-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أردوغان
.. غزة .. وكتابة التاريخ من جديد محمود
عثمان ندوة (غزة
والسلام في الشرق الأوسط ) على
هامش منتدى الاقتصاد العالمي
أريد منها أن يقوم شمعون بيريز
الضيف الرئيسي
بالحديث إلى العالم بواسطة
الحضور , وكان لا بد من ضيوف شرف
يكملون أجزاء الصورة 00السيناريو
يقتضي أن يتكلم الضيوف بكلمات
مقتضبة مختصرة يبكون فيه على
الإنسانية الجريحة ويستنكرون
الأعمال الإرهابية ,فيساوون بين
الجلاد والضحية ,ثم ليأتي من بعد
ذلك بطل الفيلم شمعون بيريز
ليصول ويجول , ويزبد ويرعد 00يكذب
ويكذب ثم يكذب ليبرهن أن ما جرى
في غزة إنما كان دفاعا مشروعا عن
النفس , مستعينا بالضمير
الأوربي الرسمي – القابل
للكراء – المعد مسبقا والجاهز
دوما لتصديق كل ما يقوله
الصهاينة والبصم عليه 0 وقد
اختير لهذا الفيلم مخرج مناسب ,أمريكي
من أصل أرمني عين مديرا للندوة 00
لكن السحر انقلب على الساحر هذه
المرة .. فأسهم هوى على صخرة صماء
00إذ خرج عليهم المارد العثماني
من جديد بصورة رجب طيب أردوغان
هذه المرة ,وفي القرن الواحد
والعشرين .. ليقلب عليهم الطاولة
ويسقط في أيديهم , لأنهم لم يروا
من حكام الشرق الأوسط إلا السمع
والطاعة 00ولأنه لا يوجد في
قاموسهم شيء اسمه مبدأ , أما
المصالح فهي مربوطة بهم وخيوطها
في أيديهم .. قال لهم : إن ملككم –الذي
أنتم عليه عاكفين - عار لا لباس
له .. قيم
الديمقراطية والحرية .. العدل
والمساواة ..حقوق الإنسان
وحماية المدنيين .. احترام
الإنسان والأديان .. مبادئ وقيم
جميلة لكنها لكم فقط . أما إذا
تعدى الأمر للآخرين فهي خاضعة
للكيل بمكيالين وازدواجية في
المعايير ,وخصوصا عندما يتعلق
الأمر بالعالم العربي
والإسلامي !. قناة
الجزيرة الفضائية أصابت كبد
الحقيقة عندما أطلقت على رجب
طيب أردوغان وعبد الله جول
ورفاقهما اسم (العثمانيون الجدد
) .. ففي القرن التاسع عشر زمن
السلطان عبد العزيز دعا ملك
فرنسا كاجاجي محمد باشا –يبدو
أنه كان سفيرا للدولة العثمانية
هناك – إلى حفل رسمي لكن مكانه
كان في الصف الخلفي من
البروتوكول , فما كان من هذا
الباشا إلا أن جلس على الكرسي
المخصص لملك فرنسا ,وقال لهم :
المكان الوحيد الذي يليق بمقام
بدولتي هنا , ولم يقبل بأقل من
الجلوس على يمين الملك ..
والأيام دول بين الناس . لا أريد
الخوض كثيرا في ردود الفعل
العالمية لأن الجميع تابعها
لحظة بلحظة .. لكن سأحاول تناول
انعكاسات موقف رجب طيب أردوغان
على الصعيد الداخلي ومدى
تأثيرها على مستقبله السياسي !. أولا :
لاقى موقف
رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان
قبولا عاما ,و تأييدا شعبيا
واسعا تجلى في تجمع جماهيري
عفوي جاوز عدده مئات الآلاف من
كافة التيارات والمشارب
السياسية ,واستمر رغم البرد
القارس حتى الساعات الأخيرة من
الليل.. شعور
المواطن التركي العادي بالفرح
والفخر والنشوة امتزج فيه
الحنين والحسرة إلى الأيام
الخوالي ..أيام العز والقوة
والعدل التي كان يمثلها الحكم
العثماني ,ثم تجاوبه وتعاطفه مع
الشعب الفلسطيني المظلوم , ورد
الصاع صاعين لبيريز رمز الظلم
والعنجهية والصلف الصهيوني
المقيت . ثانيا :
على صعيد الأحزاب السياسية فقد
عارض حزب الشعب الجمهوري –حزب
المعارضة الأم – ومن ورائه
الصحافة العلمانية وبعض
الأحزاب اليسارية موقف رجب طيب
أردوغان ووصفه بالبعد عن
اللباقة السياسية والدبلوماسية
,واتهمه بأنه بات يدافع عن حماس
ويمثل وجهة نظرها ,وأنه فقد
حياده كطرف وسيط , لكن أسقط في
أيديهم عندما جاءت الأنباء
باعتذار بيريز . حزب
السعادة الذي أسسه أربكان أيد
موقف رجب طيب أردوغان , وشكره
على صنيعه. جاء ذلك على لسان
رئيسه الجديد -من جيل الشباب-
البروفسور نعمان كورتولموش .
أما بقية الأحزاب اليمينية
والمحافظة فلم
يكن لها بد من تأييد موقف رئيس
الوزراء , لأن سيل التأييد
الشعبي كان جارفا ولا يستطيع
أحد الوقوف أمامه . خاصة ونحن
على أبواب الانتخابات البلدية . ثالثا :
الجيش صرح بأن مصلحة الوطن هي
المعيار الوحيد في بناء
العلاقات بين الدول !. ومن
الملاحظ أن المؤسسة العسكرية
بدأت في الآونة الأخيرة نهج
سياسة إمساك العصا من المنتصف ..
فهي لا تريد أن تظهر بمظهر
الداعم للحزب الحاكم حزب
العدالة والتنمية الذي تختلف
معه ايدولوجيا ,ولا تريد
معاداته بإعطاء الصحافة
العلمانية مادة إعلامية وهي
التي تتلهف إلى تصريحات العسكر
وتنتظرها بفارغ الصبر كي تتلاعب
بها وتعطيها معان تصب في
مصلحتها هي . رابعا :
هناك شبه اتفاق بين المحللين
السياسيين على أن العلاقات بين
تركيا وإسرائيل لن تصل إلى درجة
القطيعة جراء هذه الحادثة ..
وأنه ليس أمام إسرائيل سوى بلع
الصفعة والسكوت عنها . لأن إضعاف
تركيا وإبعادها عن الساحة معناه
حضور إيران وتمددها أكثر في
المنطقة . والفرق بين تركيا
وإيران هو أن للأخيرة مشروعا
إقليميا بينما تقتصر علاقات
تركيا على المصالح والمنافع
المتبادلة ,كما أن تركيا غربية
الوجهة ومعادلتها السياسية
متوازنة ولا يخشى منها !. وأبرز
مثال على ذلك أن العلاقات
التركية الأمريكية وإن أصابها
برود وفتور عقب رفض البرلمان
التركي السماح للقوات البرية
الأمريكية استعمال الأراضي
التركية منطلقا لهجومها على
العراق . يومها دقت الصحافة
العلمانية نواقيس الخطر إيذانا
بحصار أمريكي ومقاطعة غربية
لتركيا . لكن أيا من ذلك لم يحدث . خامسا :
هل سيستطيع رجب طيب أردوغان
توظيف هذه الحادثة والاستفادة
منها في الانتخابات البلدية
القريبة ؟ الجواب بلاشك :نعم
. بل إن بعض الدوائر
السياسية ترجع تصعيد رجب طيب
أردوغان لهجته ضد إسرائيل ,وهجومه
العنيف عليها ,واستعماله عبارات
قاسية شديدة بعيدة عن الأسلوب
الدبلوماسي إنما يعود إلى حرصه
على كسب أصوات الناخبين
المتدينين وخوفه من نشاط منافسه
على تلك الأصوات حزب السعادة
الذي خطى خطوات مصيرية جريئة ,فاستبدل
جيل الشيوخ بجيل شاب أكثر نشاطا
وحيوية . ولعل من
نافلة القول بأنه من المصلحة
الملحة لتيار المحافظين
المتدينين بروز حزب السعادة
وعودته إلى الميدان السياسي .
لأن نجاحه سيشكل على المدى
البعيد سندا قويا, وخط إمداد
رديف لحزب العدالة والتنمية . إن
أحداث غزة قد أدت إلى تحرك بعض
الأحجار من أماكنها ..و(المنطقة
مقبلة على ما هو أعظم وغزة هي
البداية ) كما يقول هيكل !.. و (أحجار
الدومينو إما أن نجعلها تنقلب
في الاتجاه الصحيح أو تنهار
بطريقة عشوائية لا يمكن السيطرة
عليها ) كما يقول أحمد داوود
أوغلو المستشار السياسي لرئيس
الوزراء ومهندس السياسة
الخارجية التركية . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |