ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هل
يمكن أن نفصل اليهودية عن
الصهيونية حقاً؟ د.
إبراهيم علوش كيفما
قلبت الأمر، فإن اليهودية
والصهيونية لا يمكن في الواقع
أن نفصل إحداهما عن الأخرى.
فالصهيونية ليست سوء تفسير
لليهودية، بل هي الروح
المقطَّرة للتيار الأساسي في
اليهودية. مثلاً،
عندما مزق كارل ماركس اليهودية
إرباً في "حول المسألة
اليهودية"، لم يكن مصطلح "الصهيونية"
متداولاً بعد.
فقد اعتبر ماركس اليهودية،
كممثل لما أسماه "اليهودي
العملي"، أيديولوجية طفيلية
لصوصية تليق بالرأسمالية في
مرحلة تحللها. وبغض
النظر عما تزعمه التعاليم
العنصرية اليهودية المستقاة من
التوراة والتلمود، فإن
اليهودية هي بالأساس عقيدة
وممارسة، لا عرق أو قومية.
لذلك، فإن مولد المرء
لأبوين يهوديين لا يعني
بالضرورة كونه يهودياً إن لم
يتمسك باليهودية.
يتبع أن من الغباء وصف أي
نقد لليهودية بالعداء التلقائي
لعرق متخيل ما مثل "العرق
اليهودي"، بما أن اليهودية
ليست عرقاً ولا أمة. اليهودية،
عملياً، هي ثقافة اللصوصية
الطفيلية التي ترعرعت في عزلة
الغيتو وعفونته.
وهي ثقافة
تتميز أيضاً بطابعها ما فوق
القومي، المتعالي على أي ولاء
وطني. وعليه
لم يكن مفاجئاً أن تأتي
العولمة، فيما أتت به، بتسيد
"المحرقة" عالمياً كوثن
علماني ما بعد حداثي.
فالعولمة تتعلق بالأساس
بهيمنة رأس المال المالي غير
المنتج، وبالربا، ولذلك عنت
العولمة أن يصبح العالم أكثر
يهودية.
وهكذا، فإن الصهيونية لم
تعد تعني فقط، كما كانت تعني
حصراً في أذهاننا، تبرير
الاستيطان اليهودي في فلسطين،
بل باتت تعني أكثر وأكثر تبرير
النفوذ اليهودي حول العالم من
خلال أيديولوجية "المحرقة".
لذلك لم يعد من المفاجئ
أيضاً أن تصبح معاداة اليهودية،
سواء كعداء علماني مبطن
لليهودية تحت عنوان مناهضة
الصهيونية، أم كعداء أصولي ديني
(مسيحي أو إسلامي) سافر
لليهودية، مقوماً رئيسياً
اليوم في عقيدة حركات التحرر
الوطني حول العالم. وكعربٍ
لا يمكن أن نكون غافلين عن حقيقة
أن العقيدتين الأساسيتين في
الصهيونية موجودتان في
اليهودية. فمفهوم
"الوعد الرباني" الذي
يفترض بناء عليه أن "يهوة"،
على ما زعموا، قدم فلسطيننا
العربية لليهودي هو أول هاتين
العقيدتين الصهيونيتين، وبهذا
المفهوم يتم تبرير اغتصاب
فلسطين. أما
ثاني هاتين العقيدتين فهو مفهوم
"الشعب المختار" الذي يعطي
اليهودي امتيازاً على الأغيار،
أي غير اليهود، وهذا العنصر
الثاني يبرر العنصرية كما يبرر
النفوذ اليهودي على الأغيار حول
العالم، وليس فقط في فلسطين. وقد قدم
الكاتب إسرائيل شاحاك في "التاريخ
اليهودي، الديانة اليهودية،
وطأة ثلاثة آلاف عام" أدلة
وافية تظهر كيف أن الوحشية التي
تمارسها قوات الاحتلال
والمستعمرين اليهود ضد
الفلسطينيين العرب تقرها
الشريعة اليهودية التي سنها
الحاخامات بناءً على نصوصٍ
توراتية وتلمودية تدعو
لاستغلال الأغيار وإساءة
التعامل معهم. للمزيد
حول هذه النقطة، الرجاء الذهاب
للرابط التالي: عن
الصهيونية واليهودية: أحكام
علاقة اليهود بالأغيار لذا،
فإن المرء لا يستطيع إطلاقاً أن
يفصل اليهودية عن الصهيونية،
خاصة إذا كان عربياً فلسطينياً.
وأكثر فأكثر، فإن اليهودية
والصهيونية لا يمكن فصلهما إذا
كنت مواطناً في هذا العالم
تبتلعه العولمة، أي، هيمنة
الاستغلال الرأسمالي غير
المنتج، لذلك، هيمنة القيم
اليهودية. بالتالي،
يجب أن تُترك مناهضة الصهيونية
– فحسب - للانتهازيين "التقدميين"
الحريصين على صورتهم "بين
الخواجات الأجانب"، لأن
معاداة الصهيونية بإخلاص تتطلب
أن يكون المرء بالضرورة معادياً
لليهودية نفسها، وليس بالضرورة
معادياً لليهود أنفسهم خارج
فلسطين بشرط تخليهم عن الهوية
الثقافية اليهودية، وذلك أن
الهوية الثقافية اليهودية تقود
للصهيونية السياسية بالضرورة
كما تقود الصهيونية السياسية
لتهويد العالم ثقافياً ..
فلا عداء مع من ولدوا يهوداً
إن تخلوا عن يهوديتهم حقاً، أي
عن صهيونيتهم، مع العلم أن
اليهود، كمحترفي حملات علاقات
عامة، كثيراً ما يطلقون قلة
منهم بين الأغيار كطعم سياسي،
قلة تُعد على أصابع قدم سحلية
واحدة لا يمكن أن تؤثر فعلياً في
ميزان القوى، قلة يقولون أنهم
"يهود معادون للصهيونية"
ومهمتهم اصطياد السذج والأميين
سياسياً في صفوفنا، وتعزيز موقف
انتهازيي "المعسكر المعتدل"
ممن بنوا مقبوليتهم المشبوهة
بين أحبابهم "اليهود
التقدميين" على وهم التمييز
بين اليهودية والصهيونية، وعلى
ممارسة جبنهم الأصفر ورعبهم
المزمن من الاقتراب، ولو عرضاً،
من أساطير المِخرقة اليهودية (بالخاء،
من مخارق، أي الأمر الذي لا يصدق).
بالإضافة
إلى ذلك، يصح القول بأن أياً
كان، سواء كان يهودياً أم غير
يهودي، ممن يدعم حق "إسرائيل"
بالوجود بأية ذريعة، ولو كانت
ذريعة تحويلها لدولة "ثنائية
القومية"، وممن يبرر سلطة
ونفوذ النخب اليهودية في بلده
أو عالمياً، أو في صفوف اليسار
العالمي وحركة مناهضة
الإمبريالية، أو في صفوف "حركة
التضامن مع فلسطين"، هو
بالضرورة ذيل لليهود ونصير
للصهيونية.
ويصح
القول أيضاً بأن الإمبريالية
كانت ستكون موجودة حتى لو لم تكن
هناك يهودية، وبأن الصهيونية ما
كانت لأن تزدهر لهذه الدرجة لو
لم تكن هناك إمبريالية.
بيد أن كل ذلك لا يؤثر على
النقطة الرئيسية هنا وهي أن
اليهودية والصهيونية لا يمكن
بأية حال أن ينفصلا عن بعضهما
البعض بغض النظر عن طبيعة علاقة
الصهيونية بالإمبريالية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |