ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  01/11/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


خفايا الضربة الأمريكية في البوكمال ..

 والتوظيف السوري لها

الطاهر إبراهيم*

عندما قامت الطائرات الأمريكية بعدوانها على السوريين في مدينة "البوكمال" في أقصى الشمال الشرقي من سورية، كان الرد الوحيد من النظام السوري هو التنديد بقوة وعنف بهذا الهجوم الوحشي، على حد تعبير التلفزيون السوري. بعدها سُمِح للصحف السورية الثلاث –اليتيمات- أن تشن هجومها العاصف على عدوان أمريكا السافر على السوريين الذين قتلهم جنود أنزلتهم الطائرات الأمريكية، ثم ماذا بعد ذلك؟ لاشيء. فقد أمرت القيادة السورية بحفر القبور للشهداء ورشت التراب على الدماء المسفوحة على تراب الوطن لأن إكرامَ الميت دفنه.

لقد كان تفريط النظام السوري بحق الوطن والمواطنين واضحا. إذ أن هؤلاء الشهداء لم يقتلوا بمدافع طائرات أمريكية، بل تم إنزال جنود إلى الأرض قاموا بتصويب مدافعهم الرشاشة، كأن الحدود السورية مع العراق قد أخليت من أي دفاعات أرضية عن عمد و بفعل فاعل. استطرادا فقد نقل راديو سوا عن الخبير الاستخباراتي الإسرائيلي "رونين بيرغمان" مؤلف كتاب "الحرب السرية مع إيران" قوله: (إن الاستخبارات السورية كانت على علم مسبق بالغارة الأميركية).

ولعل ما خفي كان أعظم عن التعاون السوري الأمريكي، حتى لو أدى هذا التعاون إلى تسهيل العدوان الأمريكي على الأرض السورية.

يعتقد بعض المراقبين أن القصف الأمريكي في البوكمال أتاح لدمشق فرصة لتبرير سياساتها  تزعم فيها نجاح سياساتها، على "عينك يا تاجر". فهي ستقول إن الضربة الأمريكية نوع من الضغط من واشنطن عليها لتخفيف الأحكام على رموز إعلان دمشق، التي كانت قيد الصدور. لكن أحدا لا يصدق مزاعم السياسة السورية وهو يعلم العلاقة الوطيدة  بين دمشق وواشنطن.   

استطرادا، فإن المحكمة التي حكمت على رموز "إعلان دمشق" بخمس سنوات سجنا لكل واحد منهم، ثم خفضت الحكم إلى سنتين ونصف السنة سجنا، قد قيل في حيثيات الحكم بأن المعتقلين قاموا بأعمال توهن من عزيمة الأمة. ونحن نسأل النظام السوري عما إذا كان سكوته عن الرد على العدوان الأمريكي ألا يعتبر توهينا لعزيمة الأمة؟   

نستعجل فنقول: إن الشعب السوري لا يصدق مزاعم السياسة السورية، ولو رأى نجاحها رأي العين. لأن الحكومة التي لا تحترم شعبها تفقد ثقته فيها. كيف لا! وهو يرى الاستبداد والقمع في تصرفاتها مع أفراد هذا الشعب. وإلا فما هي جريمة أعضاء الأمانة العامة "لإعلان دمشق" حتى تعتقلهم وتحاكمهم بمحاكمات صورية، ثم تصدر أحكاما غير مبررة إطلاقا.

ويبقى ماثلا أمام عيني المواطن السوري ما فعلته الاستخبارات الأمريكية عندما اعتقلت "ماهر عرار" المواطن الكندي من أصل سوري وسلمته لأجهزة المخابرات السورية لتخضعه للتعذيب الرهيب على مدى أكثر من عام كامل. وعندما أطلق سراحه تحت ضغط من منظمات حقوق الإنسان، أقام دعوى ضد الحكومة الكندية أمام المحاكم الكندية التي حكمت له بمبلغ 10 مليون دولار، ما دعا الحكومة الكندية للاعتذار منه عن الأضرار النفسية والجسدية التي لحقت به.     

معذرة أيها الوطن الحبيب. معذرة لأن الذي يتولى الدفاع عن ترابك لا يجيد إلا نهب خيراتك. أما أن يتصدى للطائرات الأمريكية فإنه أمر لا يجيده، بل هو غير مطلوب منه أصلا. عدا أنه ممنوع عليه ذلك لأنه يسيء للعلاقات المستقبلية المرجوة مع واشنطن التي ماتزال الدبلوماسية السورية "المهذبة" تسعى للوصول إلى إعادة العلاقات مع واشنطن، وإعادة الدفء إليها، كما كان هو الحال في أيام الرئيس الراحل.

تصرف النظام السوري الناعم مع القصف الأمريكي، لم يكن مفاجئا للشعب السوري، للأسباب التي ذكرناها آنفا. مثلما لم يكن مستغربا سكوت هذا النظام على تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق السماء السورية حتى خرقت حاجز الصوت فوق قصر الرئيس السوري في اللاذقية وهو نائمٌ القيلولةَ في القصر ساعة الغارة. كما طاول الطيران الإسرائيلي الشمال الشرقي لسورية، وقصف منشآت حربية سورية. كل ذلك لم يكن مستغربا عند السوريين، لأن السكوت على هذه الطلعات الجوية كان جزءاً مما تمّ التفاهم عليه بين النظام السوري وبين إسرائيل برعاية وزير الخارجية الأمريكية "هنري كيسنجر" في اتفاقية فك الارتباط التي أبرمت عام 1974.

ولقاء ذلك فقد تعهدت واشنطن للنظام السوري بأن يكون هو النظام الأولى بالرعاية الأمريكية في المنطقة، طالما أن راجمات الصواريخ السورية ستوجه نحو الفلسطينيين في لبنان بدلا من توجيهها إلى المحتل الإسرائيلي. ولن يستطيع الشعب السوري عندها أن ينبث ببنت شفة، لأن "كرباج" عصابات المخابرات سيلهب أجساد السوريين.

لم يتأخر النظام السوري برد التحية لواشنطن. فقد تحولت كتائب الجيش السوري من خنادقها في الجولان أمام إسرائيل إلى قوة ضاربة على أرض لبنان تدك جنازير دباباتها المخيمات الفلسطينية كمخيم "تل الزعتر" الذي ترك الضباط السوريون النشامى أكواخه، المتداعية أصلا، أثراً بعد عين. فأصبح الأطفال الفلسطينيون في العراء، بثيابهم الممزقة، وهم ينشدون:

أسدٌ علي وفي الحروب نعامة    فتخاء تهرب من صفير الصافر.

لم ينتظر الشعب السوري ليرى أو يسمع كيف سيكون رد جنرالات سورية على غارة واشنطن

على مدينة البوكمال، لأن المواطن السوري يعرف أنه لن يكون رد. فحدود سورية مع العراق لا يوجد فيها وحدات سورية مقاتلة أصلا. وذلك إبداء لحسن النية السورية تجاه واشنطن، وهو الأمر نفسه على الحدود السورية مع إسرائيل. فواشنطن لا تعتبر النظام السوري عدواً لها ولو أبرقت في وجهه وأرعدت. فالشعب السوري هو عدو واشنطن لا النظام.

الحدود السورية مع لبنان الأمر فيها مختلف تماما عن الحدود السورية مع إسرائيل أو العراق. فقد حشدت سورية فرقة كاملة من الجيش السوري على الحدود الشمالية الشرقية اللبنانية لماذا؟ قيل في تبرير ذلك أنه لمنع تهريب "المازوت" كما زعم. لو كان ذلك كذلك لكانت شرطة حفظ الأمن السورية أكثر من كافية. يبقى أن الجواب عما يريده النظام من لبنان عند القيادة السورية وعند رئيس الأركان "علي حبيب" الذي أرسل تلك القوات إلى الحدود مع لبنان. "حبيب" هذا كان قبل ذلك قائدا للقوات السورية في الحرب التي شنتها واشنطن ضد العراق عام 1991. فهو يعرف المراد من إرسال الجيش السوري إلى الحدود مع دول عربية مجاورة. ونح نسأله  ما الخطر إذن من لبنان على سورية؟ ليس من خطر .. بل العكس هو الصحيح.

معاون وزير الخارجية السوري أعلن عن إغلاق المركز الثقافي والمدرسة الأمريكيين بدمشق ردا على الغارة الأمريكية. لكن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية صرح بأنهم لم يبلغوا شيئا عن ذلك. كما سير النظام مظاهرات في شوارع دمشق للتنديد بعدوان أمريكا على "البوكمال"، وشتم الإدارة الأمريكية. هذا هو كل شيء فعله النظام السوري للرد على العدوان، وكأنه ينسج على منوال القائل: "أوسعته شتما وأودى بالإبل".

*كاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ