-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  17/01/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


وداعا .. أبا ربيع

أبو حسان عدنان زرزور

ألح علي وأنا أقرأ اليوم خبر نعيك بعين دامعة:  ما قاله شوقي في رثاء حافظ إبراهيم:

قد كنت أوثر أن تقول رثائي

وما كان يقوله أول ملوك الإسلام معاوية رضي الله عنه إذا نعي إليه أحد أقرانه:

(أنا والله من زرع قد استحصد)، أي حان وقت حصاده!

يا أبا ربيع .. عرفتك في ربيع العمر ونحن لم نتجاوز الخامسة والعشرين .. وصحبتك حتى بلغنا خريف العمر .. فما عرفتك والله إلا أخا صادقا ودودا، صاحب حماسة متقدة في الدعوة إلى الله، والدفاع عن الإسلام والمسلمين، وصاحب عاطفة جياشة تفيض بالأنس كما تفيض بالدمع .. وصاحب قلم أديب بليغ .. تهزه البلاغة والبيان، ويخشع لإعجاز القرآن..

ولســـوف يذكر لك الإخوة في قطــر وفي أصقاع العروبة والإسلام، ما تركته من أثـر لا يمحى في مناهج اللغة والأدب وغيرها في مراحل التعليم الأساسي، ولقد قلت ذات يوم وأنا أطالع كتب النحو والأدب التي وضعت مناهجها وشاركت في تأليفها:  لو كان الأمر بيدي لعممت هذه الكتب والمناهج في سائر بلدان الوطن العربي والعالم الإسلامي .. ولو تم هذا، مع سائر المناهج القطرية في ذلك الحين، وبخاصة كتب ومناهج التاريخ.. إذن لكان الجيل الذي خرج على الحياة العامة أحسن حالا من هذا الذي نراه اليوم بكثير .. .

ذكريات ربيع العمر التي مضى عليها خمسة وأربعون عاما أو تزيد .. لا تمحى أبد الدهر .. يوم عرفتك في جريدة (اللواء) الدمشقية، مديرا للتحرير، وكنت أتردد على الجريدة، بحكم إشرافي على صفحة الجامعة، ولبعض المراجعات، وكنا نبقى حتى ساعة متأخرة من الليل، وفي كثير من الأحيان كنا نغادر الجريدة مع أذان الفجر .. وقد طلبت مني وزينت لي في إحدى الأمسيات أن أقوم بكتابة افتتاحية الجريدة، نظرا لسفر رئيس التحرير .. ففعلت، وقد حملت هذه الافتتاحية – الأولى – عنوان (الإسلام أولا).  وكانت الرؤية الفكرية أو العقائدية تبرز في كل المقالات السياسية في ذلك الحين بحكم توجهات تلك المرحلة من تاريخ العرب والمسلمين الحديث.  أو على الأقل:  لم تكن هذه الرؤية بعيدة عن المقالات والتحليلات السياسية؛ وأدركت في تلك الأمسية مدى عنايتك بالكتب ومواكبتك المبكرة لحركة التأليف حين قلت لي بعد أن قرأت تلك الافتتاحية المطولة:  كأنك ترد على ساطع الحصري في كتابه (العروبة أولا) فقلت لك:  إنه لا علم لي بهذا الكتاب، وكنت لم أقرأ للحصري غير كتابيه:  (ما هي القومية) و(محاضرات في نشوء الفكرة القومية).

 

ثم توالت الكتابات أو (الافتتاحيات) وكنت أدع لك في الغالب أن تضع أو تقترح عناوينها .. وأذكر من تلك العناوين الآن، هذا العنوان:  (دور الأنظمة المتهالكة في الغزو العقائدي) وقد أثنى على هذه المقالة، وسائر المقالات أو الافتتاحيات الأخرى، أستاذنا الشيخ مصطفى الزرقاء – وكانت تكتب باسم الجريدة، ولا يذكر فيها اسم الكاتب – مشيرا إلى أن مقالات الجريدة أضحت تحمل طابعا مميزا منذ بعض الوقت .. وشعرت بأن شيخنا الزرقا عليه رحمة الله كأنه أصيب بشيء من الإحباط حين قال له أحد الحضور – وكان ذلك في منزل أستاذنا السباعي – رحمه الله – إن كاتب هذه الافتتاحيات فلان، وكنت حاضرا؛ فلم أجد سبيلا للخروج من بعض هذا المأزق – إن صح التعبير – إلا أن أقول، وقد خص الأستاذ الزرقا الافتتاحية التي تحمل العنوان المشار إليه بالمدح والثناء! ولكن هذا العنوان من اقتراح أخي وزميلي الأستاذ هاني طابع، مدير تحرير الجريدة.

ثم انقطعت للدراسة في سائر عقد الستينيات في مصر، وعدت في عام 1969 لأجد أخي هاني وقد ذهب للتعليم في دولة قطر .. ثم اتصل ما بيننا حين عملت في جامعة قطر نحوا من خمسة عشر عاما حتى عام 2000م ولن ينسى أحد أثره في التربية والتعليم في المجتمع القطري .. ومجالسه التي كانت تفيض بالبشر، وبالمتابعات الثقافية والدعوية الواسعة والمتشعبة .. وقلما لقيته مرة في أحد بيتينا أو أحد بيوت الإخوة الآخرين، إلا وقد حمل إلينا كتابا، أو صور له مقالة أو صفحات فيها الجديد، أو الذي يقدر أهمية الاطلاع عليه .. لقد كانت شخصيته الأنيسة المحببة تحب الخير وإشاعة المعرفة عند الآخرين .. ولا ريب في أن أبا ربيع عاش لدعوته ودينه ومجتمعه فوق ما عاش لنفسه أو لأسرته .. وكانت تخنقه العبرات أمام أنباء الكوارث التي تنزل بالمسلمين في كل مكان، أو أمام موقف لله تعالى يقفه واحد من الدعاة والمصلحين في بقاع الأرض، يدافع فيه عن دين أو نفس أو عرض .. وقد كتب الله تعالى له أن يقدم عليه في هذه الأيام .. أيام مواكب الشهداء في غزة وفلسطين .. رحمهم الله، ورحم أبا ربيع، وجعلهم جميعا في عليين.

لن أنسى في قطر يوم حمل إلى في بيتي الكتب والرسائل والمصورات التي كان قد جمعها عن شيخنا وإمام الدعوة الإسلامية في بلاد الشام:  مصطفى السباعي ... عندما علم بعزمي على الكتابة عن الشيخ رحمه الله .. فقلت له:  إن من يجمع هذا أحق بالكتابة عن الأستاذ السباعي، فقال:  لا .. أكتب أنت، وإذا جدت الحاجة لديك إلى مصادر أخرى فربما كانت عندي .. وقد حصل ذلك بالنسبة لبعض أعداد مجلة (الفتح) التي كان يصدرها في مصر السيد محب الدين الخطيب، فاتصلت به عن طريق الهاتف ليعطيني بعض المعلومات عن أعداد بعينها أو بأرقامها، ولما لاحظ أن هذا تكرر مرتين؛ ما كان منه إلا أن حمل أعداد المجلة كلها – نحوا من عشرين مجلدا – وجاء بها بسيارته إلى بيتي .. فأتاح لي فرصة مراجعة جميع الأعداد، جزاه الله عني وعن شيخنا الأستاذ السباعي، وعن العلم والدين، أفضل ما يجزي عباده الصالحين.

لقد كانت عناوين مكتبته تزيد على عشرين ألف عنوان فيما أقدر، مع ملاحظة أن العنوان الواحد قد تربو أعداد مجلداته على العشرين أو الثلاثين .. وأعتقد أن وفاء قطر له – رحمه الله – وهي البلد التي فطرت على الوفاء – أن تقوم بعض الجهات الحكومية بشراء هذه المكتبة النفيسة، وتجعلها مكتبة عامة يرتادها الطلبة والعلماء والباحثون، على أن تحمل اسم الفقيد الراحل ...

رحم الله الأخ العزيز الغالي .. الداعية المربي، والأديب الناقد، والعالم الباحث هاني طايع، وكتب له ثواب المجاهدين الصابرين، وعوض أهله والمسلمين خيرا، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ