-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تأملات
... في "الضمير العالمي" ! الدكتورعبد القادر حسين
ياسين* الضمير العالمي ظاهرة تستحق الدراسة، فهو
يستيقظ و ينشط أحياناً ثم يغفل
ليستريح أحيانا أخرى...ولكل كائن
نمطه، كما
يقول علماء الأحياء، وكل
هذا ليس غريباً ...ولكن الغريب هو
ذلك التوافق المستمر بين متى
يصحو ذلك الضمير وينتعش... ومتى
يغفل وينام . ولا يمكن أن يعلل هذا التوافق على أنه من
قبيل الصدفة ، فتكرار ارتباط
الأحداث ينفي عامل الصدفة . ف
"الصدفة" إذا ما توالت و
تكررت لم تعد صدفة، وإنما تصبح
أسلوباً ومسلكاً... ومن الجدير
بالملاحظة أن هذا الضمير
العالمي الذي تعبر عنه مجموعة
من الدول "المتحضرة" في
"العالم الحر"، ذلك
الضمير ينشط كثيراً و يتحرك و
يتصرف عندما يقوم أي فرد أو
جماعة تسعى لتحرير وطنها ،
ورفع الظلم عن شعبها ، بأي
عمل ، مهما كان بسيطاً و أحيانا
ساذجاً. و الملاحظ ، أيضاً
، أن نفس ذلك الضمير يغفو، بل
أحيانا يغط في نوم عميق ، عندما
تقوم دولة
"متحضرة " بعمليات إرهابية
منظمة تستخدم فيها الجيوش
النظامية أو الطائرات القاذفة
المقاتلة، والأسلحة
المتطورة. وبعبارة أوضح ، فإن التاريخ المعاصر يسجل
كيف قامت الدنيا وثارت الصحافة
" الحرة " ،
في "العالم الحر" واستيقظت
الضمائر ، وتوالت قرارات
الادانة ، في كل مرة يقوم فيها
مقاتلون فلسطينيون بعمل"غير
قانوني" يذهب ضحيته شخص واحد
أو مجموعة أشخاص ، ويلحق
الضرر ببعض المنشآت... ولكن هذا
الضمير العالمي الذي يستيقظ
ليثور ويتهم و يدين ويعاقب هو
نفسه يصاب بنوبة فجائية غريبة
من الإغفاء ، في كل مرة تقوم
فيها اسرائيل بعملية عسكرية يقتل
فيها مئات الأبرياء العزل من
السلاح وتدمر فيها العديد من
المرافق و المنشآت المدنية. لقد ابتكر الإسرائيليون الإرهاب منذ
الأيام الأولى لقيام اسرائيل ،
والأعمال "الخالدة" التي
قامت بها عصابات "الأرغون"
و "الهاغاناة" كان لها
الفضل الأكبر في تأسيس الدولة
الصهيونية... فهذا
مناحيم
بيغن ، رئيس وزراء العدو
الراحل، يعترف صراحة في كتابه “The Revolt” بأنه "لولا
أعمالنا الجليلة في دير ياسين ،
لما قامت دولة إسرائيل". وإسرائيل اليوم رائدة نوع جديد من
الإرهاب أشد خطورة و ضراوة و
ضرراً على العالم (بما في ذلك
"العالم الحر" الذي يصفق
إعجابا بهذه الأعمال) من أي
إرهاب عرفه التاريخ، وأقسى من
أي إرهاب ترتكبه أية منظمة ألا
وهو "إرهاب الدولة" ، إرهاب
تستخدم فيه الجيوش النظامية ليس
من أجل الحرب التي يحكمها حد
أدنى من الأصول و القواعد؛ ولكن
في عمليات إرهابية لا ضابط لها..
وليست مجرد عمليات متفرقة تقوم
بها مجموعة من المقاتلين الذين
حملوا أرواحهم على الأكف من اجل
قضية عادلة... والغريب أن هذا النوع الأخير من
"الإرهاب" (الذي هو
"إرهاب" من اجل قضية عادلة
وليس إرهابا من اجل الإرهاب) هو
النوع الذي تعقد من أجل بحثه
المؤتمرات لدولية ، وترصد للحد
منه المبالغ الطائلة ... أما
"إرهاب الدولة" الذي
ابتكرته إسرائيل ، والذي هو اشد
خطراً وخطورة ، فيمر
مر الكرام، وكأنه عمل مشروع ... ولا يحتاج المرء إلى عبقرية فذة أو ذكاء
خارق لكي يتصور ماذا يمكن أن
يكون عليه حال العالم والمجتمع
الدولي إذا ما قررت كل دولة وأي
دولة أن تقوم جيوشها فجأة
بعملية إرهابية ضد أي ضحية
تختارها ، وبدون سابق إنذار..
ببساطة يصبح العالم غابة من
الغوغاء لا ضابط لهم ولا رادع
لإجرامهم ..وذلك هو أخطر أشكال
الإرهاب. والولايات المتحدة زعيمة "العالم
الحر" تقف من كل هذا ليس موقف
المتفرج و لكن موقف الشريك.
ويقول بعض المتافئلين ذوي
النوايا الطيبة أن المذبحة التي
ارتكبتها اسرائيل في قطاع غزة
سوف تظهر للعالم كله (وبخاصة
"للعالم الحر") الوجه البشع
لإسرائيل ، وانها سوف تثير
الرأي العام العالمي... وأعتقد
(وارجو أن أكون مخطئا في ظني هذا)
أن الضمير العالمي قد بدأ يدخل
في دورته المعتادة ، ألا وهي
مرحلة الإغفاء استعداداً لأن
يغط في سبات عميق. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ستقوم أي من
الدول "المتمدنة" بفرض
عقوبات على إسرائيل ؟ هل ستحجب
المعونة عنها؟ هل ستفرض حظراً
على تصدير الأسلحة (أو اهدائها)
إليها؟ وقبل ذلك كله ، هل سيبدأ
العقل العربي في الفهم؟ وهل
سيستخدم العرب ذلك الرصيد
الهائل من إمكانياتهم
الاقتصادية والنفطية الراكدة؟؟ أغلب الظن كما
عوَّدنا الملوك والرؤساء العرب
في كل القمم العربية طوال نصف
قرن أن
الأمر لن يتعدى تصريحات نارية
بعضها بليغ قوي و بعضها ركيك...
وعدداً من الخطب الحماسية و
البيانات التي تستنكر وتندد و
تهدد بالويل و الثبور وعظائم
الأمور... ثم بعض الفضائيات
العربية التي لا تمل من استضافة
العديد من "الخبراء
العسكريين" و "المحللين
السياسيين" العرب الذين
يتعاملون مع تلك الدقائق من
ظهورهم على الشاشة باعتبارها
تحصيلَ حاصلٍ. وسوف تستمر الولايات المتحدة الأمريكية
في إمداد اسرائيل بالأموال
الطائلة ، وأحدث ما في ترسانتها
من الأسلحة المتطورة ، وسوف
تستمر دول الاتحاد الأوروبي
تعاقب على استحياء ، وسوف ينسى
العالم هذه "الحادثة" ،
مثلما نسي كل "حادثة" ذهب
ضحيتها فلسطينيون... وسوف يقرر
الضمير العالمي أن الوقت قد حان
كي يغفو... ولا حاجة بنا إلى القول أنه إذا لم ننصف
أنفسنا، فلن ينصفنا أحد... ـــــــ * كاتب وأكاديمي فلسطيني
مقيم في السويد . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |