ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
المرايا
الباهتة!! طلعت
سقيرق حين ننظر إلى المرايا
التي تنطبع عليها صفحات وجوهنا
نجد أنها باهتة غائمة مسكونة
بالكثير من الضباب الذي يجعلنا
نفكر ألف مرة: ماذا أصاب هذه
المرايا وقد كانت من قبل صافية
رائقة دافئة تُرينا وجوهاً نضرة
عامرة بالحبّ والراحة
والعنفوان؟؟.. ونسأل ونحن في
ريبة من كل شيء: هل تغيّرت
المرايا إلى هذا الحد؟؟.. تضحك المرايا وتكاد
تبكي.. أو تبكي وتكاد تضحك!!..
تُخاطبنا بصريح العبارة ودون أي
رتوش مضافة أو كلمات برّاقة
قائلة: يا سادة ابحثوا في وجوهكم
لا في المرايا.. فتشوا في
ملامحكم لا في هذا الزجاج
المصقول.. العيب فيكم وبنظراتكم
وبما تحملون في الداخل مما يظهر
واضحاً جلياً.. المرايا لا تنقل
إلا الحقيقة بكامل عُريها
وسخونتها وشكلها، فهلا بحثتم عن
سبب ظهور وجوهكم على هذا الشكل
الغريب المريب الذي لا يحمل أي
معنى إيجابي..؟؟!!.. في دفاتر الأيام
المفتوحة على الجرح الساخن أنّ
غزة هاشم طال حصارها حتى تجاوز
الحد.. وفي دفاتر الأيام أن جرح
غزة صار نزيفاً في كل قلب دون أن
يجد أهل غزة من يُنقذهم من هذا
الحصار.. في دفاتر الأيام
المفتوحة أبداً أنّ دمعة غزة
صارت بحجم بحر ولا أحد يمسح
وجعها وألمها.. لذلك صارت الوجوه
باهتة أكثر مما يجب والملامح
غريبة أكثر مما يجب والنظرات
مكسورة أكثر مما يجب، فحملت
المرايا عُري وجوهنا وراحت
توزعه على مساحة مسكونة بالصمت..
الصمت الذي يُصبح في كثير من
الأحيان سيد مرحلة.. وتصوروا حين
يتسيد الصمت بكلّ كآبته ليطبع
الوجوه بشكله ووقعه وأبعاده!!.. ما كانت المرايا
لتكون على هذا الشكل الغريب لو
أنّ أهلنا في غزة وجدوا من
ينصرهم ويُناصرهم ويكسر حصارهم..
هذا الحصار الذي أصبح مقيتاً
وشائكاً وغير منطقي.. امتدّ
الحصار حتى صار زمناً مستمراً
يملأ الأيام والشهور ولا يجد أي
صرخة تنفع في كسر حاجزه.. حصار من
كل مكان وفي كل مكان وأشد ما في
الحصار من حصار صمت العالم في
عربه وغربه، في الأهل وغير
الأهل.. أصعب ما في الحصار
الجائر الظالم أن يصير مع
الأيام عادة تمر بساعاتنا
ودقائقنا كما يمر كل شيء.. أصعب
ما في الحصار أن يصير أمراً
عابراً نتحدث عنه كما نتحدث عن
أي شيء آخر متناسين أن هذا
الحصار يقع على أهلنا وأحبائنا
وشعبنا.. متناسين أننا كلما
ذهبنا في الحصار صمتاً أو
حديثاً عادياً، كلما زدنا شدة
الحصار على أهلنا وكلما فتحنا
باباً جديداً من أبواب الجرح
فقد صار الصمت مزرياً وصار
الولوغ في رتابة الحديث عن
الحصار صفعة يحملها كل وجه تبدو
معالمها كآبة وصورة باهتة وخشية
حتى من النظر في المرآة.. لا تلوموا المرايا..
فالمرايا لا تُلام لأنها صادقة..
لا تلوموا ظهور وجوهنا على هذا
الشكل الغريب العجيب فهي هكذا
لأننا تعودنا وأدمنا الحديث
العابر عن حصار غزة وكأنه شيء
عادي في زمن عادي.. مع أن كل لحظة
حصار سيف في الخاصرة يطول نزيفه
ولا ينتهي.. هل هي المرايا
الباهتة؟؟.. هل هي المرايا التي
فتحت جرح القلب على نزيف
الشمس؟؟.. هل هي المرايا التي
شاخت فيها الملامح لعيب فيها؟؟..
هل هي المرايا التي كسرتنا
فصرنا على هذا الشكل من الألم؟؟..
طبعاً لا.. إنها وجوهنا.. ملامحنا..
أيامنا.. صرخاتنا الخرساء..
انطواء أعمارنا على الصمت.. ولأن
المرايا لا تكذب فستبقى باهتة
مادمنا صامتين!!.. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |