ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإنجازات
البالية والحضارة الزائفة بقلم
: محمد خليفة* في النصف الثاني من القرن العشرين ساد
اعتقاد على نطاق واسع في العالم
أن الزمن قد تغير ، وأن الإنسان
قد ارتقى في مدارج الحضارة حتى
أصبح يعرف حقوقه ويلزم الدولة
بالاهتمام بها ، وشاع أن ازدهار
الحضارة قد خلق أنماطاً جديدة
من التعامل بين الدول ، قائمة
على أساس الاحترام المتبادل
والتعاون في سبيل خير البشرية .
وعزّز هذا الاعتقاد تلك
المواد القانونية التي أودعت في
شرعة الأمم المتحدة نصّت على
سيادة الدول الكاملة على
أراضيها وعلى تحريم الفتوحات
التي كانت موجودة
في السابق ، وعلى اعتبار أي
عمل عسكري تقوم به دولة ضد دولة
أخرى عملاً عدوانياً تنبغي
مواجهته وعدم الاعتراف بنتائجه
. وظهر
الكثير من المنظّرين في الغرب
الذين تحدّثوا عن ما أسموه عصر
الإنجازات الحضارية في ظل
الحضارة الغربية .
ومن هذه الانجازات ما يسمى
الديمقراطية وحق الشعوب في
تقرير مصيرها واختيار حكوماتها
التي تعبّر عنها أصدق تعبير .
وقد صدّقت الشعوب الضعيفة
في آسيا وإفريقيا وأمريكا
اللاتينية هذه الافتراءات
واهتدت إلى الحكم الديمقراطي ،
فظهرت الأحزاب السياسية في أكثر
الدول الإفريقية تخلّفاً
وفقراً ، وراحت هذه الأحزاب
تتصارع فيما بينها للفوز
بالسلطة وأحياناً يكون الصراع
دموياً كما حدث في كينيا مؤخراً
. وقد
يكون الصراع عبارة عن انقسام
بين الشعب تتخلله أعمال عنف كما
حدث في زيمبابوي ، وأصبحت "مالي"
، وهي أفقر دولة في العالم ،
النموذج العالمي للديمقراطية .
لكن تأثيرات الديمقراطية
ظلت بعيدة عن دول من نظّروا لها
، ونعني بذلك الغرب .
فالولايات المتحدة مثلاً ،
وهي التي تدعي أنها أول دولة
ديمقراطية في العالم ، لم تعرف
الديمقراطية عبر تاريخها
الطويل ، بل يحكمها نظام الحزب
الواحد ، ولا ينخدع أحد بالقول
إن هناك حزبين يتبادلان السلطة
في تلك الدولة ، لأن هذين
الحزبين وجهان لعملة واحدة ،
فمن يستطيع أن يبيّن فرقاً
واحداً بينهما .
والأمر نفسه موجود في
بريطانيا وهي الأخرى تنصِّب
نفسها دولة ديمقراطية .
فهذه الدولة يحكمها أيضاً
حزب واحد ، وإن كان هناك حزبان
يتبادلان السلطة بشكل دائم ،
لأن هذين الحزبين مثل رفيقيهما
في الولايات المتحدة حزب واحد
ولا فرق بينهما .
لكن من يستطيع أن يقول ، إن
الولايات المتحدة أو بريطانيا
ليستا دولتين ديمقراطيتين ؟.
قطعاً لا أحد ، لأن حجم
المعتقدات والتصورات والأفكار
كثيراً ما كانت تفعل فعل السموم
، مارستها حكومتا هاتين
الدولتين وأمثالهما من دول
الغرب الأخرى على نطاق واسع
بحيث يعجز العقل عن إيجاد عيب في
تلك الدول .
فلو قلنا لا توجد ديمقراطية
في الولايات المتحدة مثلاً ،
فإن واقع الحال ينفي ذلك ، لأن
هناك صحافة حرّة ، وهناك من
ينتقد الرئيس وينتقد السياسة
علانية ، وهناك من يصوِّت في
الانتخابات بنعم ، وهناك من
يقول لا ، وللإنسان هناك حرية في
أن يفعل ما يشاء بشرط أن لا يضرّ
الآخرين وتوجد طبابة مجانية
ونظام ضمان اجتماعي .
وهكذا ، فكل ما يحلم به
الإنسان في الحياة موجود .
ولكن خلف كل هذه النعم
العريضة ، توجد دولة متسلّطة لا
تفعل إلاّ ما تريد هي ، لا ما
يريد شعبها .
فقد عارض معظم الشعب
الأمريكي الحرب على العراق ،
ومع ذلك قامت الحكومة الأمريكية
بهذه الحرب.
وهكذا فإن الديمقراطية
الغربية رُوِّجت وجادت بها
قرائح المنظّرين .
وبدأت جماعات عربية وكأنها
تخرجت من جامعة واحدة وبثت
برامجها بثاً مبرمجاً تتعلق
بثقافة الحضارة الغربية
ونظريتها المثالية ، وبذلت
مجهودات خطيرة من أجل الترويج
لهذه المعتقدات المنفعية .
وبعيداً عن حقيقة
الديمقراطية وعن سواها من
المسالك الأخرى ، فإن الصورة
الحقيقية لأوضاع العالم تبدو
قاتمة للغاية ، وقد يكون الزمن
اختلف عمّا كان عليه في السابق ،
حيث لم يكن ثمة فضائيات ولا
إنترنت ولا وكالات أنباء .
والآن كل هذا موجود
والإنسان في كل مكان من الأرض
يرى الحدث وقت حدوثه في أية
منطقة . لكن
ما لم يختلف ، هو أن القوي يفرض
إرادته على الآخرين ، فما يطبّق
على الدول الضعيفة يصعب تطبيقه
على الدول القوية ، بل إن هذه
الأخيرة فوق القانون .
فإذا قامت دولة صغيرة
بالعدوان على دولة صغيرة أخرى
يتم تجريم تلك الدولة وفرض
عقوبات دولية عليها ومحاربتها
باسم الشرعية الدولية واحترام
سيادة الدول .
لكن إذا قامت دولة قوية
بالعدوان على دولة صغيرة ، فإن
هذا العدوان يتم تصويره على أنه
تحرير وإنقاذ لشعب هذه الدولة،
وهذا ما حدث ليوغسلافيا السابقة
التي حطّمتها الولايات المتحدة
وحلفاؤها الغربيون بدم بارد ،
بدعوى أنها تمنع استقلال الشعوب
التي تحكمها .
وأيضاً هذا ما حدث للعراق
الذي تعرّض لنكبة هائلة من جراء
العدوان الأمريكي عليه، ورغم كل
ما حدث للشعب العربي العراقي من
قتل وتشريد وتجويع ، فإن دعاة
الديمقراطية الغربيين ظلوا
صامتين صمت الجدران على هذه
الجريمة ، لأن من قام بها هي
الولايات المتحدة . فأي عالمٍ
هذا الذي نعيش فيه ، وأي غشاوة
تعمي الأبصار كالشهب وتمارس على
الشعوب في كل مكان .
فاستقلال جمهور الناس الآن
أصبح أمراً نسبياً ، لن يقود
تأثير هذه النظريات إلاّ إلى
الاستقلال الفعلي أو الاعتماد
على نظرية الغرب في الأمور التي
تجري في الكون .
ويبقى أن لدى جمهور
الإنسانية اليوم قدرة على
التفكير في الأمور الأساسية
التي بدأت تستيقظ فيهم خلال
السنوات التي بدأ فيها التفكير
تفكيراً مستقلاً مما سيجعل لدى
الجميع قدرة على إيجاد نظرية
تأملية للعالم من أجل إرساء
العناصر الأخلاقية المتفائلة
على أسس راسخة من خلال عملية
اكتشاف الأفكار والكمال الذاتي
. ـــــــــ *كاتب من الإمارات ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |