ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  06/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حصاد الشوك على طريق الجنرال عون ..

بعد حرب التحرير إلى المنفى

(1 من 2)

الطاهر إبراهيم*

قبل عشرين عاما قام الرئيس اللبناني الأسبق "أمين الجميل" -في ربع الساعة الأخير لولايته- بزيارة إلى دمشق، قابل فيها الرئيس السوري الراحل "حافظ أسد". وقد منيت هذه الزيارة بفشل ذريع. فلم تستطع دمشق إقناع "الجميل" بالتوافق معها على رئيسٍ لبناني يخلفه، ينتخبه النواب اللبنانيون من بين الزعماء الموارنة الموالين لسورية. بعد هذا الفشل قام الرئيس الجميل -فيما بقي مِنْ ربع الساعة الأخير من ولايته- بتكليف العماد "ميشيل عون" برئاسة حكومة عسكرية. هذه اليد، كافأه بها "عون" فيما بعد، بأن وقف ضده في انتخابات المتن الشمالي التكميلية.

في ذلك اليوم جلس العماد "ميشيل عون" على كرسي الرئاسة اللبنانية في قصر "بعبدا"، ودار حول نفسه عدة دورات فوق هذا الكرسي الدوار، وداخله إحساس غريب وخدر لذيذ، ما كان يجده في كرسي "العماد" قائد الجيش. إنه الإحساس بأن يكون الرجل الرقم " 1 " في كل لبنان. يومها بدأ "العماد" رحلة المليون خطوة. قد يكون العماد "عون" يملك همة "قعساء" ربما تؤهله لصعود هضبة المجد والشهرة، لكن ما كان ينقصه أنه لم يكن لديه بُعْد نظر يسمح له بقراءة الأحداث قراءة صحيحة، على الأقل في لبنان وسورية.

اللبنانيون -والسوريون أيضا- الذين عايشوا تلك الفترة، يذكرون أن العلاقة بين سورية ولبنان –الرسمي والشعبي- لم تكن في أحسن حالاتها. وكثيرا ما كانت دمشق تفرض وجهة نظرها على لبنان الرسمي والشعبي في أمور لبنان. هذه العلاقة المضطربة دعت الجامعة العربية إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق أواخر الثمانينيات، كان في عضويتها "الأخضر الإبراهيمي" والأمير "سعود الفيصل". زارت هذه اللجنة بيروت ودمشق وبغداد، وعواصم عربية أخرى. وخلصت اللجنة إلى أن العراق كان متعاونا، وأن دمشق ترفض التعاون مع الحكم في لبنان. وقد تعاملت دمشق مع توصيات اللجنة، على أنها حبرٌ على ورق.

اللبنانيون –والسوريون أيضا- يذكرون أنه بعد انتهاء ولاية الرئيس "الجميل"، أصبح في لبنان  حكومتان، واحدة برئاسة "سليم الحص" الذي كان وزيرا للخارجية، ثم رئيسا للحكومة بالوكالة بعد اغتيال رئيسها "رشيد كرامي"، وثانية برئاسة العماد "عون". وقد تعامل البنك المركزي مع الحكومتين على أنهما شرعيتان، فكان يصرف الرواتب لهما على قدم المساواة.

في عام 1989 قامت المملكة العربية السعودية بجهود محمودة. جمعت الزعماء اللبنانيين في مدينة "الطائف". بعد حوارات مطولة ومعمقة، دامت قرابة الشهر، عمل فيها الرئيس المرحوم "رفيق الحريري" كالنحلة، متنقلا بين عواصم القرار خصوصا الرياض ودمشق، خرج المؤتمر بما سمي في حينه "اتفاق الطائف"، وقد اعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور اللبناني.

في 5 تشرين الثاني نوفمبر 1989، تم انتخاب "رينيه معوض" في مطار "القليعات" في شمال  لبنان كأول رئيس يتم انتخابه بموجب اتفاق الطائف. يوم عيد الاستقلال في 22 نوفمبر 1989 ،تم اغتيال الرئيس "معوض" بعد سبعة عشر يوماً من انتخابه بعد خروجه من القصر الحكومي المؤقت في منطقة الصنائع. وقد توجهت أصابع الاتهام إلى دمشق، لأن "رينيه معوض" لم يكن محسوبا عليها، بل كان لها مرشح آخر. توافق اللبنانيون فيما بعدعلى انتخاب "إلياس الهراوي" كحل وسط رضيه أكثر الأطراف. غير أن الجنرال "عون" كان له رأي آخر. فالذين لا يكنّون المودة له أشاعوا في حينها: بأن "عون" رفض الانتخاب لأنه أرادها لنفس. بينما ذهب آخرون إلى أنه وجد على النواب، لأنه لم يستشر –كرئيس حكومة- في اختيار "الهراوي". 

ذكرت آنفا في المقال، أن العماد "عون" لم يكن لديه بُعْد نظر يؤهله لقراءة الأحداث جيدا، أقلُّه في لبنان. فلو دقق النظر في الأحداث التي مرت على لبنان في السنوات الأخيرة، لأدرك أن اللاعب الرئيس في لبنان كان الرئيس الراحل "حافظ أسد"، بعد أن كسب رضى "واشنطن" بما قدم لها من خدمات، ليس هنا مجال ذكرها.

بعد حرب تحرير الكويت في بداية عام 1991 ظهرت هيمنة "حافظ أسد" واضحة في المنطقة. فمع أنه يرأس الشق الثاني لحزب البعث فقد دخل الحرب ضد العراق تحت راية واشنطن، مع أنه لم يكن له قضية يحارب لأجلها. كما لم تكن لسورية أرض يحتلها العراق. ولم يكن "صدام حسين" يهدد باجتياح سورية، مثلما كان الحال مع السعودية.

كانت الرسالة التي أراد "حافظ أسد" توصيلها لواشنطن: أنه "يريد أن يخدم" - كما يقول المثل السوري- لينال بعدها من واشنطن "كارت بلانش" يتحكم به في المنطقة. من بعد حرب تحرير الكويت أصبحت سفينة حافظ أسد تمخر عباب المتوسط تسوقها رياح أمريكية نشطة. هذا الجو الذي كانت فيه الرياح السورية نشطة حاول الجنرال "عون" أن يثبت أقدامه في لبنان. وإذا كان هذا المقال ليس لاستقصاء الأخطاء التي أوقع فيها "الجنرال" نفسه، وبعضها قاتل، إلا أنه لا بد من المرور على ذكر أهمها، لنرى أين كان يسير هذا "العماد"؟

فلو أن "ميشيل عون" كان عنده بعض بعد نظر ورأى ما حل بحليفه "صدام حسين"، بعد خطيئة احتلاله الكويت، وأدرك الموقع الذي يتحرك منه الرئيس السوري حافظ أسد، وأن إرادة دولية وإقليمية ولبنانية قد توافقت على أن "اتفاق الطائف" وجد ليبقى لمصلحة استقرار لبنان بعد أن مزقته الحرب الأهلية "شزرا مزرا"، إذن لتنحى الجنرال عن منصبه الذي وضعه فيه "التوافق المسيحي"، ولشكل حزبا من أنصاره، بعدما تبين للعماد أنه يسير عكس اتجاه السير. وقد رأى مصير "رينيه معوض" الذي انتخبه النواب اللبنانيون، ورفضته دمشق بعم من واشنطن.

كانت "ثانية" هذه الأخطاء، أنه شن حربا لا لزوم لها ضد القوات اللبنانية بقيادة "سمير جعجع". وقبلها تدخل الجنرال "عون" الذي كان قائداً للجيش مهدداً بفتح معركة على "القوات" والميليشيا الموالية للجميّل، إذا لم يسمحا للجيش بإخراج "إيلي حبيقة" –حليف دمشق- ومن معه، وقد كان محاصرا. لاحقاً أوضح عون أن موقفه كان مرده لتلقيه تهديداً سورياً باجتياح بيروت الشرقية. موقف عون هذا، جعل قسما كبيرا من الصف المسيحي ينفض يده من الجنرال "عون".

"ثالث" قراءاته الخاطئة أنه شن حرب تحرير ضد الوجود السوري في لبنان، من دون تبصر بموازين القوى. ولا يعني هذا أن هذا الوجود السوري مرحب به لبنانيا. ولو مد بصره إلى ما وراء لبنان بأمتار قليلة فقط، إذن لأدرك أنه إنما يشن حربا ضد التفويض الأمريكي الذي مكن للرئيس السوري في لبنان. وما كانت باريس "ميتران" لتستطيع تقديم أي دعم له، وقد خسرت مواقعها في لبنان لصالح واشنطن.

وهكذا لم يعد أمام "الجنرال" إلا أن يتسلل في ليلة "ما فيها ضوء قمر"، سالكا "زواريب" بيروت الشرقية وأزقتها، لاجئا إلى سفارة فرنسا. وربما لو تلفت حوله، لوجد أنه يغادر قصر "بعبدا" بحماية من الجيش السوري، بعد أن شفعت له باريس عند واشنطن. لم يكن حافظ أسد ليرفض الشفاعة، لأنه لا خطر من "الجنرال" بعد مغادرته "بعبدا"، وليرى ما يتمتع به من قوة يوظفها ضد خصومه ومن يقف في وجهه في لبنان وفي سورية، ولسان حاله يقول: لو عدت يا "عون" عدنا. فقد قدم "حافظ أسد" لواشنطن ما لا يستطيع "العماد" تقديمه حتى لو أراد. وهكذا خسر العماد الجولة في ظل الوصاية السورية على لبنان. وذهب إلى المنفى في باريس...

في الجزء الثاني سنتابع "العماد" في زيارته خصمه اللدود في دمشق.

ـــــــ

*كاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ