارك بشكل مباشر أو
غير مباشر في العملية السياسية،
فمثلا شاركت كل الفصائل
الفلسطينية في كل الهدن
والتهدئات مع الاحتلال
الصهيوني، وعقدت هذه الفصائل
بينها اتفاقيات عديدة تؤثر في
العملية السياسية، وتخضع كل هذه
الفصائل للنظام السياسي
الفلسطيني الراهن. ولذلك لا يمكن
تفسير مواقف الفصائل التي تمارس
الحكم الذاتي إلا في سياق
الأنانية التي تتشبث بها تلك
الفصائل للحفاظ على كيانها، حتى
وإن أدى ذلك إلى تعميق الانقسام
وتفعيله. هذه
الأنانية هي التي تجعل الفصائل
ترفض المشاركة السياسية منذ فوز
حركة حماس مضيعة بذلك فرصة
ذهبية للتأثير الفاعل في المشهد
السياسي الفلسطيني لصالح الشعب
الفلسطيني وقضيته.
فوصول حركة حماس إلى الحكم
والسلطة جعل من الممكن قيام
تنسيق وتعاون بينها وبين حركة
الجهاد الإسلامي مثلاً من أجل
التغيير والإصلاح وحماية
المقاومة والوقوف ضد النهج
الاستسلامي الذي يهدد مصير
الشعب الفلسطيني ووجوده. وقد يقول قائل
إن حركة حماس رفضت المشاركة
السياسية والمشاركة في
الانتخابات التشريعية قبل ذلك.
وهذا صحيح، ولكن هناك فرق
كبير بين اليوم والأمس، من حيث
قوة حركة حماس والظروف المحلية
والإقليمية وتطورات القضية
الفلسطينية، فقد كشفت حقبة
أوسلو للشعب الفلسطيني الكثير
من الحقائق الدامغة حول
اتفاقيات أسلو وما واكبها من
أكاذيب حول الدولة الفلسطينية،
مما هيأ للشعب الفلسطيني رفض
سلطة أوسلو والاقتناع بأن
المقاومة هي الخيار
الاستراتيجي الوحيد لتحرير
فلسطين وتحقيق المصير. على أي حال، لو
كانت الفصائل الفلسطينية حريصة
بحق على القضية الفلسطينية وعلى
مصير الشعب الفلسطيني ومصالحه
العليا، لوظفت وصول حركة حماس
للحكم والسلطة، وما قامت به بعد
ذلك من إنهاء حالة الفلتان
والتعاون الأمني مع الاحتلال،
في تقويض
نظام أوسلو وعزل تيار النهج
الاستسلامي المشارك للاحتلال
والأمريكان في تصفية القضية
الفلسطينية، ولكن تشبث الفصائل
بالحكم الذاتي أدى إلى ما يعيشه
شعبنا من انقسام ومعاناة قاسية. إذن، لماذا
تبكي تلك الفصائل من حالة
الانقسام الداخلي وهي التي
تصنعه، ولماذا توسط مصر وغيرها
من أجل رأب الصدع وهي قادرة على
فعل ذلك بنفسها لو أرادت؟!! ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |