ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإخوان
المسلمون .. كانوا دائما الحاضرَ
الغائبَ أثناء حكم الرئيس حافظ
أسد الطاهر إبراهيم* نشرت صحيفة "الحياة" في عددها
"16672" يوم الأربعاء 26 تشرين
الثاني "نوفمبر" الجاري،
مقالا كتبه "عبد الرحمن
الخطيب" وعَنْوَن له: "هل
انتهى تنظيم الإخوان المسلمين
في سورية؟" وقد أورد في المقال أحداثا زعم أنها جرت
لم تكن مطابقة لما جرى فعلا.
واستنتج استنتاجات لم يكن موفقا
بها. وقد وجدت، -كمطلع على
الأحداث عن قرب- أنه من المناسب
تصويبها، لأن التاريخ ينبغي
كتابته كما جرى لا كما يرى. ولعل من المناسب أن نقدم بفقرة مما جاء في
مقال "خطيب" ليعرف القارئ
كيف يتناول الأمور، قال: (منذ
سنوات عدة لم يعد العالم العربي
والإسلامي يسمع شيئاً عن أخبار
حركة الإخوان المسلمين في
سورية. ولولا تركيز الإعلام
الغربي على حادثة فرار "عبد
الحليم خدام" نائب الرئيس
السوري سابقاً إلى الخارج،
واجتماعه مع علي صدر البيانوني،
أمام أضواء وعدسات الكاميرات
لما عرف العالم أن هناك من ضمن
المعارضة السورية ما يطلق عليه
تنظيم الإخوان المسلمين)؟ هذه
الفقرة تدل على أن الرجل إما أنه
لا يعيش في هذه الدنيا، أو أنه
يكتب لحساب الذين يريدون تصفية
حسابات مع الإخوان المسلمين.... أسس الشيخ "حسن البنا" جماعةَ
الإخوان المسلمين في مدينة
الإسماعيلية في مصر عام 1928 ،
وكان عمره يوم ذاك 22 عاما. وقد
استفاد من كل الدعوات الإسلامية
الإصلاحية التي كانت سائدة في
ذلك الوقت. حاول أن يجمع بين
فضائل ما ورد فيها. وقد لخص
الشيخ رحمه الله ما دعا إليه
بقوله: "دعوتنا صوفية
سلفية". حوربت جماعة الإخوان في مصر من قِبَل
الحكومات التي تعاقبت وكانت مصر
تحت الانتداب البريطاني. يوم أن
أرسل الإخوان المسلمون
كتائبَهم لتقاتل اليهود في
فلسطين، تم اغتيال الشيخ "حسن
البنا" عام 1949، بتدبير من
الملك فاروق وتحريض من
بريطانيا. لم يكن الشيخ يرحمه
الله قد تجاوز الثالثة
والأربعين من العمر عندما تم
اغتياله.
أما في سورية، فقد تأسست جماعة الإخوان
المسلمين على يد الشيخ "مصطفى
السباعي" عام 1946، وكان أول
مراقب عامٍّ لها. بقي الشيخ
"السباعي" يقود الجماعة
حتى أقعده المرض. فاختير
الأستاذ "عصام العطار"
مراقبا عاما. حلت الجماعة نفسها-
مثلها مثل باقي الأحزاب في
سورية- عند قيام الوحدة بين مصر
وسورية عام 1958. واستأنفت
الجماعة نشاطها عام 1961 بعد
انفصال سورية عن مصر، وكان
الأستاذ عصام العطار ما يزال
المراقب العام. أصدرت الجماعة
صحيفة "اللواء" حتى أغلقها
الحكم البعثي بعد انقلاب 8آذار
في عام 1963. عام 1964 كتب طالب من حماة على سبورة صفه
الآية: ( ومن لم يحكم بما أنزل
الله فأولئك هم الكافرون)،
فاعتقلته المخابرات. رفض الطلاب
الحضور إلى المدرسة ما لم يطلق
سراحه. وأصر الأمن على عدم إطلاق
سراحه، فاعتصم خلق كثير من أهل
حماة في جامع "السلطان".
عندها تصرفت المخابرات تصرفا
مستفزا. وقصفت الجامع
بالمدفعية، فقتل بعض المعتصمين
واعتقل كثيرون، كان منهم
المهندس الزراعي "مروان
حديد". سارع رئيس الدولة الفريق "أمين
الحافظ" إلى حماة ليحول دون
وقوع مجزرة كان يخطط لها وزير
الدفاع "حمد عبيد" انتقاما
لقصف جبل الدروز في عهد أديب
الشيشكلي. ولاحتواء الفتنة، قام
الشيخ الجليل "محمد
الحامد" بزيارة
"الحافظ"، الذي أمر بإطلاق
سراح كل المعتقلين ومنهم
"مروان حديد". في العام 1964
مُنِع المراقب العام للإخوان
المسلمين الأستاذ "عصام
العطار" من دخول سورية بعد
أدائه فريضة الحج، فلجأ إلى
لبنان. في نفس العام توفي الشيخ
"مصطفى السباعي"، يرحمه
الله، بعد أن أقعده المرض، ولما
يتجاوز التاسعة والأربعين من
العمر. قبيل هزيمة حزيران عام 1967 كتب "إبراهيم
خلاص" وهو ضابط احتياط برتبة
"مرشح"، في مجلة جيش الشعب:
"إن الله والأديان والأخلاق
دمى محنطة في متحف التاريخ".
تداعى خطباء المساجد في سورية
للتنديد بما كتب من على المنابر
في خطبة الجمعة. قامت السلطات
باعتقال الآلاف وزجت بهم في سجن
تدمر، وكان الشيخ "عبد الفتاح
أبو غدة" واحدا منهم. أطلق
سراح الجميع غداة هزيمة حزيران
عام 1967. مالت الأمور في سورية إلى التهدئة يوم
استلم "حافظ أسد" الحكم.
تحت إصرار الأستاذ "عصام
العطار" على عدم العودة إلى
سورية، تداعت قيادات الإخوان في
سورية إلى انتخاب الأستاذ
"عدنان سعد الدين" مراقبا
عاما. امتنع إخوان دمشق عن
مبايعته، وبقوا على بيعة
"العطار". في عام 1976 اعتقل الشيخ "مروان حديد"
بعدما حوصر في مبنى في دمشق. عذب
حتى مات في السجن. وانتشر بين
أتباعه أن موته كان بسبب
التعذيب. وقد تداعى أتباعه، ممن
انشق عن جماعة الإخوان المسلمين
إلى تشكيل مجموعات قامت
باغتيالات لضباط من أجهزة
المخابرات كانت تتم بسرية بالغة
الكتمان، حتى حار النظام في أمر
مَن يقوم بالاغتيالات، وألقى
البعضُ بالتبعة على أنصار
النظام العراقي في سورية. بدأت الأمور تتكشف عندما اعتقلت مجموعة
من الشباب في عام1979. حقق معهم
فتبين أنهم من أنصار الشيخ
"مروان حديد" وقد أطلقوا
على نفسهم فيما بعد اسم
"الطليعة المقاتلة". ومع أن
العقيد "علي سعد الدين"
–لا تربطه قرابة بعدنان سعد
الدين- رئيس فرع أمن الدولة في
حلب اعترف بأن الإخوان المسلمين
ليسوا طرفا في الاغتيالات، إلا
أن رموز الفريق الاستئصالي في
السلطة فضلوا التصعيد مع جماعة
الإخوان المسلمين واعتبروها
مشاركة في الأحداث التي كانت
تدور في مختلف محافظات سورية
خصوصا في حلب وحماة. وقد تم
اعتقال الآلاف من الإخوان
المسلمين، وزج بهم في سجون
النظام. بسبب تصاعد الأحداث في حلب، دعي الأستاذ
"أمين يكن"، نائب المراقب
العام الأسبق ليقابل الرئيس
"حافظ أسد" في القصر
الجمهوري أواخر عام 1979. تم
الاتفاق على التهدئة ومن ثم
إطلاق سراح المعتقلين الذين لم
تثبت ضدهم أعمال قتالية. على أن
ينظر فيما بعد في شأن المصالحة
الوطنية، وقد أطلق سراح المئات.
لكن التهدئة لم تصمد طويلا. وقد
تبين أن النظام أراد شراء الوقت
لالتقاط الأنفاس، ومن ثم ينقض
على معارضيه.
في 31 آذار عام 1980 دعت مجالس النقابات
المهنية إلى الاعتصام في مقرات
النقابات حتى تطلق السلطة
المعتقلين وتنهي العمل بقانون
الطوارئ. طافت أجهزة الأمن على
بيوت النقابيين فجراً،
واعتقلتهم من بيوتهم قبل أن
يعتصموا في نقاباتهم. (مكث
النقابيون في سجن "عدرا" 12
سنة كاملة، حيث أطلق سراحهم من
دون أن يسألوا أو يحقق معهم). بعد
اعتقال النقابيين صدر أمر
جمهوري بأن يقوم رئيس مجلس
الوزراء بتعيين مجالس النقابات.
هكذا ألغيت الانتخابات من قاموس
النقابات، كما ألغي الانتخاب
الحقيقي عند اختيار أعضاء مجلس
الشعب. في 26 تموز فشلت محاولة لاغتيال الرئيس
"حافظ أسد" عند استقباله
الرئيس السنغالي. بعدها مباشرة
أصدر الرئيس في 7 تموز عام 1980
القانون 49 الذي يحكم بالإعدام
على مجرد الانتماء إلى الإخوان
المسلمين. وما يزال هذا القانون
ساري المفعول. عام 1981 أعيدت اللحمة بين فصيلي الإخوان
المسلمين -جناح حلب وجناح دمشق-
وانتخب الدكتور "حسن
هويدي" مراقبا عاما للجميع.
وفي عام 1985 جرت جولة مفاوضات في
ألمانيا بين الإخوان المسلمين
ومندوبين عن السلطة لم تسفر عن
نتيجة. انقسم الإخوان المسلمون في سورية مرة
ثانية في عام 1986. وانتخب الشيخ
"عبد الفتاح أبو غدة"
مراقبا عاما للإخوان المسلمين
السوريين الذين كانوا ينضوون
تحت مظلة التنظيم العالمي
للإخوان المسلمين، كان من أعضاء
قيادته الدكتور "حسن
هويدي" والمحامي "علي صدر
الدين البيانوني"
وآخرون. كما اختار الطرف الآخر
الأستاذ "عدنان سعد الدين"
مراقبا عاما لهم. جرت عدة محاولات أخرى لإنهاء الخصام بين
الإخوان والنظام. ففي عام 1987
عقدت جولة مفاوضات في ألمانيا،
تم الاتفاق فيها على كثير من
الأمور الخلافية. وفي الجولة
الثانية أصر وفد النظام على أن
يصدر الإخوان بيانا، تَبَيّن من
الصيغة المقترحة أنها تضع وزر
الأحداث كلها على عاتق الإخوان
المسلمين. رفض الإخوان المسلمون
إصدار البيان، بعد أن تأكد
لديهم أن غاية النظام من
المفاوضات هو توسيع الشقة بين
جناحي الإخوان المسلمين. توحد الإخوان
المسلمون مرة ثانية عام 1993،
وانتخب الدكتور "حسن
هويدي" مراقبا عاما. خلفه من
بعد ذلك في عام 1996 المحامي
"البيانوني"، وما يزال على
رأس القيادة حتى الآن. في عام 1996 نُقِلَ إلى الشيخ "أبو غدة"
–عن طريق وسطاء لبنانيين- أن
الرئيس "حافظ أسد" مستعدٌ
لاستقباله في القصر الجمهوري
للبحث في المصالحة الوطنية. نزل
الشيخ "أبو غدة" إلى دمشق
بناء على هذا الوعد. كان في
استقباله في المطار لفيف من
كبار علماء سورية، وضابطٌ
مندوباً عن
القصر الجمهوري. بقي الشيخ
حوالي ثلاثة أشهر في حلب.
وخلالها حاول العماد "علي
دوبا" رئيس المخابرات
العسكرية أن يجري مفاوضات مع
الشيخ "أبو غدة". لكن الشيخ
رفض رفضا قاطعا، وأصر على أنه
جاء للقاء الرئيس، ولا شيء غير
ذلك. بعد أن يئس الشيخ "أبو غدة" من
إمكانية اللقاء، عاد إلى
السعودية حيث يقيم. ثم عاد بعد
شهور إلى دمشق ثانية، لكن
اللقاء لم يحصل. خلص
"الشيخ" إلى نتيجة مفادها
أن النظام غيرُ جادٍ في الوصول
إلى مصالحة مع الإخوان. كل ما في
الأمر أنها محاولة أخرى لزرع
الفرقة بصفوف الإخوان المسلمين.
ما لبثت المنية أن وافت الشيخ
رحمه الله في مدينة الرياض في
عام 1997 . نقلته طائرة سعودية
-بتوصية من خادم الحرمين
الشريفين الملك فهد رحمه الله-
إلى المدينة المنورة ليدفن في
مقبرة "البقيع" بجوار
المصطفى محمد صلى الله عليه
وسلم. (وليس كما زعم "خطيب"
بأن طائرة سورية نقلته ليدفن في
حلب). ليس صحيحا ما زعمه "خطيب" بأن إخوان
سورية فشلوا إذ نجح إخوان مصر.
فكلاهما عاش المحنة التي كانت
قدر الإخوان في سورية ومصر،
أعدموا واعتقلوا وشردوا. أطلق
"السادات" سراح معتقلي
الإخوان في مصر ومارسوا نشاطهم
–ولو بصعوبة- على أرض مصر. هذا
مما لم يتح إلى إخوان سورية، حيث
إن كل من يعود منهم كان ينتظره
الحكم بالإعدام مع أول قدم
يضعها على أرض سورية، بموجب
قانون "الذبح" رقم 49 لعام
1980. استطاع الإخوان المسلمون في سورية أن
يقفوا على أقدامهم مرة أخرى،
وأن يمارسوا نشاطهم في المنفى.
أصدروا "ميثاق الشرف في 3 أيار
عام 2001 الذي نشرته كل الصحف
العربية، عدا الصحف السورية.
كما أصدروا مشروعهم السياسي تحت
اسم "المشروع السياسي لسورية
المستقبل"، وضعوا فيه خلاصة
رؤيتهم لما ينبغي أن تكون عليه
سورية المستقبل. صحيح أن النظام السوري ما يزال يرفض عودة
الإخوان إلى سورية، لأنه يخشى
من التأييد الواسع لهم في صفوف
الشعب السوري. وقد جرت
استطلاعات من قبل بعض الغربيين
تبين لهم فيها أن الإخوان
المسلمين يتمتعون برصيد ضخم عند
الشعب السوري. ومع أنهم
مايزالون على خصام مع النظام،
إلا أنهم رفضوا رفضا قاطعا أن
يقفوا ضد وطنهم كما فعلت
المعارضة العراقية. وقد قال
الإخوان قولتهم المشهورة في
ميثاق الشرف الوطني الذي صدر عن
مؤتمر "لندن" في عام 2002 ،
الذي ضمهم إلى يساريين وأكراد:
"نرفض الاستقواء بالأجنبي
على الوطن، لأنه لا يفعل ذلك إلا
من هانت عليه نفسه". يبقى أن نشير إلى أن المقال الذي كتبه
"عبد الرحمن الخطيب"
ونشرته الحياة يوم 26 من شهر
نوفمبر الجاري، وغرب فيه وشرق.
نادرا ما وافقه الصواب، كما
خانته الحيادية حتى تاريخيا، مع
أنه يزعم أنه باحث في الشئون
الإسلامية. وإلا فكيف يكتب: (منذ سنوات عدة لم يعد
العالم العربي والإسلامي يسمع
شيئاً عن أخبار حركة الإخوان
المسلمين في سورية. ولولا تركيز
الإعلام الغربي على حادثة فرار
"عبد الحليم خدام" نائب
الرئيس السوري سابقاً إلى
الخارج، واجتماعه مع علي صدر
البيانوني، أمام أضواء وعدسات
الكاميرات لما عرف العالم أن
هناك من ضمن المعارضة السورية
ما يطلق عليه تنظيم "الإخوان
المسلمين")؟ ولا أدري إن كان
هذا الباحث الإسلامي!!! يعيش على
الأرض أم أنه يعيش في المريخ؟ أم
أن عينيه أصابهما العمش؟ لقد
كان الإخوان المسلمون حاضرين في
ذهن الرئيس حافظ أسد، ويشكلون
قطب الرحى طيلة عهده وعهد
الرئيس بشار أسد من بعده. أم لعل
ما كتبه يمثل ما يرغب أن يكون
عليه واقع الإخوان المسلمين؟ ـــــــــ *كاتب سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |