ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
فقـه
التغييـر
- 5 (
الخروج من الأنانية ) د
. خالد الأحمــد من
تغيير الأنفس أن نخرج من
أنانيتنا لنكون أكثر غيريـة أو
خيّرين ، والأنانية مرحلة نفسية
ضرورية للطفل ، الذي يظن أن الله
عزوجل خلق أمه وأباه وبيتهم
وإخوانه وكل مايراه ؛ خلقه من
أجله هو ، لذلك لايريد أن يشاركه
أحد في أمه أو أبيه أو لعبه ...إلخ
...وهذه المرحلة تكون على أشدها
في المهد الذي ينتهي في السنة
الثانية ، ثم تبدأ مرحلة
الطفولة المبكرة ، فتبدأ
الأنانية بالتناقص تدريجياً ،
حتى يأتي وقت يطلب الطفل من
الآخرين أن يلعبوا معه ، ويسـره
اللعب مع الآخرين أكثر من اللعب
منفرداً ... ويبدو
لي أن جزءاً كبيراً من تخلفنا
يعود إلى عشعشة الأنانية في
نفوسنا ، وظهورها في سلوكنا ،
ومن مظاهر الأنانية في سلوكنا
الفردية في سلوك الكثيرين منا ،
مما يفسد العمل الجماعي ، ومن
مظاهرها إقبالنا الشديد على
الدنيا ، حتى أن أكثرنا يعمل بضع
عشرة ساعة في اليوم ، ولايجد
ساعة في الأسبوع يخصصها لزيارة
إخوانه أو لقائهم ، وينفق راتبه
ودخله على مصروفه ومصروف أسرته
، ولايجد (2%) فقط من دخله ؛
يدفعها في سبيل الله عزوجل ...
وسأفرد له حلقة خاصة ، لكن أذكر
هذا المثل ، وهو أنني كلفت من
بعض الفضلاء بنقل مساعدة مالية
إلى أحد الأخوة بناء على طلبه بل
إلحاحه ، ولما دخلت بيتـه لأدفع
له المبلغ الأمانة ، وجدت فـرش
بيتـه وأثاثـه أفضل من فرش بيوت
الأخوة الأفاضل الذين أرسلوا له
تلك المساعدة ( وطبعاً أفضل من
بيتي بكثير ) .... هذا هو الوهن وهو
حب الدنيا وكراهية الموت ،
وسأعود له إن شاء الله . أما في
عالم الرشد الذي يبدأ بعد
المراهقة ( ولنقل في زماننا بعد
العشرين ) فالمفروض في عالم
الرشـد أننا تخلصنا من الأنانية
...لكن مانلاحظه في الواقع أن
الشعور بالأنانية يستمر ، وقد
يستمر حتى الممات ، وهذا يعني
تشوهاً في الشخصية ، ويجب علينا
( تغييـر ) مثل هذه الشخصية التي
لم تتخلص من الأنانية وهي في
الرشـد .... الأصل
في الرشـد أن يكون الإنسان
الراشد موضوعياً ( وهنا
الموضوعية عكس الأنانية ) ،
فالراشـد يعرف ويعترف أمام
الآخرين ( بصدق وليس مداهنة )
يعترف أن فلاناً أفقـه منه في
العلم الفلاني ، بل أذكر أنني
بعد تخرجي من الفلسفة (1968) في ذلك
الصيف زرت الأخ الداعية الحاج
خالد الحســـون ( من السلمية وهو
الآن في جدة ) أمده الله بالصحة
والعافية ، وسهرت معه ليلة
مملوءة بالعصف الذهني – كما
يحلو للأخوة اليوم – وفي نهاية
السهرة قلت لبعض الأخوة الحاج
خالد يفهم في الفلسفة أكثر مني (
والحاج خالد أظن شهادته ثانوية
أو أقل ) ...وكررت ذلك عدة مرات
أمام الأخوة لأنني أراها حقيقة
... الشعور
والاهتمام بالآخرين ضـد
الأنانية : قال
رسول الله r : "ما آمن بي من بات شبعان
وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به
". صححه الألباني :
5505 في صحيح الجامع
، و عن أنس بن مالك عن
النبي r قال
: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه
". رواه البخاري و مسلم
تسود الألفة والمحبة في
المجتمع المسلم؛ إذا حرص كل فرد
من أفراده على مصلحة غيره حرصه
على مصلحته الشخصية، وبذلك ينشأ
المجتمع الإسلامي قويّ الروابط
، متين الأساس . لذلك
أرشد النبي r أمته إلى تحقيق مبدأ التكافل
والإيثار ، فقال : ( لايؤمن أحدكم
حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ،
فبيّن أن من أهم عوامل رسوخ
الإيمان في القلب ، أن يحب
الإنسان للآخرين حصول الخير
الذي يحبه لنفسه ، من حلول النعم
، وزوال النقم ، وبذلك يكمل
الإيمان في القلب . وإذا
تأملنا الحديث ، لوجدنا أن
تحقيق هذا الكمال الإيماني في
النفس ، يتطلب منها سمواً في
التعامل ، ورفعة في الأخلاق مع
الغير ، انطلاقاً من رغبتها في
أن تُعامل بالمثل ، وهذا يحتّم
على صاحبها أن يصبر على أذى
الناس ، ويتغاضى عن هفواتهم ،
ويعفو عمن أساء إليه . وكما
يحب للناس السعادة في دنياهم ،
فإنه يحب لهم أن يكونوا من
السعداء يوم القيامة ، لهذا فهو
يسعى دائما إلى هداية البشرية ،
وإرشادهم إلى طريق الهدى ،
واضعا نصب عينيه قول الله تعالى
: { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى
الله وعمل صالحاً وقال إنني من
المسلمين } ( فصلت : 33 ) . ولنا في
رسول الله r خير أسوة في حب الخير للغير ،
فهو عليه الصلاة والسلام لم يكن
يدّخر جهداً في نصح الآخرين ،
وإرشادهم إلى ما فيه صلاح
الدنيا والآخرة ، روى الإمام
مسلم أن النبي r قال لأبي ذر رضي الله عنه : ( يا
أبا ذر إني أراك ضعيفاً، وإني
أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرنّ
على اثنين ، ولا تولين مال يتيم )
. ومن
مقتضيات هذا الحديث ، أن يبغض
المسلم لأخيه ما يبغضه لنفسه ،
وهذا يقوده إلى ترك جملة من
الصفات الذميمة ، كالحسد والحقد
، والبغض للآخرين ، والأنانية و
الجشع ، وغيرها من الصفات
الذميمة ، التي يكره أن يعامله
الناس بها . وعندما
نتمثل هذا الحديث الشـريف في
فكرنا وسلوكنا ، تتغير أنفسنا
تغيراً إيجابياً كبيرأ ، وتخرج
من الأنانية إلى الشعور
والاهتمام بالآخرين ، وهذا
تغيير إيجابي كبير . وأظن أفضل طريقة للخروج من الأنانية
هي التواضع ، فلنقتدِ برسول
الله r في
تواضعه ، ونقرأه ونكرر قراءته
مرات ومرات ، ونقرأ سيرة
الخلفاء الراشدين ، مرات ومرات
....كي تنغرس فينا فضيلة التواضـع
... قطـوف
من تواضعـه r : أقولها
للذكرى لأنها تنفع المؤمنين ،
وكلكم تعرفون ما سأقول بل أكثر
منه ، ولنقرأ في كتاب شيخنا محمد
علي مشعل يحفظه الله ( النبي
محمد r ) ط1 ،
1427 ، دار غراس ، الكويت . (( عيشه
وأكله وشربه r : لقد
اكتفى r من
الدنيا وعيشها بالذي يقيم صلبه
، واكتفى بالكفاف ولم يمد عينيه
إلى زينة الحياة الدنيا ؛ لأنها
متاع الغرور ، ولعب ولهو ، وأعرض
عن زهرتها ، وقد سيقت إليه
بحذافيرها وترادفت عليه
فتوحاتها ، وعرضت عليه أن تجعل
له بطحاء مكة ذهباً فقال : لا
يارب أجوع يوماً وأشبع يوماً ،
فأما اليوم الذي أجوع فيه
فأتضرع إليك وأدعوك وأما اليوم
الذي أشبع فيه فأحمدك واثني
عليك ( رواه الترمذي ) . وقالت
عائشة : إن كنا آل محمد لنمكث
شهراً ما نستوقد ناراً إن هو إلا
التمـر والمـاء ( رواه الشيخان )
. وروى البخاري عن أنس رضي الله
عنه : ما أكل رسول الله r على
خوان ( مائدة مرتفعة ) ولافي
سكرجة ( إناء صغير ) ولاخبز له
مرقق ، ولا رأى شاة سميطاً (
مشوية بجلدها) قط. وقالت
عائشة : ماشبع r ثلاثة أيام تباعاً من خبز حتى
مضى لسبيله ( البخاري ) . ودعا
لأهله وآله : ( اللهم اجعل رزق آل
محمد قوتاً ) ( الشيخان ) وقالت
عائشة : ماترك رسول الله r ديناراً ولا درهماً ولاشاة
ولابعيراً ( رواه مسلم ) ، ولقد
مات ومافي بيتي شيء يأكله ذو كبد
إلا شطل شعير في رف لي ( الشيخان )
فأكلت منه حتى طال علي ، فكلته
ففني ( متفق عليه ) . وقالت
عائشة : توفي رسول الله r ودرعـه مرهونـة عند يهودي في
ثلاثين صاعاً من شعير (متفق عليه
) ... تواضـعه
r : قال
: لاتطروني كما أطرت النصارى ابن
مريم ، إنما أنا عبد الله فقولوا
عبد الله ورسوله ( البخاري ) .
وكان لاينهر خادماً ، وماضرب
أحداً من خدمه وعبيده وإمائه ،
ولم يـر قط ماداً رجليه بين
أصحابه ، وكان يخيط ثوبـه ويخصف
نعلـه ، ويخدم نفسه ، ولما أمر
أصحابه بإصلاح شاة ، فتقاسموا
العمل ، حتى قال الرسول r : وعلي
جمع الحطب .. أما
فراشه r فعن حفصة : كان فراش رسول الله r في
بيتـه مسـحاً نثنيـه ثنيتيـن
فينام عليه ، فثنيناه ليلة أربع
، فلما اصبح قال : مافرشتم لي ؟
فذكرنا له ذلك ، فقال : ردوه
بحاله ، فإن وطأته منعتني
الليلة صلاتي ( الترمذي ) )) . وفي
كتابي ( تربية البنات في البيت
المسلم ) وضعت من صفات المرأة
المسلمة محاربة الإسراف
والاستهلاك واستشهدت بسيرة
أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
ومن ذلك : ((..... (
أخرج الشيخان قوله r : إن مما أخاف عليكم مايفتح
الله عليكم من زهرة الدنيا
وزينتها ) ، ويقول عطاء
الخراساني : أدركت حجر أزواج
رسول الله r من
جريد النخل وعلى أبوابها المسوح
من شعر أسود . وأخرج البيهقي عن
عائشة قالت : رآني رسول الله r وقد
أكلت في اليوم مرتين فقال :
ياعائشة أما تحبين ألان يكون لك
شغل إلا جوفك ، الأكل في اليوم
مرتين من الإسراف ، والله لايحب
المسرفين . وعنها
رضي الله عنها قالت : جلست أبكي
عند رسول الله r فقال :
مايبكيك ؟ إن كنت تريدين اللحاق
بي فيكفيك من الدنيا مثل زاد
الراكب ، ولاتخالطين الأغنياء!!!. وقد جاء
عائشة يوماً ثمانون ألف درهم من
عند معاوية رضي الله عنهما ، فما
أمسى عندها درهم واحد ، وقالت
لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا
منه لحماً بدرهم ؟ قالت عائشة :
لو ذكرتني لفعلت !!!. لاحظوا أنها
نست نفسها !!! ورأى
النبي r رجلاً عظيم البطن فقال باصبعه
في بطنه : لو كان هذا في غير هذا
لكان خيراً لك . ودخل
عمر على النبي r وهو على حصير قد أثر في جنبه
فقال عمر : يارسول الله لو اتخذت
فراشاً أوثر من هذا ؟ فقال رسول
الله r : مالي وللدنيا ؟ ما مثلي ومثل
الدنيا إلا كراكب سار في يوم
صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم
راح وتركها . ولنتذكر
أن رسول الله r لم يكن فقيراً فقد ملك الأموال
الطائلة لكن ملكه لها ماكان
يبيت عليه الليل ، بل كان يوزعها
لتوها كما فعل عقيب غزوة حنين : ...وأعطى
رسول الله r المؤلفة قلوبهم ، فأعطى أبا
سفيان مائة بعير ، وابنه معاوية
مائة بعير ، وعد ابن هشام أحد
عشر صحابياُ أعطى كلاً منهم
مائة بعير وسموا أصحاب المئين
....وأعطى دون المائة رجالاً من
قريش لكل منهم خمسين بعيراً ... فقد ملك
الرسول r الدنيا فوزعها ولم يتركها تبات
عنده ، ومات ولايملك ديناراً
ولادرهماً ...)).( ولم تكن له
حسابات مصرفية في أوربا أو
أمريكا ) ... فلماذا
لانقتدي برسول الله r ، ونأخذ بعض أفعاله ، لا أقول
كلها لأننا لانقدر ، بل نأخذ
بعضها ، لنأخذ منها التطلع إلى
الآخرة ، وليس إلى الدنيا ،
وعندئذ نتواضع في الدنيا ،
ونتخلص من الأنانية التي تفسد
علينا نفوسنا ، وسلوكنا ،
وأعمالنا في الدنيا والآخرة ... ولانتخلص
من الأنانية ونصل سـن الرشـد
إلا إذا كررنا قراءة القرآن مع
التدبر والتمعن في الآيات ،
وقراءة سيرة النبي r ، وجعلناه r قدوة لنا في سلوكنا ، ومصاحبة
الأخيار الذين يذكروننا
بالآخرة ، وعندئذ
نصل مرحلة الرشـد والموضوعية
ونتخلص من الأنانية ....والله
أعلم ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |