-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عرب
اللطم والنواح والشعارات د.مراد
زروق* المسيرات
والجلسات الاحتجاجية
والتضامنية ليست اختراعا
عربيا، إنها صيغة حضارية ظهرت
في المجتمعات الغربية حيث يوجد
رأي عام له وزنه ويمارس الضغط
على الحكومات المنتخبة ليسمع
صوته من حين لآخر ويعبر عن سخطه
في الشارع العام بطرق سلمية
كلما دعت الضرورة لذلك. وقد
لاحظنا جميعا في سياق حرب
الإبادة الجماعية التي تشنها
إسرائيل على غزة كيف خرج الناس
إلى الشوارع في العواصم العربية
والإسلامية للتعبير عن رفضهم
لما يجري وعن تضامنهم مع أهل غزة.
لكن هل سيكون لجحافل المواطنين
الغاضبين تأثير على الأنظمة
العربية، أم أن الشعارات
المرفوعة لا تعدو أن تكون صيحة
في وادٍ؟ كلما
ألمّ خطب بدولة عربية أو
إسلامية، خرج الناس إلى الشوارع
في مسيرات مليونية ونفّسوا عن
بعض الغيظ الذي يعتريهم مقلدين
في ذلك من سبقهم من الأمم في نهج
هذا الأسلوب دون أن يأخذوا بعين
الاعتبار أن الحكومات
الديكتاتورية لا تضع في حسبانها
نبض الشارع وأنه ليس هناك موعد
انتخابي يعاقَب فيه من تجاهل
رغبة الشعب، وأن غضب الناس لا
يهم الديكتاتوريات العربية إلا
من حيث خطورته على استقرار تلك
الأنظمة الديناصورية الجاثمة
على الصدور. لكن المشكلة ليست في
موقف القادة العرب من مسيرات
شعوبهم، فموفقهم لم يعد يهم
أحدا وصلاحيتهم انتهت منذ زمن
بعيد، بل المشكلة هي قراءة
الشعوب لمواقفها الرنانة
والاعتقاد أن الخروج في مسيرة
حاشدة يعفي الإنسان من مسؤولية
العمل على مواجهة تلك الأنظمة
التي يجب أن تعتبر أصل الداء. هناك
من سيقول إن الشعوب مغلوبة على
أمرها وإن أضعف الإيمان هو
المشاركة في مسيرات حاشدة
للتعبير عن الغضب. وقد فهمت
الأنظمة الديكتاتورية العربية
هذه الحاجة الماسة عند بني
البشر، خصوصا إذا كانوا كائنات
صوتية مثل العرب وتبنت المسيرات
ونظمتها وهناك من فتح ملاعب كرة
القدم لمن يريد أن يصرخ بأعلى
صوته ويرفع كل أنواع الشعارات
بما في ذلك الشعارات التي يُسجن
من يتفوه بها في الأيام العادية. يعود
الجميع إلى بيته مرتاح الضمير
بعد أن تحرق الأعلام
الإسرائيلية أو الأميركية -حسب
المناسبات- وأصبح هناك من راكم
تجربة محترمة في مجال المسيرات
والوقفات والجلسات الاحتجاجية
وأصبح خبيرا في إضرام النار في
الأعلام والبحث عن قوافي
الشعارات، ثم ماذا بعد؟ لا شيء!
ويؤسفني أن أقول إن ما يصطلح
عليه بالشارع العربي هو صفر على
الشمال في كل المعادلات. سيأتي
يوم يكتب فيه المؤرخون عن
المصائب التي جاءت بها الأنظمة
العربية لكن هناك من سيكتب أيضا
أن الشعوب لم تكن في مستوى
التحدي وأنها كانت تساق مثل
الإبل والأغنام وأنه ما وقف
حاكم مترهل على حافة قبره إلا
وكان قد نصب ابنه المدلل ليقود
القطيع نحو المجهول. سيأتي من
يكتب أن إسرائيل شنت حرب إبادة
في غزة بعد أن أعلنت وزيرة
خارجيتها العدوان على النساء
والأطفال العزل من القاهرة وأن
حكومة رئيس الحكومة أولمرت
المتورط في قضية رشوة تمكنت من
خلق محور إسرائيلي-فتحاوي-مصري
ومع ذلك لم يطح أهل الضفة
الغربية بتجار الحرب ولا أهل
مصر بمن منع الجرحى والنازحين
من عبور معبر رفح تحت ذريعة
المواثيق الدولية. الشعوب
التي لا تستطيع أن تفعل شيئا
لأهل غزة مسؤولة عن تعايشها
الطويل مع الأنظمة العربية، وعن
عدم سعيها لتغيير الأوضاع كما
تفعل كل شعوب العالم التي
يطالها الظلم، أين هي الحركات
الاحتجاجية الاجتماعية وأين هو
العصيان المدني الذي لن تصمد
أمامه أعتى الديكتاتويات
العربية؟ لكن لا يجب أن ننسى أن
هذه الشرذمة لم تنبعث من فراغ،
بل هي إفراز مجتمعات ينخرها
الفساد والظلم المتفشي بين
أفراد العائلة نفسها. الحثالة
التي طفت على السطح لم تأت من
المريخ بل تزعمت شعوبا متخلفة
ومتهاونة، وها هي نتيجة التخاذل
والخنوع والطاعة والانبطاح. تجار
الحرب في الضفة الغربية في حاجة
إلى مسلسل سلام جديد يجنون من
ورائه الأرباح والنظام المصري
يريد أن يسوق صورة عراب السلام
الذي لا مفر من التعامل معه تحت
حكم مبارك وبعده جمال، ولأنظمة
عربية أخرى أهدافها الصغيرة،
أما الشعوب فهي التي يعود لها
أمر التعايش مع هذه الأنظمة أو
خوض نضال الاستقلال الحقيقي
الذي لم تطعمه في يوم من الأيام. وفي
هذا الباب يجب أن نقر بأن مسيرات
وتظاهرات الشعوب العربية لا
تعدو أن تكون ردود فعل عقيمة
تتخلل فترات من العبودية
الحقيقية والتسليم بضياع
الحرية والكرامة إلى الأبد،
وأنه قد حان الوقت للتعبير
الفعلي عن رفض استمرار هذه
الأنظمة الجائرة التي انتصبت
بعد تصفية الاستعمار وكانت أسوأ
من الاستعمار الأجنبي بكثير،
حتى وإن اقتضى الأمر اللجوء إلى
عصيان مدني طويل النفس وباهظ
الثمن من حيث الخسائر البشرية
والمادية. ألم يقل الشاعر لا بد
دون الشهد من إبر النحل؟ ــــــــــــ أستاذ
وباحث في العلاقات الدولية -
جامعة غرناطة
------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |