-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العمل
السياسي وحق الإختلاف طريف
السيد عيسى إن
العمل السياسي في عمومه مظنة
إجتهاد , وما دام كذلك فلا يمنع
أن تختلف وجهات النظر تجاه أي
موقف أو رؤية سياسية . والخلاف
سنة كونية ماضية إلى يوم الدين ,
ولاتستطيع أي جهة مهما كانت
مرجعيتها أن تزيل هذا الخلاف ,
لأنه من المستحيل حصر الناس
جميعا في بوتقة واحدة من
التفكير . مناسبة
الكلام ذلك البيان الذي صدر عن
جماعة الإخوان المسلمين في
سورية وتعليقهم المؤقت لنشاطهم
المعارض ضد نظام الإستبداد في
سورية . وبغض
النظر عن الموقف من هذا البيان
فلست بصدد مناقشة مثل هذا الأمر
. لكن ومن
خلال المتابعة لما صدر حتى الآن
من تعليقات حول البيان سلبية
كانت أو إيجابية , وجدت أنه لابد
من التذكير ببعض الأمور التي
تغيب عنا أحيانا في خضم الأحداث
وخاصة ذلك الخطب الجلل الذي
تتعرض فيه غزة هاشم لحرب إبادة
جماعية بتنفيذ صهيوني وبموافقة
من قبل بعض العصابات العربية . والتذكيرهنا
على وجه الخصوص موجه بالدرجة
الأولى لأحبابنا وإخوة لنا
جمعتنا بهم رؤية واحدة ودائرة
واحدة , كما موجه أيضا لمن نلتقي
معهم حول مبادئ متفق حولها حتى
لو اختلفت مرجعياتنا . لابد
لكل من يتعرض لهذا البيان
بالنقد أو التأييد أن يكون
متوازنا بلا إفراط
ولا تفريط , فالقضية إجتهاد
وموقف يعتقد أصحابه أنه صواب ,
وربما هناك من يعتبر غير ذلك . عندما
يتحدث شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى حول تقييم
المواقف فيقول رحمه الله : كل من
يتصدى لتقييم الرجال والمواقف
يلزمه أن يكون منصفا وعادلا . والعدل
يقتضي عدم الإنزلاق في التحليل
ليصل إلى درجة الإتهام والتشكيك
والطعن فقط لإثبات صحة نقدنا . كما هو
مطلوب ممن يؤيد هذا البيان أن
لاتأخذه العصبية لدرجة لايريد
أن يسمع أو يسمح لغيره أن يبدي
رأيه في البيان . فكلا
الموقفين غير مقبول . النقد
حق ومطلوب للتصويب والتصحيح ,
لكن من غير المقبول وباسم النقد
, أن يكون نقدا تهكميا وسخرية
واتهاما . كما ليس
مقبولا أن يصادر الناقد حق
الإجتهاد فيعطي لنفسه حق
الملكلة المطلقة للإجتهاد
فيحتقر جهد غيره ويستخف بكل رأي
لايوافق رأيه . هناك من
تجد نقده حق لكن خانه الأسلوب من
حيث تصيد الأخطاء وتتبع العثرات
وفي ذلك صدق من قال : والحق قد
يعتريه سوء تعبير . فالكلمة
أمانة وعليها من الله رقيب . ( روى
ابن ماجة عن الرسول صلى الله
عليه وسلم : فطوبى لعبد جعله
الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر ,
وويل لعبد جعله الله مفتاحا
للشر مغلاقا للخير ). ( وروى
ابو داود : قال معاذ ناصحا
لبعضهم : وأحذركم زيفة الحكيم ,
فإن الشيطان قد يقول كلمة
الضلالة على لسان الحكيم , وقد
يقول المنافق كلمة الحق ). عندما
نريد أن نتعرض لموقف سياسي فهنا
مطلوب منا طرح عدة أسئلة لابد
منها : هل هذا
الموقف ممنوع شرعا ؟ هل هذا
الموقف يحتمل الصواب أو الخطأ ؟ هل لهذا
الموقف لون واحد ولا يحتمل أي
لون آخر ؟ فإن كان
يتعارض بشكل واضح وصريح مع أصل
من اصول الدين فهنا لايملك
المسلم إلا أن يرفض هذا الموقف
جملة وتفصيلا , حتى لو صدر هذا
الموقف من أي جماعة كانت . أما إن
كان الأمر عبارة عن رؤية سياسية
لاتتناقض مع ديننا وشرعنا , فهنا
يجب أن نعطي لصاحب هذا الموقف حق
الإجتهاد , ولا يمنع أن نقول
لصاحب الموقف نحترم أجتهادك
لكننا لانتفق معه , كما من حقنا
تقييم ونقد وامتحان هذا الموقف
وتفنيده ولكن بعيدا عن التشكيك
والطعن والاتهام والسخرية
وخاصة عندما يتعلق الأمر بكيان
قدم عشرات الآف من الضحايا وما
يزال يدفع فاتورة مواقفه . كما أنه
لايجوز باسم النقد أن ينصب
المنتقد نفسه وصيا على العقول ,
وكأنه لا أحد يمتلك الحقيقة
والصواب إلا هو , أليس هذا
إستبداد من نوع آخر ؟ أليس ذلك
ديكتاتورية من نوع آخر ؟ فالناقد
ليس نبيا يوحى إليه
ولا عنده من الله برهان , فهو
بشر غير معصوم وبالتالي فنقده
ليس معصوم . ( قال
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
: لو اجتهدت كل الجهد على أن ترضي
الناس كلهم فلا سبيل , فاخلص
عملك ونيتك لله عزوجل ) . فمطلوب
من الناقد أن يتجنب كل ذلك قدر
المستطاع فيقول كلمة الحق في
الرضا والغضب . ( يقول
يونس الصدفي : ما رأيت أعقل من
الشافعي ناظرته يوما في مسألة
ثم افترقنا , ولقيني فأخذ بيدي
ثم قال : يا أبا موسى ألا يستقيم
أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في
مسألة ) . فلابد
لنا جميعا من أرضية
واحدة نقف عليها جميعا
مؤيدين ومعترضين , تتمثل في
أخلاق الحوار والإختلاف ,
فطالما التزمنا بها فلا ضير أن
ننتقد ونعترض , بل من الواجب إن
نؤصل لمدرسة النقد والتقييم
لتصحيح المسار . عندما
نحتلف فلا يجوز مباشرة أن ينسف
كل منا الآخر فننسى الفضل
والسابقة , وهذا ليس من خلق
المسلم , فلقد تعلمنا أن لاننسى
الفضل لأهل الفضل , فعلينا عدم
التسرع لزرع الألغام كي ننسف
ماضي من ضحى وقدم ومايزال . وفي
الختام : قال
الإمام الشافعي : إرضاء الناس
غاية لاتدرك !!! فمن
المستحيل إرضاء كل الناس , فما
يرضي هذا قد يسخط ذاك . وقال
الله تعالى ( وما أكثر الناس ولو
حرضت بمؤمنين ) . وقد قال
أحد الحكماء : ضحكت
فقالوا : ألا تحتشم ؟ بكيت
فقالوا : ألا تبتسم ؟ تبسمت
فقالوا : يرائي بها . عبست
فقالوا : بدا ماكتم . سكت
فقالوا : كليل اللسان . نطقت
فقالوا : كثير الكلام . حلمت
فقالوا : صنيع الجبان ولو كان
مقتدرا لانتقم . بسلت
فقالوا : لطيش به وما كان مجترئا
لو حكم . فايقنت
اني مهما أردت رضا الناس فلا بد
أن أذم . فمن
أرضى الناس بسخط الله سخط عليه
الله وأسخط عليه الناس , ومن
أرضى الله بسخط الناس رضي الله
عنه وأرضى الناس جميعا عنه . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |