ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 04/10/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المشهد الأدبي والثقافي في حلب

بقلم: محمد علي شاهين

بعد ثماني سنوات من ثورة الثامن من آذار 1963، توفي فقيراً معدماً بدار العجزة في مدينة حلب، كبرى المدن السوريّة، مؤرّخ الشهباء خير الدين الأسدي، الذي أشبعته الأوساط الثقافيّة الحكوميّة في عاصمة الثقافة الإسلاميّة لعام 2006 مدحاً وثناء، وأفاضت في الحديث عن أدبه وفنّه وريادته، وهو الذي أفنى عمره في كتابة المؤلّفات القيّمة وفي مقدمتها: (موسوعة حلب المقارنة) في سبعة مجلّدات، التي استغرق في كتابتها ثلاثين عاماً، وبلغ عدد صفحاتها حوالي 3236 صفحة من القطع الكبير، وسجل فيها تراث حلب الشعبي والأدبي من حكم وأمثال وعادات وأخبار، وبحث في جذور كلمات اللهجة الحلبية بحثاً عميقاً متميّزاً، ولم تكتحل عيناه بطباعتها،  حيث أنّها لم تطبع إلاّ بعد ست عشرة سنة من وفاته، ووصل العقوق برعاة الثقافة درجة لم تبلغها في عصر من العصور، عندما بيعت جثّته بستّة دولارات لطلاب كليّة الطب لتشريحها قبل أن يحمله حفّار القبور وحيداً إلى لحده المفقود في مقبرة الغرباء (الصالحين).

حلب التي كانت منبت أهل العلم والفضل ومهوى قلوب العلماء والأدباء والشعراء عبر العصور، فجاءها الفيلسوف الفارابي، والشاعر المتنبي، والمؤرّخ جمال الدين القفطي، والطبيب ابن أبي أصيبعة، وغيرهم، كسدت في سوقها اليوم الفنون والآداب، وهجرتها البلابل المغرّدة.  

أين نوادي حلب الأدبية التي كانت تعجّ بالنشاط والحيويّة، وتضج بالفنون الأدبيّة مسارحها ومنابرها، وأين الأسابيع الأدبيّة والثقافيّة التي شهدنا طرفاً منها في أواخر الخمسينات، وأين المهرجانات الشعريّة التي كانت ترتقي بالذوق العام إلى القمّة؟

وأين الأربع والثلاثين جريدة يوميّة وأسبوعيّة وشهريّة التي كانت تصدر قبل ثورة الثامن من آذار في حلب الشهباء، وأين هدير المطابع في حواري حلب وأزقتها؟

أين رجالات حلب وسادتها وعلماءها الذين شهدت لهم الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي بالأصالة والتقدّم؟

حلب التي تذخر مكتباتها القديمة بعبق التراث ونفائس المخطوطات، تبحث اليوم عن الجهابذة المحقّقين ليعيدوا نشر هذا التراث العظيم فلا تجدهم.

حلب التي حوربت في ميدان الأدب والثقافة  والسياسة، أصابها رجالاتها التهميش، وجرت محاولات لشطبهم من المشهد السياسي والاجتماعي السوري على مدى أربعة عقود ونيّف، وهذه حقيقة واقعة، فقد شهدت في عمّان سنة 1998 مع أحد الإخوان جنازة رئيس الجمهوريّة السوريّة الدكتور ناظم القدسي وكأنّها جنازة رجل مغمور، وكأنّ صاحب الجنازة لم يمثّل حلب في البرلمان السوري عدّة مرّات، ولم يترأس المجلس النيابي سنة 1373/1954، والوزارة السوريّة (1950 ـ 1951) وكأنّ حكمه لم يشهد انفراجاً سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافياً، ولم تعاد في عهده الحريّات الحزبيّة والصحفيّة، والمؤسّسات الديمقراطيّة، فتحسّرت وحزنت وأصابني الغم، وتمنيت أن تكون سوريّة حاضرة.

دلّني في حلب أطال الله عمرك وعافاك على قبر أحد مفاخر شعراء العربيّة عمر بهاء الأميري، أستاذ كرسي الإسلام والتيّارات المعاصرة، في دار الحديث الحسنيّة، وقسم الدراسات الإسلاميّة والعليا في الرباط والقرويين وناظم عشرات الدواوين الشعريّة، عن قبر الشيخ الجليل عبد الفتاح أبو غدّة صاحب التحقيقات العلميّة النافعة، عن الدكتور معروف الدواليبي مستشار الملوك السعوديين، والمربي الشيخ عبد الله ناصح علوان صاحب (تربية الأولاد في الإسلام)، والشاعر محمد محمود الحسناوي، الحاصل على العديد من الجوائز الشعريّة والأدبيّة، ماتوا في ديار الاغتراب أحراراً سعداءاً.

أين الأديب عبد الله الطنطاوي صاحب الإبداعات القلميّة، والكاتب الروائي عبد الله عيسى السلامة، والأديب عبد القدوس أبو صالح؟ هجروا حلب التي أحبوها حتى العشق.

حلب التي أرّخ لها: كمال الدين ابن العديم،  وابن الحنبلي، وكامل الغزي، وموفق الدين أحمد أبو ذر، وأبي طي بن حميدة، وأبي الوفاء بن عمر العرضي، وابن شداد، ومن المحدثين: أسعد طلس، ومحمد راغب الطباخ، وقسطاكي حمصي، وعبد الله ميرو، وأبو الخير شرارة، ومحمد بن أحمد المنلا وغيرهم، لا يستطيع أحد مهما أوتي من المكر والدهاء أن يمحو بكل بساطة تاريخها المجيد، ويطمس صورة الرجال العظام الذين جعلوا من حلب أم البلاد.

حلب التي انبتت عبد الرحمن الكواكبي صاحب (طبائع الاستبداد) وسليمان الحلبي الذي عجّل برحيل الجيش الفرنسي عن مصر، تملك مفتاح الصحوة والتجديد.

حلب التي كانت رائدة في فن الطباعة والصحافة والنشر، لا يمكن أن تتخلّى عن دورها المعهود في خدمة الثقافة والأدب، ولن تستسلم للأدعياء.

حلب التي تاهت ببني حمدان شرفا، وزادتها الدولة الأتابكية فخاراً، واعتنى بها الأيوبيّون، لم تستلم لحملات التتار في الماضي، ولن تستكين اليوم لمحاولات الإقصاء والتهميش.

حلب التي خصّها الله بالبركة وفضلها على جميع البلاد، لن يكون لها في قابل الأيام دور ثانوي في صناعة الأدب والثقافة، وصناعة الأحداث أيضاً، لأنّ حلب الحقيقيّة لا يموت فيها رجل مثل خير الدين الأسدي في دار العجزة، ولا يتفاخر قاتلوه بأدبه وتراثه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ