ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أضواء
على هامش الحصار غزة
ويوميات الأشقياء في الأرض بقلم:
د.كامل خالد الشامي من يعيش في قطاع غزة
ليس بحاجة إلى تأملات فلسفية
عميقة لكي يكتشف أن الحياة هنا
ليست نزهة.فغزة تحولت مع الوقت
إلى سجن حقيقي يسكنه أشقياء في
الأرض, تظهر على وجوههم علامات
شظف العيش, سجن جدرانه واضحة,خاصة
عندما يريد الشخص أن يقضى
احتياجاته الضرورية,فهي متوفرة
له بالقدر الذي يصبح الحصول
عليها غاية في الصعوبة.ولا فرق
في الحصول عليها في العناء
والشقاء,ولكل حاجة منها قصة حزن,
تتميز عن غيرها بمزيد من التعب. فعندما بدأ الفصل
الدراسي هذا العام,أصبح
أولياء الأمور في حيرة من أمرهم
في توفير القرطاسية لأبنائهم,ولكنهم
سرعان ما اكتشفوا أن عليهم أن
يسألوا في عشرات المكتبات
ومحلات البقالين,وان يجروا عدة
مكالمات هاتفية للحصول على ما
يريدون,والبعض منهم أضطر أن
يجوب قطاع غزة بالطول والعرض
حتى يحصل على عدة دفاتر أو أقلام
حبر,تبين عند استعمالها أن
بعضها تالف وفاسد,مثل فساد
بائعيها. وفى المدارس استلم
الطلاب الذين يفوق عددهم 450 إلف
طالب وطالبة في كل المراحل
التعليمية كتبا مدرسية متآكلة
ومهترئة,وتغيب منها يعص الصفحات.فالكتب
المدرسية والقرطاسية,تقع تحت
طائلة الحصار.وعلى المعلم في
المدرسة أن يقوم بتصوير المادة
العلمية المهترئة أو الناقصة من
الكتب وتزويد الطلاب بها,ولكنة
سرعان ما يصطدم بحقيقة مرة وهى
أن آلات التصوير في المدرسة لا
تعمل,بسبب نقص الأحبار,أو الورق,أو
قطع الغيار اللازمة لصيانتها,
فيبقى المعلم حبيس نواياه
الحسنة,وعلى الطلاب تدبير
أمورهم بطريقتهم الخاصة. في هذا العام بقى
الزى المدرسي تحت طائلة الحصار,فحرم
الأطفال نعمة الفرحة باستقبال
العام الدراسي الجديد على
طريقتهم, ولم يتسنى للخياطين,
الذين ينتظرون الموسم بفارغ
الصبر أن يدخلوا في الانشغال
بحياكة الزى للطلبة الفقراء
الذين لا يستطيعون شرائه جاهزا,وحتى
الجاهز منه غاب هذا العام إلى حد
كبير من الأسواق.فتلاشت فرصة
الزى الموحد في المدارس,وظهر
الأطفال على غير العادة بملابس
مختلفة الألوان, والجودة وكأنهم
في بازار. وفى البنك, تغيب
الأوراق النقدية المتداولة"الشيكل"فلا
فائدة من الانتظار. فهذه العملة
أصبحت ضمن المواد المحاصرة.
وغزة ليس لديها عملة خاصة بها,وأخشى
أن يتم التداول في البنوك مع
مرور الزمن بأزرار الملابس. السفر إلى الخارج ما
زال حلما بعيد المنال,فالحركة
على المعابر قليلة,ومعابر
المسافرين شبة خالية إلا من
حالات قليلة جدا من المرضى أو
بعض التجار, وقلما تشاهد أشخاصا
عاديين تنتابهم حمى السفر.المسافرون
كثر والرغبة في السفر موجودة,فهناك
آلاف الطلاب الذين يقضون يومهم
في الشوارع ينتظرون أن تفتح
المعابر أمامهم للذهاب للدراسة
في جامعات أخرى خارج قطاع غزة,فغزة
بإمكانياتها المحدودة لا
تستطيع توفير أماكن دراسية لكل
من يريد الدراسة,ولا توجد بدائل
سوى استبدال الوطن بالغربة. وحتى لو فتحت المعابر
فجوازات السفر لم تعد متوفرة ,وليس
بالإمكان تجديدها إلا بصعوبة
بالغة ,أو بمعجزة إلهيه. ما زال الآباء
ولأمهات يجوبون الصيدليات بحثا
عن الأدوية,وحتى في المستشفيات,
على المرء أن يحضر الدواء
للمرضى من الخارج,وان لم يتوفر,
فعلى المريض أن يعض على جراحة
حتى يكتب له الشفاء. ولا يختلف الوضع
كثيرا في الجامعات والكليات,
التي يدرس فيها أكثر من 50 ألف
طالب وطالبة, فالمعضلة هنا أكبر
,فليس بوسع الغالبية العظمى
منهم دفع الرسوم الجامعية,بسبب
البطالة التي يعانى منها أولياء
أمورهم.مما يطيل مدة التسجيل
ويؤخر بدء الدراسة. في صباح كل يوم تزدحم
أماكن الإغاثة بالناس ,يصطفون
في طوابير فوضوية,مصحوبة في
كثير من الأحيان بشجارات وأصوات
غاضبة, يتلقون بعض المواد
التموينية.لقد حلت مراكز
الإغاثة تقريبا في كل القرى
والمدن والمخيمات,وأصبحت أماكن
يقصدها غالبية السكان. الشيء مرتبط بالشيء,والعجلة
تدور بالمقلوب,والناس بحاجة
دواء,وماء,وهواء,وبحاجة إلى
مدارس وكتب وقرطاسيه, هذه
الأشياء متوفرة في كل الدنيا,وان
كانت بكميات تختلف من بلد إلى
آخر ولكنها في نهاية المطاف
موجودة ولا تخضع حسب معرفتي
لحصار. ولكنى وأنا أعيش هذا
الحصار الظالم في غزة,أشعر
بالشقاء والمعاناة اليومية في
الحصول على ضروريات الحياة
للبقاء والمواصلة,وأخشى رغم كل
متاعبي وهمومي اليومية غير
العادية أن أقف يوما أمام
السؤال الذي يخيفني كثيرا من
أين أجد دواء لأمي المريضة؟,
أسأل نفسي عشرات المرات في
اليوم الواحد,هل الحصار يصنع
السلام؟ * أستاذ
جامعي وكاتب مقيم في قطاع غزة ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |