ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مقاومة
الهلع السياسي أ.د.
محمد اسحق الريفي تُصاب
الجماهير بالهلع السياسي عندما
يتولد لديها شعور قوي بأن
الأوضاع السياسية تهدد نظامها
الاجتماعي في وقت محدد، فتظهر
عليها أعراض سلبية عديدة.
وعادة تعكس الأوضاع
السياسية المؤدية للهلع صراعاً
سياسياً حول قضية معينة، حيث
يسعى الطرف الأقوى سياسياً
وعسكرياً وإعلامياً لتغذية
الهلع لدى خصمه وإصابته بالذعر،
لتحقيق جملة من الأهداف
السياسية. ويحوِّل
إفراط الشعور بالهلع السياسي
حياة الناس إلى جحيم لا تطاق،
وربما يصلوا إلى حالة الانهيار
الكامل. وفي
غزة، حيث الحصار والعدوان
والحرب السيكولوجية التي يشنها
الاحتلال، بدأ المواطنون
يصابون بالهلع، وهذا شيء طبيعي،
لأن الإنسان مجبول على الهلع،
وهو الجزع وشدة الحرص، ولا سيما
عندما يصبح المواطن مهدداً في
لقمة عيشه. والجزع
نقيض الصبر، ومن يجزع ينهار
ويفقد القدرة على الصبر، ويصبح
أكثر حرصاً وأشد رغبة في
الاستحواذ على كل ما يضمن له
السلامة، حتى وإن أدى ذلك إلى
الإضرار بالمواطنين الذين
يشاركونه المصير ذاته.
ولا ينجو من الهلع إلا الذين
يستمسكون بمبادئ إيمانية
وأخلاقية تساعدهم على كبح جماح
الهلع والتحكم فيه، والذين
يحظون بوعي سياسي يحميهم من
الوقوع فريسة للحرب
السيكولوجية. وقد ورد
في سورة المعارج ذكر الهلع في
قول الله تعالى: {إِنَّ
الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً
(19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ
جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ
الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا
الْمُصَلِّينَ (22)} المعارج.
والإنسان يصاب بالهلع في
حالتين، حالة الشر والخير، وهو
مطالب بأن يجاهد نفسه ويطهرها
من الهلع. والدوام
على الصلاة خير معين على ذلك،
لأنها تغرس في الإنسان المبادئ
والقيم الإيمانية والاجتماعية
والأخلاقية الكفيلة بمساعدته
على التخلص من سلطان الهلع
وضغوطاته النفسية. وحصار
غزة هو اختبار صعب لقدرة أهلها
على مقاومة الهلع السياسي، وقد
ميز هذا الحصار الناس من حيث
القدرة على مقاومة الهلع إلى
أصناف عديدة. فمن
الناس من أصابه الجزع في مقتل،
فتلون وتقلب وحاد عن جادة
الصواب، غير مبال بما يترتب على
ذلك من أضرار اجتماعية وسياسية. ومنهم
من أدرك أهداف الاحتلال من
تغذية الهلع في نفوس أهل غزة،
فقاومه بوعي وصبر، لئلا يكافئ
الاحتلال على حصاره الظالم لغزة
وعدوانه على أهلها. وتتجلى
أعراض الإصابة بالهلع السياسي
بوضوح في السياق الحزبي
والسياسي، حيث دفع الهلع
السياسي الكثيرين إلى تغليب
المصلحة الشخصية على مصلحة
الشعب والوطن والأمة، متسترين
خلف غطاء حزبي أحياناً، ومدللين
على غبائهم السياسي.
ويضم هذا الصنف من الناس
الذين أضربوا عن العمل في
المدارس والمستشفيات وغيرها من
الوظائف المهمة والحيوية،
خوفاً من انقطاع الرواتب، أو
خوفاً على المستقبل، بينما بقي
المضربون عالة على شعبنا،
مدللين على ضعف الشعور
بالمواطَنة والمسؤولية
والأمانة. ومما
يثير الدهشة، أن بعض هؤلاء
الذين أصابهم الهلع السياسي
يبكون على ما أصاب شعبنا من هم
وغم، ربما ليضفوا على سلوكهم
السلبي مسحة إنسانية، أو
ليبرروا لأنفسهم استسلامهم
للهلع السياسي. ومن أشد
أعراض الإصابة بالهلع السياسي
سوءاً، أن تجد من التجار من يبحث
في وسط المعاناة والحرمان على
وسيلة للثراء السريع، ليصل هلعه
للحد الأشد والأفحش.
ولا يعني ما سبق غياب نماذج
رائعة في الصبر والثبات ومقاومة
الهلع السياسي، فلولا هذه
النماذج لما فشل حصار غزة حتى
الآن، فأهل غزة أكبر من الحصار. نحن
مطالبون في غزة تحديداً،
أفراداً ومؤسسات وحكومة،
بمقاومة الهلع السياسي الذي
يغذيه الاحتلال والمتعاونون
معه والانتهازيين والجهلاء،
والذي يهدف إلى إجبار شعبنا على
الاستسلام، خاصة مع اشتداد
الحصار، والتهديد باجتياح غزة،
والتآمر على شعبنا ومقاومته. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |