-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس  08/01/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مستقبل العلاقات التركية الإسرائيلية بعد مجزرة غزة

محمود عثمان

عندما تعرض اليهود للقتل الجماعي والطرد على يد الإسبان عام 1492 فتحت لهم الدولة العثمانية أبوابها , وبسطت لهم جناحي الرفق والرحمة , فنعموا في ظلها بالحرية والأمان لكنهم –كعادتهم - قابلوا ذلك الإحسان بأن قادوا حملات إسقاطها بعد أن رفض السلطان عبد الحميد الثاني  إعطاءهم وطنا في فلسطين وكان لهم ذلك . كما استطاع هؤلاء اليهود مد جسر من العلاقات بين الكيان الإسرائيلي الجديد وبين الجمهورية التركية عام 1949 مستغلين سوء العلاقات بين الدول العربية وتركيا يومئذ .. حيث كانت هناك مشكلة الموصل بين تركيا والعراق من جهة , ومشكلة لواء اسكندرون بين سوريا وتركيا من جهة ثانية , وفي هذا السياق يذكر معروف الدواليبي في مذكراته أنه استطاع إقناع الأتراك في مسألة لواء اسكندرون واتفق معهم لكن حكام أنقرة غيروا رأيهم بضغط من اللوبي اليهودي !. هذا اللوبي نجح أيضا في إقناع تركيا بالاعتراف بدولة إسرائيل وقيام علاقات دبلوماسية بينهما منذ ذلك التاريخ ,. لكن هذه العلاقات تراوحت بين مد وجزر خصوصا أثناء عند دخول الجيش التركي جزيرة قبرص لإنقاذ القبارصة الأتراك  الذين كانوا تعرضوا للإبادة الجماعية على يد العصابات اليونانية . وقد كانت الفرصة مواتية لعودة العلاقات الطبيعية بين تركيا والعرب خصوصا عندما كانت تركيا تعاني من الحصار 1963-64 بسبب المسألة القبرصية , ولا يزال الأتراك يذكرون إمداد ليبيا لهم بالسلاح في تلك الفترة العصيبة . ولعل ذلك لعب دورا في رفض تركيا تمكين إسرائيل من استخدام القواعد الأمريكية على أراضيها خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973

 وإذا كانت بعض الدوائر العلمانية التركية تنظر إلى إسرائيل على أنها تشبه تركيا من حيث كونهما النظامان الديمقراطيان الوحيدان في المنطقة التي تسيطر عليها نظم الاستبداد والدكتاتورية , فإن قادة انقلاب عام 1980 اتجهوا نحو الدول العربية أكثر , خصوصا بعد انضمام تركيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي , ثم ازدادت هذه العلاقات قوة بعد نجاح حزب الوطن الأم بقيادة تورغوت أوزال في انتخابات عام 1983 حيث تميزت فترة حكمه بالانفتاح على الطرفين – العرب وإسرائيل – معا .. لكن العلاقات التركية الإسرائيلية وإن شهدت تقدما ملحوظا بعد طلب تركيا الانضمام إلى المجموعة الأوربية إلا أنها كانت أسرع تقدما على صعيد العلاقات العربية التركية , وقد لعبت الانتفاضة - حجر أمام دبابة - دورا عاطفيا مؤثرا على الرأي العام التركي ! , ولعل من غرائب الأمور أن  العلاقات التركية الإسرائيلية التي شهدت فتورا وشبه انقطاع عندما كان نجم الدين أربكان رئيسا للوزراء عام 1996 , فإن اتفاقية التعاون في مجال  التدريب العسكري قد تم التوقيع عليها بين الطرفين في نفس التاريخ !. هذه الاتفاقية فتحت سماء تركيا أمام الطيارين الإسرائيليين للتدريب والقيام بمناورات عسكرية مشتركة .. لكن هذه العلاقات انتابها قدر كبير من الفتور إبان الاحتلال الأمريكي للعراق , وقيام الكيان الصهيوني بتدريب عناصر القوات الخاصة للبشمكرة الأكراد مما أثار استياء العسكر في تركيا .

حزب العدالة والتنمية الذي سار على نهج تورغوت أوزال في كثير من الأمور تبنى سياسته أيضا في الحفاظ على توازن ما في العلاقات بين تركيا والعرب من جهة وتركيا وإسرائيل من جهة ثانية , فقد قدم دعما لا متناهيا للجانب الفلسطيني رسميا بالمعونات الاقتصادية وإنشاء مدن صناعية , وغير رسمي عن طريق البلديات ومنظمات المجتمع المدني .. في الطرف المقابل فإن حكومة العدالة والتنمية لم تتوان في زيارة إسرائيل على كافة المستويات , وتطوير علاقاتها الاقتصادية والسياسية معها , هذه العلاقات شكلت مخرجا ومتنفسا للحزب سواء على الصعيد الداخلي في كسب المشروعية السياسية داخل النظام العلماني بدفع شبة كونه حزبا إسلامي التوجه , بل إن هناك كثيرا من المحللين السياسيين يرجعون الفضل لهذه العلاقات في الحيلولة دون إغلاق الحزب . أما على الصعيد الخارجي فقد ساهمت هذه العلاقات - التركية الإسرائيلية - إلى حد بعيد في تمتين العلاقات مع أمريكا , و شكلت شهادة حسن سلوك في مساعي حكومة العدالة والتنمية في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي .

لكن المجزرة البشعة التي ارتكبتها إسرائيل  في غزة – وما تزال - أحدثت زلزالا في العلاقات التركية الإسرائيلية التي كانت حتى وقت قريب تشهد ربيعا تجلى في وساطتها بين سوريا وإسرائيل .. فقد عبر رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن استغرابه واستيائه من تصرفات رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اجتمع به قبل يومين من المجزرة ولم يخبره بشيء عنها , بل إنهما تباحثا في ترتيب السلام والمصالحة في الشرق الأوسط .! ثم ازدادت حدة الاستياء بعد ارتفاع عدد الضحايا المدنيين , والتهاب مشاعر الغضب التي سادت الشارع التركي بمختلف أطيافه وانتماءاته والذي تجلت في مسيرات ومظاهرات حاشدة عمت كافة المدن التركية من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها , فاستقال أعضاء كتلة الصداقة التركية الإسرائيلية , بل إن رئيس البرلمان التركي – وهو شخص لبرالي - أعلن اليوم عن فتح حساب بنكي من أجل أن يقوم نواب البرلمان بالتبرع لغزة , كما تعرضت سفارة الكيان الإسرائيلي في أنقرة وقنصليتها في استانبول إلى هجمات من قبل الجموع الغاضبة , وارتفعت الأصوات مطالبة بطرد السفير وقطع العلاقات الدبلوماسية إلى حين انتهاء العدوان على غزة .

من جهته صعد رئيس الوزراء من لهجته في انتقاد إسرائيل إلى درجة الشجب والاستنكار , وقال : (إن إسرائيل ترتكب الإرهاب والقتل الجماعي .. وإن دماء الأطفال وأنات الأمهات الثكالى ستسحق قادة إسرائيل .. ويجب على إسرائيل إيقاف عدوانها على غزة .. إن حماس تثق بنا ومطالبها معقولة ) .. هذه التصريحات أثارت غصب وامتعاض الجانب الإسرائيلي مما حدا بجريدة الجيروسالم بوست إلى القول وفي افتتاحيتها بأن تركيا فقدت حيادها , ولم تعد وسيطا نزيها , بل أصبحت طرفا في جانب حماس والإرهاب !!.

لكن تصريحات أردوغان وإن وصفها بعض السياسيين بأنها تضر بمصالح تركيا مع الغرب إلا أنها لاقت تأييدا واسعا من الرأي العام التركي , بل طالب الكثيرون بذهاب الجيش التركي إلى غزة لإنقاذ أهلها من هذه المجزرة البشعة .

قد تبدو هذه التصريحات للبعض في العالم العربي طبيعية ومن باب أضعف الإيمان , لكنها بالنظر إلى تاريخ تركيا القريب حيث أعدم رئيس وزراء لبرالي علماني بسبب إرجاعه الأذان إلى أصله باللغة العربية فإن هذا يعني الكثير الكثير .. فهل من شك في أن الدماء الطاهرة الزكية التي سالت في غزة ساهمت في عودة اللحمة إلى الجسد الإسلامي الواحد ؟! .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ