ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ولماذا
– إذن– لا ينهار نظام مالي صاغه
رُبَويّون كبار!؟ الطاهر
إبراهيم* الإعصار المالي الذي يعصف باقتصاديات
العالم شرقِه وغربِه اليوم، قد
لاتتكشف أسراره على المدى
القريب. وقد لا تتضح لعدة سنوات
الأسباب التي أطاحت بمنظومة
الاقتصاد الرأسمالي الغربي
الاحتكاري. ما نعرفه نحن أن هذه
النهاية كانت متوقعة، بل حتمية،
وإن تأخر وقوعها بعض الشيء. لأن
هذا النظام يستفيد منه الكبار
على حساب جوع مئات الملايين من
البشر، وليتم خراب بيوت مئات
الملايين الأخرى، وما أسس على
ظلم، فإن نهايته الدمار. هذا
المقال ليس لاستقصاء جوانب
المسألة بحذافيرها، ولستُ من
فرسان المال، بل للتذكير بثوابت
أساسية نسيها البشر عندما
انغمسوا في أتون جحيمٍ ملتهب،
ومن نجا منهم خرج وقد احترقت
أصابعه. يمحق الله الربا ويربي الصدقات (سورة
البقرة): فقد توعد الله سبحانه وتعالى بأن يمحق
الأموال التي نمت من الربا. وكل
الأموال التي تدور في بنوك
العالم إنما تأتي من صفقات
ربوية وتذهب في صفقات ربوية.
ومآل أموال الربا هو المحق
والتدمير. هذه النتيجة نحن
نراها رأي العين قبل أن تقع.
فماكان لموعود الله أن يتخلف .
ومن لا يريد أن يصدق فذلك شأنه
وعليه أن ينتظر إعصارا آخر يذهب
بكل أمواله، إن سلم له شيء بعد
هذه الهزة العنيفة. ليس هذا هو
العقوبة التي تُوعِّد بها آكلُ
الربا فحسب. فقد وُعِد بالطرد من
رحمة الله على لسان محمد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، حيث
قال: (لعن الله آكلَ الربا
وموكلَه وكاتبَه وشاهديه .. وقال
هم سواء). أحل الله البيع وحرم الربا: وحتى يضمن كبار القوم أن الساحة المالية
سوف تكون حكرا عليهم، فقد
حاربوا أنواع الكسب الشريفة
التي لا تعتمد على الربا. فقد
أغروا دول العالم الثالث
بملاحقة الشركات التي اعتمدت
نظام المضاربة الإسلامي. كما
حصل مع شركات "الريان" في
مصر، عندما وضعت الحكومة
المصرية يدها عليها، زاعمةً أن
أموال المساهمين غير مضمونة.
وقد عرض متمولٌ مصري يعيش خارج
مصر أن يشتري أصول الشركة ويدفع
للمساهمين أموالهم. فماطلت
الحكومة في إتمام الصفقة، ثم
جاء الرفض من هناك من واشنطن حتى
لا يقال إن النظام المالي في
الإسلام يمكن أن يكون بديلا
ناجحا للنظام المالي العالمي
الربوي .. وهكذا ضاعت أموال
المساهمين. الإقراض الدولي الربوي الذي سمي معونات: وقد خططت دول العالم الرأسمالية كي توقع
دول العالم الثالث تحت نير
مديونية ضخمة سمّتها معونات. ولأن معظم هذه الدول قد جاءت إلى
الحكم بانقلابات مدعومة من
واشنطن، زعيمة العالم
الإمبريالي، فقد رضخت لشروط
إقراض قاسية أصبحت معها مهددة
بدفع هذه المديونية وفوائدها.
ولأن المديونية لم تذهب لبناء
مشاريع استثمارية نافعة، بل
صرفت للسهر على أمن الأنظمة،
فقد عجزت تلك الدول عن السداد
واستقرضت من جديد لدفع فوائد
المديونية الباهظة التكاليف. أي
إن الاقتراض الجديد أصبح في
خدمة المديونية .. وهكذا! محاربة مصادر المال الإسلامي: عندما جاء الرئيس جورج بوش الابن إلى
البيت الأبيض، "فَبْرَكَ"
المحافظون الجدد أحداث 11 سبتمبر
2001، وتم احتلال أفغانستان. شن
بعدها "بوش" حربا بلا هوادة
على الإسلام، أسماها الحرب على
الإرهاب. ولأن مؤسسات إسلامية
إغاثية كثيرة شاركت في تحرير
أفغانستان من الاحتلال
السوفييتي، فقد أصدر الرئيس بوش
قوائم سوداء (black list) ضمت
كل المؤسسات الإسلامية
الإغاثية. ,حتى
الذين كانوا يقومون بتوزيع
زكوات أموالهم بأنفسهم على
الفقراء، فقد
خافوا أن تدرج أسماؤهم على
تلك القوائم، وتحولوا في دفعها
إلى فداء المسجونين الغارمين. استطاعت واشنطن –بذلك- أن تضيق على
الأعمال الخيرية الإغاثية،
خصوصا ماكان موجها إلى
الفلسطينيين داخل قطاع غزة، وتم
تجفيف مصادر العمل الخيري أو
كاد. مع ذلك فما تزال أموال
الزكاة تسد ثغرات كثيرة في
مساعدة جياع العالم الإسلامي في
غفلة من أعين واشنطن، والله
غالب على أمره ولكن أكثر الناس
لا يعلمون. محاربة الفقراء في مصادر معيشتهم: يوم أن بدأ سعر البترول يفلت من السيطرة،
وبدأ سعر برميل النفط يرتفع
يوميا، فكر جهابذة المال
الأمريكي باستخدام الذرة كمادة
أساسية يمكن استخراج الوقود
منها. (سابقا كان يحرق فائض
الإنتاج لإبقاء أسعار الغذاء
مرتفعا). وهكذا بدأ السلاح ذو
الحدين يفعل فعله، وارتفعت
أسعار المواد الغذائية في أصقاع
المعمورة، وأصبح العالم يواجه
مجاعة عالمية حقيقية لم تسلم
منها معظم دول العالم الثالث. انقلب السحر على الساحر؟ أم تغير أسلوبه؟ أتساءل بيني وبين نفسي: هل الأزمة المالية
الحالية حقيقية؟ أم أن وراء
ناطحات سحاب "وول ستريت" في
نيويورك ما وراءها؟ لنفرض جدلا
أن بنوكاً قد أفلست، فالمصانع
التي تدور بما ينفع الناس، ما
يمنعها من الإنتاج؟ وحتى
المؤسسات المالية الضخمة التي
أعلن عن إفلاسها قد أعلن عن
إفلاسها بين عشية وضحاها. فأين
كانت الميزانيات السنوية ونصف
السنوية وربعها، التي كانت تعلن
عن أرباح محققة؟ أغلب الظن أن
رؤساء مجالس إدارات تلك
المؤسسات هم مثل رئيس مجلس
إدارة "بنك ليمان براذر"
الذي تبين أثناء جلسة الاستماع
مع لجنة الكونغرس أن دخله من
إدارة البنك الخاسر كان نصف
مليار دولار. وهؤلاء هم جميعهم
من الاحتكاريين الجدد الذين
يديرون الأزمة من وراء
الكواليس، فيربحون يوم تكون
مزدهرة، ويربحون وهي كاسدة،
كالمنشار يأكل وهو طالع ويأكل
وهو نازل! وشركات الاقتصاد العربي ما بالها هي
الأخرى؟ شركات الكيماويات، وشركات الإسمنت
وشركات حديد التسليح وشركات
الأبقار والزراعة في دول الخليج
العربي وفي مصر، ما بالها تخسر
هي الأخرى وليس من صلة نسب
تربطها مع "بنك ليمان
براذر" أوالبنوك الخاسرة في
أمريكا وأوروبا؟ المتعاملون في صالات بيع الأسهم الخليجية
ظهروا في أول يوم بدأ فيه
التعامل بعد عطلة عيد الفطر،
وكأن على رؤوسهم الطير، وكأن
قلوبهم قد بلغت الحناجر! ولو أن
مساهمة هؤلاء في تلك الشركات
والمصانع كانت بقصد تشغيل
الأموال والربح الحلال من
الناتج لماأهمهم ارتفاع الأسهم
أو انخفاضها. فهم يملكون جزءاً
من المعمل –صغيرا كان أو كبيرا-
لا يضرهم أرتفع السهم أو انخفض.
لكن الواقع أن القضية وصلت إلى
المقامرة أو ما يشبهها، وأصبحت
بيوت المال في نيويورك هي التي
تتحكم في الجميع. وكفى الله الفقراء شر المضاربات في سوقٍ،
الكلّ فيها خاسر، إلا ما رحم
ربك. *كاتب سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |