ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  23/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


هل في أحداث اليونان الأخيرة

عبرة للنظام السوري؟

 جان كورد

إن أعمال العنف والتظاهرات الواسعة التي اندلعت قبل أكثر من أسبوع في العاصمة اليونانية أثينا بين حركة "الاوتونوم" ورجال الشرطة على أثر مقتل شاب يدعى أليكسيس غريغوروبولوس، ولاتزال مئات المدارس تحت سيطرة الطلاب، قد أحدثت شرخا كبيرا في الحياة السياسية اليونانية، وستكون لها مضاعفات عديدة مستقبلا.  

حركة "الاوتونوم" هذه منتشرة في أوروبا بين الفتيان والفتيات، وحتى بين الكبار في السن، وهي حركة غير منظمة حزبيا، تؤمن بأن النظام السياسي الأوروبي رغم ديموقراطيته والحريات السائدة فيه نظام متخلف واستبدادي وتوزع فيه الثروات بشكل غير عادل، ولذا فإن المنضمين تحت لواء هذه الفكرة التي تعني "الحكم ذاتيا"، ومنهم مثقفون وفنانون قد قطعوا كل صلة لهم بالنظم السياسية لبلادهم، ويحاولون العيش دون أي اتصال بالدوائر الحكومية ويرفضون كل شيء يأتي من النظام، حتى محاكمه ودوائره الرسمية العادية، ويعتبرون الشرطة ورجال الأمن أدوات عنف للسيطرة الحكومية، يقاومونها بقوة ويعتركون معها، ومنهم من يستولي ضمن جماعة من جماعات الأوتونوم على مساكن ويرفضون الخروج منها، بل إن حيا كاملا في مدينة هامبورغ الألمانية كان تحت سيطرة هؤلاء في ثمانينات القرن الماضي... وكما نعلم فإن اليونان هو أم الحضارة الديموقراطية تاريخيا، وفيه نظام ديموقراطي قائم على تعدد الأحزاب والاتجاهات الفكرية، وهو عضو في الاتحاد الأوروبي، وفيه اتجاهات يسارية قوية معروفة بعدائها التاريخي الشديد للهيمنة الأجنبية، وبخاصة لعضوية بلادها في حلف الناتو وتبعية نظامها السياسي للهيمنة الأمريكية إلى حد ما، وقد جرت في الماضي قلاقل كبيرة بسبب هذه المواقف اليسارية المتشددة حيال العلاقات اليونانية – الأمريكية...ولكن اليونان ظل بلدا منفتحا على الحضارات المجاورة والوضع الاقتصادي فيه ليس بأسوأ من الأوضاع في سوريا مثلا...

رغم الديموقراطية المتوافرة ورغم عضوية اليونان في الاتحاد الأوربي الذي يساعد الدول الأعضاء جميعا في تحسين حياة مواطنيها والتغلب على مشاكلها في كل النواحي، فإن مقتل فتى واحد في مظاهرة للأتونوم الذين يتوقع المرء تصادمهم في كل تظاهرة مع رجال الشرطة، قد ألهب الشارع اليوناني الذي لم يقبل من النظام السياسي أن يريق دم انسان واحد ضحية لسياساته الخاطئة، مهما كان الطرف الذي راحت منه هذه الضحية متشددا أو متطرفا تجاه النظام...

وهاهم اليونانيون الديموقراطيون يطالبون باستقالة وزراء، بل باستقالة رئيس الوزراء، وبتغيير القانون ليسمح بمزيد من مشاركات الطلاب والشباب في الحياة السياسية، كما يطالبون بتغيير سلوك رجال الشرطة ومحاسبة المسؤولين منهم ووضع قيود أشد على استخدام السلاح أثناء مرافقتهم للمظاهرات...

فلو قارنا بين ما يتغير في اليونان بسبب هذه الضحية الوحيدة وبين ما جرى في سوريا على أثر انتفاضة الشعب الكوردي المجيدة في آذار عام 2004 لشعرنا بالخجل حقا، فعوضا عن محاسبة رأس الفتنة محافظ الحسكة آنذاك "سليم كبول" فقد تم نقله إلى ساحل البحر حيث الحياة أشد رقة وعذوبة من الجزيرة الحارة والتي يكثر فيها العجاج، ولانعلم عن مسؤول واحد تمت محاسبته بسبب المذبحة الرهيبة التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين الكورد، ومعظمهم كانوا من الشباب والنساء، وجرح المئات منهم...وماذا تغير في سلوك النظام، سياسيا واقتصاديا، تجاه هذه المنطقة التي ما كانت لتتطور فيها "الأحداث!" بذلك الشكل المروع دون وجود مشاكل اقتصادية وسياسية جادة فيها...؟ لا شيء.

فهل اليونانيون أكثر تقدما من العرب عقليا؟ لا...وهل اليونانيون أشد اهتماما بأرواح البشر من السوريين؟ لا... ولكن اليونانيين يدركون ما معنى الديموقراطية وما هي المهام الحقيقية لرجال الشرطة؟ فالديموقراطية لاتسمح للنظام بأن يتعامل بقسوة حتى مع الذين يتصرفون تصرفات شاذة أثناء تظاهراتهم التي تنطلق نتيجة حرمان أو كبت، والمهام الحقيقية لرجال الشرطة ليست قتل المواطنين بل حماية حياتهم وممتلكاتهم، فماذا سيحدث للبلاد إن انقلب رجال الأمن إلى منتهكي الأمن في البلاد، يقتلون المواطنين ويستولون على ممتلكاتهم أو يخربونها على رؤوس أصحابها، والسلطة تدعمهم في تلك الجرائم التي يرتكبونها ضد الانسانية ولاتتم محاسبتهم على ما تقترفه أياديهم المجرمة؟

نعم ما يحدث في اليونان اليوم هو البحث عن جذور المشكلة التي راح ضحيتها أنسان واحد، وما حدث في سوريا هو التقتيل والحرق والهدم والاغتصاب والتعذيب والارهاب الحكومي بكل صوره، واغلاق ملف عشرات الضحايا بعد 48 ساعة وكأن شيئا لم يحدث، وعادت حليمة إلى عادتها القديمة، نهب وسلب وتشريد وتجويع وتقتيل وتدمير...وقوانين واجراءات تزيد في الوضع احتقانا عوضا عن حل المشاكل ...فمن هو المواطن الكريم الشريف الذي سيحترم نظاما لايبالي بقتل الأبرياء؟ وكيف ستكون العلاقة بين هكذا نظام مسخ وبين شعبه إذا ما تعرض هذا النظام للأخطار؟

فهل تصبح مشاكل اليونان وطريقة الخوض فيها من قبل النظام ومعارضيه عبرة للسوريين يتعلمون منها الدروس الكافية لأن تجنبهم مزيدا من الضحايا في المستقبل؟ وهل النظام قادر – عمليا – على فهم حقيقة أن الشارع الذي تغتصب حرياته وثروته إلى هذا الحد الاجرامي قد ينفجر لدى أندلاع أدنى شرارة؟ أم أن النظام الأسدي – البعثي واثق من أن أجهزته القمعية قادرة على التصدي للشعب عندما يثور؟...

ما جرى في حماه وغيرها في ثمانينات القرن الماضي وما جرى في القامشلي وسواها في عام 2004 قد يجري في مدن أخرى، والنظام نتيجة ضعفه من عدة وجوه لن يتحمل هذه المرة صدمة دموية أخرى، والشعب السوري لن يقبل بحماه أو قامشلو أخرى، والنظام أعجز من أن يصد فوران بركان مدمر... في حين أن العالم يدرك بأن نظام الأسد معزول داخليا، وما نراه من ستائر الولاء الكاذب له في المناسبات يخفي حقيقة العزلة التي يعيشها، رغم أنف ساركوزي وبراون اللذين يجهدان لتلمييع صورته لاعادة تأهليه دوليا لأسباب لايجهلها الشارع السوري...

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ