ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  30/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فقه التغيير - 6

 ( القاعدة الصلبة )

د. خالد الأحمد

نريد أن نغير أنفسنا ، ليغير الله مجتمعنا ، نريد سوريا الديموقراطية التي لاتقصي أحداً من أبنائها ، نريد سوريا بدون مساجين سياسيين ، وبدون مهجرين ، وبدون لصوص يسرقون ثروات الشعب وحليب الأطفال ، نريد سوريا ذات القضاء المستقل الذي يقاضي رئيس الجمهورية والوزراء كما يقاضي أي مواطن عادي ؛ كما هو الحال في الدول المستقرة الديموقراطية ، والله قادر على كل شيء ، الله يغير سوريا إلى هذه الأوصاف التي ذكرتها ؛ بعد أن نغير أنفسنا ، إلى الحد الذي نستحق فيه هذا التغيير المأمول ....

وفي التاريخ وعلم الاجتماع دائماً كان الأنبياء والمصلحون الاجتماعيون يتميزون عن المجتمع الذي أصلحوه وغيروه ، وهذا الشرط الأول للتغيير ، وهو نفسه تغيير الأنفس ليغير الله حال القوم ....

والذين يبدأون بتغيير أنفسهم ، كي يتميزوا عن المجتمع سماهم محمد قطب ( القاعدة الصلبة ) التي تحمل العمارة ( المجتمع ) ، والقاعدة الصلبة لاتظهر بل تخفى في الأساسات ... وقد تكلمت عنها في بداية كتابي تربية البنات ، وقلت ننتظر من البيوت المسلمة – والأم هي الركن الأساس في البيت المسلم  ننتظر منها أن تربي هذه القاعدة الصلبة ، هؤلاء الأفراد الأفذاذ الذين يبدأون عملية التغيير ...
أما الملاحظ اليوم بأن التغيير مازال بعيداً ، لأن بعض أبناء الحركة الإسلامية ( وهم الداعون إلى التغيير ) ، لايتميزون عن بقية المجتمع عملياً، بل يجرون وراء الدنيا مثل غيرهم ، ويتسابقون معهم إلى حطامها ، ويتنافسون بينهم – أحياناً – على الدنيا ، ومثل هذه القاعدة ليست صلبة ، ولاتستحق التغيير الذي يأتي به الله ، لقد تغيرت نفوس (40) صحابي من (50) وهم الرماة يوم أحد ، تغيرت عندما أرادوا الدنيا كما وصفهم الله عزوجل ، فغير الله حال القوم ، وقلب النصر إلى هزيمة يوم أحد ، وعندما تتغير أنفس كثير من القاعدة الصلبة ، سوف يقلدها الآخرون ويغيرون أنفسهم ، وعندما تتواجد نسبة ( اجتماعية ) لأن القانون ( اجتماعي ) وليس ( فردياً ) عندئذ يغير الله حال قومنا إلى الأفضل ..... لقد كانت سوريا في الخمسينات تعيش في ظل حكم ديموقراطي لابأس به ، فيها مجلس نيابي يضم معظم أحزاب سوريا ، كان فيه الشيخ مصطفى السباعي ، والأستاذ خالد بكداش والأستاذ أكرم الحوراني وغيرهم ...ولم نسمع بالمكتب الثاني ( المخابرات ) إلا في أواخر عهد الوحدة ( أواخر الخمسينات ) ، ولما تعيرت أنفس كثير من السوريين تغيراً سلبياً غير الله أحوال القوم في سوريا إلى مانحن فيه ...ومازلنا فيه لأن نفوس السوريين لم تتغير نحو الأفضل حتى الآن ، ولأن نفوس ( القاعدة الصلبة ) لم تتغير بالقدر الكافي ؛ كي يقلدها الآخرون ويغيرون أنفسهم ، ومن ثم يأتي الله بالتغيير المنشود .

ولكم في رسول الله r أسوة حسنة :

كيف كان رسول الله r في صغره وشبابه ورشده ، لم يسجد لصنم مع أن حول الكعبة (360) صنماً غير تلك التي في البيوت ، والأحياء والقبائل ....لم يشرب الخمر مع أنه كان كالماء عند العرب الجاهليين ، ويتميز قلة من الحكماء كأبي بكر الصديق مثلاً بعدم شرب الخمر ...وكان الزنا متفشياً ، والربا سائداً ، وكان القوي يأكل الضعيف ....لكن رسول الله r كان بعيداً عن كل هذا السلوك حتى وصفه ربنا عزوجل { وإنك لعلى خلق عظيم } ...

ومر معنا في الحلقة السابقة تواضعه r ، وكيف أعرض عن الدنيا وقد جاءته بين يديه فوزعها على كبار القوم ، ولم يترك ديناراً يبات عنده ...فالرسول r متميز في عقيدته وفكره وسلوكه ....ورب قائل يقول هذا رسول الله رباه الله عزوجل وأدبه .... وأنا معهم ....

القاعدة الصلبة للمجتمع المسلم الأول  ( قاعدة متميزة) :

لقد ولدت الحركة الإسلامية في مكة على محك الشدة، وهذا هو الشأن الطبيعي الذي لا مفر منه كلما تمثلت الدعوة في تجمع حركي يعقد صفقة وبيعة مع الله، بيعة لا يصلح لها إلا كل مَن نذر نفسه لله، وتهيَّأ لاحتمال الأذى والفتنة والجوع والغربة والعذاب والموت والأكاذيب والافتراءات في أبشعِ صورها.

وهكذا اختار الله السابقين من المهاجرين من تلك العناصر الفريدة النادرة، ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين في مكة، ومعهم الأنصار ليكونوا هم القاعدة الصلبة لهذا الدين بعد ذلك في المدنية.. وشيئًا فشيئًا تميَّزت مجموعات من المؤمنين على قدر بلائها في الحركة وسبقها وثباتها.. فتميَّز أهل بدر، وتميَّز أصحاب بيعة الرضوان في الحديبية، ثم تميَّز بصفةٍ عامةٍ الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا.

وبعد عامين اثنين من الفتح عندما قبض رسول الله r وارتدت الجزيرة العربية كلها، ولم يثبت إلا مجتمع المدينة- القاعدة الصلبة الخالصة- ( المهاجرون والأنصار ) ارتجَّت الجزيرة، وثبتت القاعدة الصلبة، واستطاعت هذه القاعدة بصلابتها وإخلاصها لله عزوجل ، وتناسقها ووفائها لبيعتها؛ أن تقف في وجه التيار، وأن ترده عن مجراه الجارف، وأن تُحوِّله إلى الإسلام مرة أخرى.

فيجب توجيه الجهد لإقامة القاعدة الصلبة من المؤمنين الوفية لبيعتها، شعارها "لا نقيل ولا نستقيل"، يُعرِّضها الله للمحنة الطويلة، حتى يعلم منهم أن قد صبروا وثبتوا وتهيَّأوا وصلحوا لأن يكونوا هم القاعدة الصلبة الخالصة الواعية الأمينة..

 

عمر رضي الله عنه من القاعدة الصلبة :

لذا لنرَ الخلفاء الراشدين وقد أمرنا باتباع سنتهم ، كيف كانوا يتميزون عن سائر المجتمع ، وقد حفظ لنا التاريخ كثيراً من سيرة عمر رضي الله عنه ، وأنقل الآن من كتاب الطنطاويين ( علي وناجي ) أخبار عمر وأخبار عبدالله بن عمر (ص 111) :

(( مرعمر بسائل شيخ كبير ضرير البصر ، فقال : من أي أهل الكتاب أنت ؟ قال : يهودي . قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن . فأخذ عمر بيده إلى منزله فأعطاه شيئاً من المال ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له : انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه ، أكلنا شبيبته ، ثم خذلناه عند الهرم ...)).

 

فهذا عمر رضي الله عنه متميز عن الآخرين ، مبدع كل ماينفع المجتمع المسلم ، وتميزه عن الآخرين جعلهم يسمعون منه ، ويطيعونه ... أما لوكان يسابقهم إلى حطام الدنيا لسقطت هيبته من نفوسهم ، وما طاعوه و ما سمعوا له ...

رأى مرة صبية تطيش هزالاً ، تقوم مرة وتقع أخرى ، فقال عمر : يابؤسها ، من يعرف هذه منكم ؟

قال عبدالله بن عمر : أما تعرفها يا أمير المؤمنين ؟ هذه إحدى بناتك ، هذه فلانة بنت عبدالله بن عمر . قال : ويحك وماصيرها إلى ما أرى ؟ قال : منعك ماعندك ؟ قال : ومنعي ماعندي منعك أن تطلب لبناتك مايطلب القوم لبناتهم ! إنك والله ما لك عندي غير سهمك في المسلمين ...

وأنصح كل من تصدر للدعوة إلى الله أن يقتني هذا الكتاب ( أخبار عمر )، ويقرأه عدة مرات، حتى يعرف كيف ينبغي أن يكون الداعية متميزاً كي يغير الآخرين ...لا أن يسابق الآخرين إلى حطام الدنيا ....

أيها الأحباب : تغيير المجتمع الذي يأتي به الله عزوجل شيء كبير ، كأن تتحول سوريا إلى بلد ديموقراطي ، أحسن مماكانت عليه في الخمسينات ، سوريا بلا سجون سياسية ، وبلا مهجرين ، ومخابراتها العسكرية تهتم بالجيش ، والعدو ، وأمنها السياسي يتابع الشعب كما هو في البلدان الراقية ، وللقضاء استقلاله وهيبته كما في تركيا ، حيث القاضي أكبر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، وكذلك الحال في الدول الديموقراطية المتقدمة ...هذا تحول كبير ، الله قادر عليه وعلى كل شيء ....

لكن .....

بعد أن نغير أنفسنا ، ويبدو أن تغيير أنفسنا ليس بالأمر الهين ، يحتاج إلى جهد ومثابرة من ( القاعدة الصلبة ) بعد أن توجد ، ويحتاج إلى صبر ، وعدم اليأس والقنوط ....وبعد أن تتمكن القاعدة الصلبة من تحصين أنفسها وتميزها عن الآخرين ، وبعد أن يستجيب لها عدد لا بأس به فيغيرون أنفسهم ....عندئذ يغير الله حال القوم .....وهذا مثال جرى في الماضي القريب :

مات عبد الناصر وترك آلافاً من الإخوان المسلمين في السجون ، انقطعت أخبارهم ، حتى ظن أهلهم أنهم ماتوا ، ومنهم محمد قطب يحفظه الله ، وصبر الإخوان في السجون ، وخارج السجون ، والتزموا طاعة الله عزوجل ، وصبروا حتى أن عبد الناصر طلب من سيد قطب قبيل تنفيذ الإعدام أن يكتب له اعتذاراً، وأن يعلن أنه مدفوع من جهة خارجية ، ليرفع عنه الإعدام ، وطلبوا من أخته ( حميدة ) شريكته في السجن أن تبلغه ذلك ، فلما قال لها سيد : هل ترضين ( أنت ) أن أعتذر من هذا الطاغوت !!؟ فقالت : لا ، والدموع تنهمر من عيونها ... ويؤثر عنه يرحمه الله أنه قال : إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ؛ ليرفض أن يكتب حرفاً يقر به حكم طاغية  ( راجع كتاب سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد  ص 471)، لقد صبر الإخوان في مصر، والصبر تغيير كبير في الأنفس ، فغير الله أحوالهم ، كيف !!؟

في عام (1971) حاول الشيوعيون الإطاحة بأنور السادات ، وكانوا أقوياء جداً في مصر ، وفكر السادات بالخلاص منهم ، ففطن أو نصح بإطلاق  الإخوان المسلمين من السجون ، وأنهم وحدهم القادرون على تنظيف مصر من الشيوعيين وآثارهم ، وفتحت السجون وأفرج عن الإخوان المسلمين ، وكنت يومها في الجزائر فقرأت على غلاف مجلة المجلة ( شهر عسل بين السادات والإخوان المسلمين ).. ونظفوا مصر من الشيوعيين وآثارهم ولله الحمد ، وبعد أن ترك عبد الناصر مصر بدون طالبة محجبة واحدة في جامعاتها، شاهدت الطالبات عند باب جامعة الأزهر تخرج غطاء الشعر من حقيبتها كي يسمح لها بدخول جامعة الأزهر ( صيف 1981م) .كما كانت الإعلانات عن الحجاب والزي الإسلامي تملأ شوارع القاهرة بأسعار زهيدة ....

وهكذا جاء الفرج للإخوان المسلمين المصريين بسبب الشيوعيين ، وسبحان الله القادر على كل شيء ....وهكذا يغير الله حال القوم بعد أن غيروا أنفسهم ، ومازال إخواننا في مصر ينعمون بأمن نسبي واستقرار وقبول في الشارع المصري منذ ذلك اليوم وكأنها ترجمة لما قاله سيد قطب يرحمه الله : ( إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الحياة وكتب لها الخلود ) ...  

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ