ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  23/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فقـه التغييـر  - 5

 ( الخروج من الأنانية )

د . خالد الأحمــد

من تغيير الأنفس أن نخرج من أنانيتنا لنكون أكثر غيريـة أو خيّرين ، والأنانية مرحلة نفسية ضرورية للطفل ، الذي يظن أن الله عزوجل خلق أمه وأباه وبيتهم وإخوانه وكل مايراه ؛ خلقه من أجله هو ، لذلك لايريد أن يشاركه أحد في أمه أو أبيه أو لعبه ...إلخ ...وهذه المرحلة تكون على أشدها في المهد الذي ينتهي في السنة الثانية ، ثم تبدأ مرحلة الطفولة المبكرة ، فتبدأ الأنانية بالتناقص تدريجياً ، حتى يأتي وقت يطلب الطفل من الآخرين أن يلعبوا معه ، ويسـره اللعب مع الآخرين أكثر من اللعب منفرداً ...

ويبدو لي أن جزءاً كبيراً من تخلفنا يعود إلى عشعشة الأنانية في نفوسنا ، وظهورها في سلوكنا ، ومن مظاهر الأنانية في سلوكنا الفردية في سلوك الكثيرين منا ، مما يفسد العمل الجماعي ، ومن مظاهرها إقبالنا الشديد على الدنيا ، حتى أن أكثرنا يعمل بضع عشرة ساعة في اليوم ، ولايجد ساعة في الأسبوع يخصصها لزيارة إخوانه أو لقائهم ، وينفق راتبه ودخله على مصروفه ومصروف أسرته ، ولايجد (2%) فقط من دخله ؛ يدفعها في سبيل الله عزوجل ... وسأفرد له حلقة خاصة ، لكن أذكر هذا المثل ، وهو أنني كلفت من بعض الفضلاء بنقل مساعدة مالية إلى أحد الأخوة بناء على طلبه بل إلحاحه ، ولما دخلت بيتـه لأدفع له المبلغ الأمانة ، وجدت فـرش بيتـه وأثاثـه أفضل من فرش بيوت الأخوة الأفاضل الذين أرسلوا له تلك المساعدة ( وطبعاً أفضل من بيتي بكثير ) .... هذا هو الوهن وهو حب الدنيا وكراهية الموت ، وسأعود له إن شاء الله .

أما في عالم الرشد الذي يبدأ بعد المراهقة ( ولنقل في زماننا بعد العشرين ) فالمفروض في عالم الرشـد أننا تخلصنا من الأنانية ...لكن مانلاحظه في الواقع أن الشعور بالأنانية يستمر ، وقد يستمر حتى الممات ، وهذا يعني تشوهاً في الشخصية ، ويجب علينا ( تغييـر ) مثل هذه الشخصية التي لم تتخلص من الأنانية وهي في الرشـد ....

الأصل في الرشـد أن يكون الإنسان الراشد موضوعياً ( وهنا الموضوعية عكس الأنانية ) ، فالراشـد يعرف ويعترف أمام الآخرين ( بصدق وليس مداهنة ) يعترف أن فلاناً أفقـه منه في العلم الفلاني ، بل أذكر أنني بعد تخرجي من الفلسفة (1968) في ذلك الصيف زرت الأخ الداعية الحاج خالد الحســـون ( من السلمية وهو الآن في جدة ) أمده الله بالصحة والعافية ، وسهرت معه ليلة مملوءة بالعصف الذهني – كما يحلو للأخوة اليوم – وفي نهاية السهرة قلت لبعض الأخوة الحاج خالد يفهم في الفلسفة أكثر مني ( والحاج خالد أظن شهادته ثانوية أو أقل ) ...وكررت ذلك عدة مرات أمام الأخوة لأنني أراها حقيقة ...

الشعور والاهتمام بالآخرين ضـد الأنانية :

قال رسول الله r : "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ".  صححه الألباني :   5505 في صحيح الجامع   ، و عن أنس بن مالك عن النبي r قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه ". رواه البخاري و مسلم

      تسود الألفة والمحبة في المجتمع المسلم؛ إذا حرص كل فرد من أفراده على مصلحة غيره حرصه على مصلحته الشخصية، وبذلك ينشأ المجتمع الإسلامي قويّ الروابط ، متين الأساس .

لذلك أرشد النبي r أمته إلى تحقيق مبدأ التكافل والإيثار ، فقال : ( لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ، فبيّن أن من أهم عوامل رسوخ الإيمان في القلب ، أن يحب الإنسان للآخرين حصول الخير الذي يحبه لنفسه ، من حلول النعم ، وزوال النقم ، وبذلك يكمل الإيمان في القلب .

وإذا تأملنا الحديث ، لوجدنا أن تحقيق هذا الكمال الإيماني في النفس ، يتطلب منها سمواً في التعامل ، ورفعة في الأخلاق مع الغير ، انطلاقاً من رغبتها في أن تُعامل بالمثل ، وهذا يحتّم على صاحبها أن يصبر على أذى الناس ، ويتغاضى عن هفواتهم ، ويعفو عمن أساء إليه .

 وكما يحب للناس السعادة في دنياهم ، فإنه يحب لهم أن يكونوا من السعداء يوم القيامة ، لهذا فهو يسعى دائما إلى هداية البشرية ، وإرشادهم إلى طريق الهدى ، واضعا نصب عينيه قول الله تعالى : { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين } ( فصلت : 33 ) .

ولنا في رسول الله r خير أسوة في حب الخير للغير ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن يدّخر جهداً في نصح الآخرين ، وإرشادهم إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة ، روى الإمام مسلم أن النبي r قال لأبي ذر رضي الله عنه : ( يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرنّ على اثنين ، ولا تولين مال يتيم ) .

ومن مقتضيات هذا الحديث ، أن يبغض المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه ، وهذا يقوده إلى ترك جملة من الصفات الذميمة ، كالحسد والحقد ، والبغض للآخرين ، والأنانية و الجشع ، وغيرها من الصفات الذميمة ، التي يكره أن يعامله الناس بها .
ومن ثمرات العمل بهذا الحديث العظيم أن ينشأ في الأمة مجتمع فاضل ، ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة ، كالجسد الواحد القوي ، الذي لا تقهره الحوادث ، ولا تغلبه النوائب ، ، فتتحقق للأمة سعادتها ، وهذا هو غاية ما نتمنى أن نراه على أرض الواقع .

وعندما نتمثل هذا الحديث الشـريف في فكرنا وسلوكنا ، تتغير أنفسنا تغيراً إيجابياً كبيرأ ، وتخرج من الأنانية إلى الشعور والاهتمام بالآخرين ، وهذا تغيير إيجابي كبير .

 وأظن أفضل طريقة للخروج من الأنانية هي التواضع ، فلنقتدِ برسول الله r في تواضعه ، ونقرأه ونكرر قراءته مرات ومرات ، ونقرأ سيرة الخلفاء الراشدين ، مرات ومرات ....كي تنغرس فينا فضيلة التواضـع ...

 قطـوف من تواضعـه r :

أقولها للذكرى لأنها تنفع المؤمنين ، وكلكم تعرفون ما سأقول بل أكثر منه ، ولنقرأ في كتاب شيخنا محمد علي مشعل يحفظه الله ( النبي محمد r ) ط1 ، 1427 ، دار غراس ، الكويت .

(( عيشه وأكله وشربه r :

 لقد اكتفى r من الدنيا وعيشها بالذي يقيم صلبه ، واكتفى بالكفاف ولم يمد عينيه إلى زينة الحياة الدنيا ؛ لأنها متاع الغرور ، ولعب ولهو ، وأعرض عن زهرتها ، وقد سيقت إليه بحذافيرها وترادفت عليه فتوحاتها ، وعرضت عليه أن تجعل له بطحاء مكة ذهباً فقال : لا يارب أجوع يوماً وأشبع يوماً ، فأما اليوم الذي أجوع فيه فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم الذي أشبع فيه فأحمدك واثني عليك ( رواه الترمذي ) .

وقالت عائشة : إن كنا آل محمد لنمكث شهراً ما نستوقد ناراً إن هو إلا التمـر والمـاء ( رواه الشيخان ) . وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه : ما أكل رسول الله r على خوان ( مائدة مرتفعة ) ولافي سكرجة ( إناء صغير ) ولاخبز له مرقق ، ولا رأى شاة سميطاً ( مشوية بجلدها) قط.

وقالت عائشة : ماشبع r ثلاثة أيام تباعاً من خبز حتى مضى لسبيله ( البخاري ) .

ودعا لأهله وآله : ( اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً ) ( الشيخان ) وقالت عائشة : ماترك رسول الله r ديناراً ولا درهماً ولاشاة ولابعيراً ( رواه مسلم ) ، ولقد مات ومافي بيتي شيء يأكله ذو كبد إلا شطل شعير في رف لي ( الشيخان ) فأكلت منه حتى طال علي ، فكلته ففني ( متفق عليه ) .

وقالت عائشة : توفي رسول الله r ودرعـه مرهونـة عند يهودي في ثلاثين صاعاً من شعير (متفق عليه ) ...

 

تواضـعه r :

 قال : لاتطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، إنما أنا عبد الله فقولوا عبد الله ورسوله ( البخاري ) . وكان لاينهر خادماً ، وماضرب أحداً من خدمه وعبيده وإمائه ، ولم يـر قط ماداً رجليه بين أصحابه ، وكان يخيط ثوبـه ويخصف نعلـه ، ويخدم نفسه ، ولما أمر أصحابه بإصلاح شاة ، فتقاسموا العمل ، حتى قال الرسول r : وعلي جمع الحطب ..

أما فراشه r فعن حفصة : كان فراش رسول الله r في بيتـه مسـحاً نثنيـه ثنيتيـن فينام عليه ، فثنيناه ليلة أربع ، فلما اصبح قال : مافرشتم لي ؟ فذكرنا له ذلك ، فقال : ردوه بحاله ، فإن وطأته منعتني الليلة صلاتي ( الترمذي ) )) .

وفي كتابي ( تربية البنات في البيت المسلم ) وضعت من صفات المرأة المسلمة محاربة الإسراف والاستهلاك واستشهدت بسيرة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ومن ذلك :

((..... ( أخرج الشيخان قوله r : إن مما أخاف عليكم مايفتح الله عليكم من زهرة الدنيا وزينتها ) ، ويقول عطاء الخراساني : أدركت حجر أزواج رسول الله r من جريد النخل وعلى أبوابها المسوح من شعر أسود . وأخرج البيهقي عن عائشة قالت : رآني رسول الله r وقد أكلت في اليوم مرتين فقال : ياعائشة أما تحبين ألان يكون لك شغل إلا جوفك ، الأكل في اليوم مرتين من الإسراف ، والله لايحب المسرفين .

وعنها رضي الله عنها قالت : جلست أبكي عند رسول الله r فقال : مايبكيك ؟ إن كنت تريدين اللحاق بي فيكفيك من الدنيا مثل زاد الراكب ، ولاتخالطين الأغنياء!!!.

وقد جاء عائشة يوماً ثمانون ألف درهم من عند معاوية رضي الله عنهما ، فما أمسى عندها درهم واحد ، وقالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم ؟ قالت عائشة : لو ذكرتني لفعلت !!!. لاحظوا أنها نست نفسها !!!

ورأى النبي r رجلاً عظيم البطن فقال باصبعه في بطنه : لو كان هذا في غير هذا لكان خيراً لك .

ودخل عمر على النبي r وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال عمر : يارسول الله لو اتخذت فراشاً أوثر من هذا ؟ فقال رسول الله r : مالي وللدنيا ؟ ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها .

ولنتذكر أن رسول الله r لم يكن فقيراً فقد ملك الأموال الطائلة لكن ملكه لها ماكان يبيت عليه الليل ، بل كان يوزعها لتوها كما فعل عقيب غزوة حنين :

...وأعطى رسول الله r المؤلفة قلوبهم ، فأعطى أبا سفيان مائة بعير ، وابنه معاوية مائة بعير ، وعد ابن هشام أحد عشر صحابياُ أعطى كلاً منهم مائة بعير وسموا أصحاب المئين ....وأعطى دون المائة رجالاً من قريش لكل منهم خمسين بعيراً ...

فقد ملك الرسول r الدنيا فوزعها ولم يتركها تبات عنده ، ومات ولايملك ديناراً ولادرهماً ...)).( ولم تكن له حسابات مصرفية في أوربا أو أمريكا ) ...

 

فلماذا لانقتدي برسول الله r ، ونأخذ بعض أفعاله ، لا أقول كلها لأننا لانقدر ، بل نأخذ بعضها ، لنأخذ منها التطلع إلى الآخرة ، وليس إلى الدنيا ، وعندئذ نتواضع في الدنيا ، ونتخلص من الأنانية التي تفسد علينا نفوسنا ، وسلوكنا ، وأعمالنا في الدنيا والآخرة ...

ولانتخلص من الأنانية ونصل سـن الرشـد إلا إذا كررنا قراءة القرآن مع التدبر والتمعن في الآيات ، وقراءة سيرة النبي r ، وجعلناه r قدوة لنا في سلوكنا ، ومصاحبة الأخيار الذين يذكروننا بالآخرة ،  وعندئذ نصل مرحلة الرشـد والموضوعية ونتخلص من الأنانية ....والله أعلم

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ