-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الدبلوماسية
المصرية: ثلاث صدمات في يوم واحد عريب
الرنتاوي لم تحمل
الساعات الأربع والعشرين
الفائتة، أنباء جيدة بالنسبة
للدبلوماسية المصرية، التي
جهدت بكل ما أوتيت من قوة للبناء
على مقتضى العلاقات الطيبة
والمستدامة (حتى لا نقول
الاستراتيجية) التي تربط
القاهرة بكل من واشنطن وتل
أبيب، مقامرة بدفع ثمن باهظ من
صدقيتها ونفوذها وتأثيرها في
الإقليم، فضلا بالطبع عن الثمن
الأفدح من "شعبيتها"
وصورتها أمام الرأي العام
المصري والعربي والإسلامي، فقد
تلقت هذه الدبلوماسية ثلاث
صدمات (حتى لا نقول صفعات) في
غضون أربع وعشرين: اثنتان من حيث
لا تحتسب (واشنطن وتل أبيب)
والثالثة من (الدوحة). الصدمة
الأولى، جاءت من واشنطن
والاتفاق الأمني الأمريكي –
الإسرائيلي الذي وقعته
الوزيرتان ليفني ورايس في ربع
الساعة الأخيرة لولاية الأخيرة
وإدارتها، وهو اتفاق يُرتب (بصورة
غير مباشرة) على القاهرة الكثير
من الالتزامات، حيث الأراضي
والحدود والمياه المصرية هي من
ضمن "ساحات عمل وولاية"
الاتفاق، من دون أن تُستشر مصر
في أي من بنوده ومراميه، لكأن
استباحة السيادة المصرية هو من
باب تحصيل الحاصل، الذي لا
يحتاج إلى تفاوض أو مشاورات،
وهذا سلوك مشين، وما كان ليصدر
عن الحليفتين الاستراتيجيتين
لولا اطمئنانهما لتساوقنا مع ما
يراد لنا ومنّا، وحسنا فعلت مصر
إذ أعلنت رفضها لهذا المنطق،
ورفعته إلى مستوى الخط الأحمر
كما حصل بالأمس، والمأمول أن
تظل على هذا الموقف، فالمواقف
والأفعال تقاس بخواتيهما. الصدمة
الثانية، جاءت من تل أبيب التي
لوّحت "الترويكا" الحاكمة
فيها والمتحكمة بقرارها بوقف
الحرب على غزة من دون اتفاق ولا
تشاور مع القاهرة، بصورة أحادية
ومن جانب واحد، ضاربة عرض
الحائط بجهود مضنية بذلتها
الدبلوماسية المصرية لصياغة
"مشروع الاتفاق" على
امتداد ساعات وأيام، دفعت ثمنها
من دفعت من سمعتها وصيتها
وصورتها، وهذا الأمر إن تم، فإن
كل ما فعلته القاهرة سيذهب هباء
منثورا، وستذهب معه كل
المحاولات التي بذلت لتسويق
المبادرة وإدراجها في منطوق
القرار 1860 وفي بيان وزراء
الخارجية العربية وفي بيان
القمة الخليجية، وغير ذلك من
محافل ومنتديات أريد لها أن
تعوض القاهرة عمّا فقدته في
شوارع المدن العربية
والإسلامية. الصدمة
الثالثة، جاءت من الدوحة، حيث
خرجت قمة التضامن مع غزة، التي
عقدت بمشاركة عربية وإسلامية
وفلسطينية فاعلة ومؤثرة، ببيان
قوي وقرارات مهمة، رفعت سقف
الخطاب السياسي الرسمي العربي،
وشكلت من دون ريب هاجسا سيلقي
بظلاله على القمم والاجتماعات
العربية والإسلامية اللاحقة،
نجاح قمة الدوحة بهذا المعنى،
يعد فشلا ذريعا لـ"دبلوماسية
الهاتف" التي تكثفت في
الساعات التي سبقت افتتاح
القمة، وهي إيذان بنهاية عصر
"الأشقاء الكبار" في العمل
العربي المشترك، فنصف العرب على
الأقل ذهبوا إلى الدوحة، عاصمة
أصغر دولهم. لكل هذه
الأسباب، ولسبب رابع آخر، أو
بالأحرى "سبب أول" وأكثر
أهمية منها جميعا، ويتعلق
بالصمود البطولي والأسطوري
للمقاومة الفلسطينية في غزة،
وجدت الدبلوماسية المصرية
نفسها بالأمس، وبالأمس فقط،
أمام لغة جديدة وخطاب جديد
بعدما صعدت هذه الدبلوماسية
درجة إلى الأعلى في سلم "التصعيد
المحسوب" لمواقفها حيال
الأزمة المندلعة في غزة للأسبوع
الرابع على التوالي، ورفع
الرئيس المصري من وتيرة خطابه
الانتقادي للعدوان، مطالبا
بوقفه فوره وسحب القوات دون
إبطاء، ورسم خطا أحمر في وجه نشر
أية قوات أو مراقبين دوليين على
أرض بلاده، وحمّل وزير خارجيته
إسرائيل وزر المماطلة في التوصل
إلى اتفاق، ووصف مواقفها
بالمتعنتة، و"بشّرها" بفشل
عدوانها وتعذر تحقيق أهدافه
ومراميه، وإن كان ظل على
استمساكه باتفاق 2005 البائس
للمعابر. هي خيبة
أمل جديدة، مبعثها الميل
الأمريكي الثابت للتخلي عن
الأصدقاء العرب الطارئين حين
تتعارض مواقفهم أو تتباين مع
مصالح الحليف الإسرائيلي
الثابت والاستراتيجي، وهو مشهد
لطالما تكرر على شكل مأساة تارة
وعلى صورة مهزلة تارة أخرى، من
دون أن نتعلم الدرس، فتكون
النتيجة دائما خذلان وخيبة أمل
تجتاح معسكر المعتدلين العرب،
أو ما تبقى منه ومنهم، فهؤلاء
"لا مع سيدي بخير ولا مع ستي
بخير"، لا هم "حصلوا على
عنب الشام ولا بلح اليمن"، لا
هم عبّروا عن نبض شعوبهم وتوقها
لوقفة عز فقط، ولا هم حصدوا ثمار
"نضجهم وعقلانيتهم" في
مواجهة "المراهقين الجدد"
في النظام العربي وفقا لتعبير
سعود الفيصل، إنهم كالمنبّت، لا
أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |