ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عيدنا
وعودتنا كتب
:عريب الرنتاوي كاد السجال بين جنا (13
عاما) ورجا (17 عاما) أن ينتهي ككل
سجالاتنا الوطنية إلى مشاجرة،
لولا تدخلي في اللحظة المناسبة
مستخدما كافة السلطات "الأبوية"
التي أحوز عليها، الأولى
استمسكت بما اعتقدته حقها في
"ثياب جديدة للعيد"،
والثاني استخف بالفكرة من ألفها
إلى يائها، سجال نمطي على أية
حال، بين من هم في سن الطفولة
ومن هم في سن المراهقة والتمرد
على كل شيء. أعادني هذا الحوار
الرمضاني أربعين عاما للوراء،
حين كنا أطفالا ننتظر "العيد
الصغير" تحديدا بفارغ الصبر،
فالمؤكد أننا سنحصل على ثياب
جديدة وحذاء، فالعيد الذي سبقه
مضت عليه أيام وشهور طويلة،
بليت معها أحذيته وملابسه،
وأحسب أن هذا سببا إضافيا كان
يدفعنا لتفضيل "الفطر" على
"الأضحى" لولا أن عطلة
الأخير أطول بيوم على الأقل،
وهناك سبب إضافي آخر كان يرفع
منسوب بهجتنا بالعيد الصغير وهو
أنه يأتي بعد معاناة طويلة مع
الصوم، ينخرط فيها الجميع،
بخلاف عيد الأضحي الذي تقتصر
فرحته عموما على ذوي الحجاج
ومعارفهم الأقربين الذين
سيحصلون على "المسابح"
والتمور والقوارير المعبأة
بماء زمزم. كان والدي – رحمه
الله – يعامل أبناءه وبناته
بالسوية ذاتها، ومن دون أي
تفريق من أي نوع، وبصورة مزعجة
أحيانا، فالذكور منا كانوا
يلبسون زيا موحدا: "البناطلين
والقمصان ذاتها"، والإناث
يلبسن زيا موحدا كذلك، وأقصى ما
كانت تسمح به "تعددية"
الوالد، هو اختيار درجات مختلفة
من اللون ذاته. وكانت له علاقة وطيدة
مع موظف في "بنك الرافدين"،
يزوده بالقروش و"التعاريف"
و"الشلونة" و"البرايز"
اللماعة الجديدة، فكنا نقبض
عيديتنا بنقود تستخدم لأول مرة،
فتزداد قيمتها في السوق، إلى
درجة أننا كنا نبادلها مع صبية
الحارة بمبالغ مماثلة مضافا
إليها عدد خاضع للتفاوض من "الجلول". كنا نحتضن ثيابنا
ليلة واحدة على الأقل، لا ننام
إلا والحذاء تحت المخدة
والبنطلون "مصفط" على
مقربة منا، وأحيانا كان
الاحتضان يمتد لليال عدة،
لكأننا غير مصدقين بأننا سنلبس
حذاء جديدا لم "يتغبر" بعد،
والأهم أن "كوية البنطلون"
وقبة القميص "المنشّاة"
يجب أن تظلا على حالهما أقله حتى
صبيحة اليوم الأول للعيد. كانت صرخاتنا تشق
عنان الفضاء حين نستمع لمذيع
الراديو وهو يقول: "وعليه فإن
غدا هو أول أيام عيد الفطر
السعيد"، لكن صمت القبور كان
يلفنا ويخيم فوق رؤسنا إن هو قال
بأن غدا هو "المتمم لشهر
رمضان المبارك"، ولم تكن
عبارات المذيع ولا طلقات المدفع
المرحبة بالعيد، والتي كانت
تسمع جيدا من مخيم الوحدات،
كفيلة بتبديد قلقنا، فالعيد
يتأكد بصورة غير قابلة للنقض
والتراجع، حين نسمع تكبيرات
صلاته ونرى الشيوخ في الشارع
وهم يلوكون حبات "الملبس" و"الناشد"
ويدخنون الكمال والهيشي
واللولو. أذكر عبارات كان
يرددها الكبار وهو يتصافحون
ويتعانقون: "عيدنا يوم عودتنا"
و"إنشاء الله تكونوا من
العائدين"، و"العام المقبل
في البلاد، وأحيانا على جبل
عرفات"، لم يعد أحد يكرر هذه
العبارات كثيرا، فقد
استبدلناها بعبارات أقل تسيسا
إن شئت، على شاكلة: "عساكم من
عوّاده"، فهل سئم الناس تكرار
العبارات ذاتها على مدى ستين
عاما، أم أنهم باتوا يتحلون بـ"واقعية"
المفاوضين والناطقين باسمهم،
لم نكن نسمح من قبل لأسئلة من
هذا النوع، بأن تنغص علينا فرحة
العيد أو أن تنتزع بهجته، أما
اليوم فقد بتنا عاجزين عن الفرح
وصرنا خبراء في تعميم كآبتنا
حتى على أطفالنا، وكل عام وأنتم
بخير، و"عساكم من عوّاده
والعائدين". ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |