ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  29/10/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


نحو مقاربة تحليلية لفهم الأزمة الفلسطينية

بقلم : عياد البطنيجي

ayyadalbutniji@hotmail.com

من المؤكد، والذي لا مراء فيه، أن الفلسطينيين يمرون بمرحلة فاصلة بل- إن شئنا الدقة- بمرحلة حرجة .  هذه النقطة الفاصلة/الحرجة تطرح سؤالا في غاية الأهمية وهو: هل الفلسطينيون يمرن بمرحلة تغيير كبرى؟ وإذا كان ذلك كذلك فما هو أهم ملامح هذا التغيير؟ فما يحدث الآن هو ما يصطلح عليه بعلم السياسة وعلم الأزمات بالنقطة الفاصلة، والتي تعني أن التغيرات الكبرى التي تشهدها الساحة الفلسطينية حدثت نتيجة تراكم أزمات مزمنة طوال العقود الماضية ما لبثت عند لحظة بعينها أن تحدث اختلافا نوعيا بحيث تغدو الحياة بعدها مختلفة تماما عما قبلها . والأزمة تنشأ بفعل تراكم وتحولات اجتماعية وسياسية واقتصادية ما تلبث عند لحظة بعينها أن تتحول بفعل عملية التراكم هذه إلى نقطة تهدد النظام والمجتمع ككل، وتدفع صانع القرار باتخاذ إجراءات وتدابير للحيلولة دون انهيار النظام السياسي.

 وفي هذا السياق نحاول الاقتراب من مفاعيل الأزمة الفلسطينية الراهنة. فالأزمة الفلسطينية هي أزمة بنيوية ووظيفية شاملة تطال البنى والعلاقات والمفاهيم وأشكال العمل السائد في السياسة الفلسطينية. فهي أزمة تطال الإستراتيجية أي هدف النظام وغاياته، وهي أزمة تطال النخب السياسية غير المنسجمة وغير المتوافقة والتي هي في حالة صراع مطردة فيما بينها، وأخيراً  أزمة  تشمل البنى المؤسساتية للنظام. وعليه، فهي أزمة هيكلية. فاستشراء العنف السياسي ( المادي واللفظي)، وانسداد أفق التسوية السلمية، وانقسام السلطة إلى سلطتين (سلطة في الضفة تابعة لحركة فتح، وسلطة في غزة تابعة لحركة حماس)، وانشطار وشطط النخبة الفلسطينية. وغيرها من الأوضاع المغلوطة التي تسير بالنظام السياسي وتدفعه بخطى واثقة نحو الكارثة والتدهور والانحطاط، هذه الأوضاع ما هي إلا انعكاس لتلك الأزمة البنيوية الشاملة التي تلف النظام السياسي بمجمله.

 وحتى يتسنى لنا تقديم مقاربة شاملة للمأزق الفلسطيني الراهن، أو إن شئنا الدقة وضع أيدنا على مفصل الأزمة الفلسطينية يمكن القول إن الأزمة الراهنة ما هي إلا انعكاس لتلك الأزمة التي تطال النخب والقيادات السياسية الفلسطينية القائمة على العمل العام. وإن شئنا صياغة تلك الأزمة بلغة التحليل العلمي حتى يمكن تحليلها وتفسيرها وفهمها حتى يتسنى لنا التنبؤ بسيرورتها وما ستؤول إليه يمكن القول: إن النخب(  القيادات) السياسية الفلسطينية هي المتغير المستقل في النظام السياسي الفلسطيني، وهذا الأخير هو المتغير التابع. وعليه إذا كان المتغير المستقل هو الذي يفسر المتغير التابع، فأزمة النظام السياسي وحالة الاستعصاء الذي يعانيها تعزى إلى أزمة النخب السياسية.

 فكافة مكونات وأجزاء النظام السياسي: السلطات الثلاث وجماعات المصالح والنفوذ والفصائل والقوى السياسية، كل هذه الأجزاء المكونة للنظام السياسي هي توابع لا تعمل باستقلالية ولا ضمن إطار قانوني وقضائي يحكم تفاعلاتها ويضبط إيقاعها، وبالتالي تحدث الاستقلالية والتوازن والتكيف والاستقرار، بل هي توابع للنخب والقيادات السياسية وهذه الأخيرة غير محكومة بأية إطار مؤسساتي أو قانوني يحكم تفاعلاتها ويضبطها بل هي مستقلة عن كل ذلك وتُخضِع كل مكونات وأجزاء النظام لنزواتها وأهوائها  ونزاعاتها.

  وما يدفعنا للاقتراب من الأزمة الفلسطينية بهذه الطريقة أسباب عديدة منها: ضعف وتخلف مستوى النمو والتطور المؤسساتي، وهشاشة البنى الاجتماعية والاقتصادية، وسيادة ثقافة أبوية عشائرية قبلية وبنى سياسية هشة، ترتب على ذلك  نتيجة حتمية  بروز دور الفرد الذي أصبح يلعب دوراً يفوق دور المؤسسات والمثقفين المتنورين، بل أصبحت شخصنة المؤسسة هي السمة الغالبة على القوى والمؤسسات السياسية. فضلا عن ذلك  أن الفلسطينيين لم يخبروا الدولة التي هي عماد ومدرسة السياسة ومحور فعاليتها وأنشطتها وتنظيمها . وبالتالي غياب تقاليد مؤسساتية تؤطر العملية السياسية وتضبط تفاعلاتها ضمن منظومة سياسية وقانونية ووظيفية تخصص الأدوار وتقسمها. وبالتالي غياب دور المؤسسات المستقلة وعالية التنظيم، وغياب التخصص وتقسيم الأدوار والوظائف. ومن هنا يظهر دور الفرد القائد كمحور في الحياة السياسية والاجتماعية. ومع غياب التقليد المؤسساتي ترتب على ذلك شخصنة القضايا السياسية والتنافس بين الأجنحة والفصائل والتيارات في داخل الفصيل الواحد، وتسييس المؤسسات بدلا من مأسسة السياسة، فتغدو مكونات النظام السياسي عاجزة عن العمل باستقلالية وضمن نظام قانوني ووظيفي يحدد دورها ومهامها، بل الحاصل هو أن كل مفردات النظام تتبع للنخب السياسية ومواقفها وعقائدها وتصوراتها غير المنضوية تحت أي نظام قانوني مؤسساتي. وبالتالي فوضى في الأدوار والوظائف وتداخل الصلاحيات. وعليه أصبح الكل غير قادر على العمل  ضمن ضوابط مؤسسية وبيروقراطية مهنية ومؤسساتية، لأنه نظام يعمل ضمن المحاور وضمن الارتباطات الشخصية الرأسية والأفقية التي تشكل قيداً على العمل المؤسساتي والقانوني. ومن هنا كان دور الفرد القائد وشخصنة القضايا والنزاعات. فلا غرو والحالة تلك أن الرئيس الفلسطيني الراحل  أبو عمار كان هو الصمغ اللاصق للنظام السياسي والإداري. وهذه الحالة لا توجد فقط في المؤسسات الرسمية بل هي حالة تلف كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. فقادة الفصائل السياسية والعسكرية والتنظيمات الفلسطينية وكافة الجماعات والقوى السياسية غير الرسمية الأخرى تمكنوا من تعزيز سلطاتهم وتكريس نفوذهم في صفوف حركاتهم ومؤسساتهم لدرجة مكنتهم من شخصنة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية، وبالتالي أصبحت السياسات خاضعة لنزوات وأهواء قائد الفصيل. أما الجمهور فهو حبيس موروث طويل من القيم والمفاهيم الإقصائية والإلغائية التي تقوم على الحقائق المطلقة وعلى الإحجام عن نقد الذات والإمعان في تسفيه الآخرين ونبذهم، فضلا عن عدم رسوخ قيم العدالة والمساواة. لا شك أن هذا التشوه حال دون بناء مؤسسات طبيعية متطورة وبالتالي تشكيل أحزاب وبنى سياسية متطورة قادرة على إفراز نخب سياسية تكون قادرة على التكيف والمرونة والاستقلالية وتحقيق الانسجام والتوافق بين مفردات النظام بدلاً من الصراع والإقصاء. ومن هنا تلعب القيادات السياسية الفلسطينية دورا محوريا وفي غاية الأهمية في النظام السياسي الفلسطيني، أما باقي المؤسسات المشكلة للنظام كالسلطات الدستورية والمحاكم والمنظمات غير الرسمية لا دور لها بتاتا، ويعزى ذلك للأسباب والأوضاع التي شرحناها .  ومن هنا تتحكم  القيادات والنخب السياسية الفلسطينية( المتغير المستقل) في كل المؤسسات ومفردات النظام(المتغير التابع) وهذه الأخيرة تخضع خضوعاً مطلقاً للقيادات والنخب السياسية غير المنضوية تحت أي أطار قانوني أو قضائي أو مؤسساتي يضبط حركتها وتفاعلاتها. والنتيجة هي أزمة تلف أطراف النظام. لذلك تغدو العلاقات بين القيادات السياسية علاقات تأخذ  منحى صراعي إقصائي أكثر منه منحى تعاوني توافقي تكافلي، بل وبكل أسف، إن تلك العلاقات تأخذ منحى صراعي من أنماط الصراعات الصفرية.

   نخلص من العرض السابق أن الاقتراب من مفاعيل الأزمة الفلسطينية وحتى يتسنى  فهمها وتحليلها وتفسيرها وكشف معضلاتها والعطب المزمن الذي أصاب الوضع الفلسطيني، ولا يزال، يعتمد على المدخل النخبوي كمتغير رئيسي أو مستقل لتفسير الأزمة الهيكلية التي تلف كافة جوانب النظام الفلسطيني. فإصلاح مؤسسة النخبة(القيادات) السياسية إن صح التعبير هو المدخل الرئيسي لإصلاح النظام لانتشال الوضع الفلسطيني من أزمته.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ