ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قراءة
في غزوة تبوك (7) رحم
الله أبا ذر الدكتور
عثمان قدري مكانسي ثم مضى رسول الله صلى
اللله عليه وسلم يجيشه نحو تبوك
، ، فجعل يتخلف عنه الرجل ،
فيقولون : يا رسول الله ؛ تخلف
فلان . فيقول : دعوه ؛ فإن
يكُ فيه خير فسيلحقه الله تعالى
بكم ، وإن يكُ غير ذلك فقد
أراحكم الله منه . حتى قيل : يا رسول
الله ؛ تخلف أبو ذر ( جندب بن
جنادة ) ، وأبطأ به بعيرُه . فيقول : دعوه ؛ فإن
يكُ فيه خير فسيلحقه الله بكم ،
وإن يكُ غيرَ ذلك فقد أراحكم
الله منه . وتلوّم ( تمهّل ) أبو
ذر على بعيره ، فلما أبطأ عليه
أخذ متاعه فحمله على ظهره ، ثم
خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله
عليه وسلم ماشياً . ونزل
رسول الله صلى الله عليه وسلم في
بعض منازله ، فنظر ناظر من
المسلمين ، فقال : إن هذا رجل
يمشي في الطريق وحده . فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : كن أبا ذر . فلما تأمله القوم
قالوا : يا رسول الله هو – والله
– أبو ذر . فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر
، يمشي وحده ، ويموت وحده ،
ويُبعث وحده . وفي عهد عثمان رضي
الله عنه نُفي أبو ذرإلى (
الرَبَذة ) ، ولم يكن معه أحد إلا
امرأته وغلامُه . فأوصاهما : أن
اغسلاني وكفـّناني ، ثم ضعاني
على قارعة الطريق ، فأوّل ركب
يمر بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأعينونا على دفنه . فلما مات فعلا به ذلك
، ثم وضعاه على قارعة الطريق . وأقبل عبد الله بن
مسعود في رهط من أهل العراق ،
فلم يرُعهم إلا الجنازة على
الطريق ، قد كادت الإبل تطؤها .
وقام إليهم الغلام . فقال : هذا
أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه . فاستهل عبد الله بن
مسعود يبكي ويقول : صدق رسول
الله صلى الله عليه وسلم : تمشي
وحدك ، وتموت وحدك ، وتُبعث وحدك
. ثم نزل هو وأصحابه
فوارَوه التراب . ثم حدثهم عبد الله بن
مسعود حديثه ، وما قال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم في
مسيره إلى تبوك . إضاءة : 1-
الشيطان والنفس الأمارة
بالسوء تجتمعان على المسلم ،
وتوسوسان له حتى يطرد وسواسهما
ويستعين بالله عليهما ، فينجو
بفضل الله تعالى ، أو تضعف نفسُه
فيستمع لهما ويأخذ بوسواسهما ،
فيتبعهما . ولهذا نجد بعض الرجال
يتأخرون عن الركب وينكفئون إلى
الوراء ، ويعودون أدراجهم . حدث
الكثير من هذا في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم ، وما يزال
الصراع بين المرء وشيطانه إلى
يوم القيامة . فمن أيّده الله
تعالى نجا ، ومن تهاون خاب وخسر .
2-
ولهذا تخلف عدد من المسلمين
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك ، حين يغلبهم الهوى
، ويزين لهم القعود ، فينسلون
إلى الوراء ، ثم يتباطأون في
المسير ، ثم ينفصلون عن الركب ،
ويتوقفون ، ثم يعودون من حيث
أتَوا ، ويظنون أنهم فعلوا
الصواب ، ونجوا بأنفسهم . لكنّ
التاريخ حين يذكرهم لا يرحمهم .
بل يجعلهم مثالاً للمتخلفين
وعبرة وعظة للقاعدين . 3-
والحقيقة أن من كان معك
بقلبه كان إيجابياً ذا فائدة ،
ومن لم يكن كذلك فهو عبء عليك
ينبغي التخلص منه ، فإذا فعل هو
ذلك فقد كفاك مؤونته بنفسه ،
وأراحك الله منه . وهكذا كان
القائد الحكيم صلى الله عليه
وسلم يقول حين يخبره أصحابه
بتخلف بعض من كانوا معهم "
دعوه ؛ فإن يكُ فيه خير فسيلحقه
الله تعالى بكم ، وإن يكُ غير
ذلك فقد أراحكم الله منه " .
ألم يشترط سهيل بن عمرو في صلح
الحديبية أن لا يعيد المشركون
من ارتد من المسلمين ، وأن يعيد
المسلمون من أسلم إلى المشركين
، فاعترض الصحابة لهذا الشرط
المجحف ظاهراً ، ورضي به النبي
صلى الله عليه وسلم ، بل نافح
عنه ؟ فليس للمسلمين حاجة بمن
تخلى عنهم . إن التخلص منه
معافاة من ورم خبيث وعدو مقيم !
أما المسلم الذي يُعاد إلى
المشركين فسيكون عيناً
للمسلمين على أعدائهم . 4-
المسلم الثابت على المبدأ ،
المؤمن به ، الواهب نفسه له لا
يحفل بالمصاعب . وهكذا فعل أبو
ذر رضي الله عنه ، إذ رأى ضعف
ناقته عن المسير ، فصبر عليها
حتى علم أنها لن تقوى عليه ،
فحمل أمتعته ومشى مسرعاً إلى
ركب الرسول صلى الله عليه وسلم
يغذ السير وحيداً فريداً . وكان
عند حسن ظن حبيبه به . ويبتسم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ويفرح به ، ويدعو له مادحاً
" رحم الله أبا ذر ، يمشي
وحده ، ويموت وحده ، ويُبعث وحده.
5-
وتمر الأيام ، ويصدق في أبي
ذر رضي الله عنه قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم . إن لأبي ذر
أسوة حسنة في سيدنا إبراهيم فقد
كان أمة وحده كذلك . لقد كان ابن
مسعود رضي الله عنه يسمع النبي
صلى الله عليه وسلم يقول ما قاله
في أبي ذر ، ولم يكن يخطر بباله
أنه سيكون ممن يشهد بصدق هذا
الحديث حين يرى جثمان أبي ذر ،
ويدفنه في تلك الصحراء . ويبكي
ابن مسعود رحمة بأبي ذر وشوقاً
إلى النبي الصادق المصدوق صلى
الله عليه وسلم . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |