-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قوى
الاستكبار العالمي رمت حماس عن
قوس واحدة .. لماذا؟ الطاهر إبراهيم* خلال الشهر الماضي تعرضت "غزة"
لعدوان إسرائيلي غاشم وقد سكت
فيه العالم عما يجري.
المشاهد للقنوات الفضائية،
العربية والعالمية، كان يتساءل
عن الخطر الذي تشكله حماس على
السلم العالمي حتى يسكت العالم
عما يجري لها، وهي محصورة في أرض
ضيقة لا تكاد تُرى على الخارطة،
ومساحة لبنان، على صغرها، أكبر
من مساحة غزة بثلاث وثلاثين
مرة؟ قد يعجب القارئ من هذا الاصطفاف العالمي
ضد حماس وكأنها قوة عظمى تتهدد
العالم، وهو يرى هذا العالم
يريد اجتثاث هذه الحركة وتدمير
غزة داخل حدودها التي لا تزيد
مساحتها عن 360 كيلومترا مربعا.
فأين إذن تكمن قوة حماس التي
استقطبت هذا الاصطفاف العالمي؟ يزداد عجب القارئ العربي عندما يعلم أن
قوة حماس تكمن أساسا في أنها
رفضت أن توظف مقاومتها خارج
حدود فلسطين، مؤكدة أن عدوها هو
إسرائيل، ويجب استهدافها في
فلسطين، رافضة القيام بعمليات
خارجية، كما فعلت منظمات
فلسطينية أخرى التي استهدفت
الإسرائيليين خارج فلسطين، ما
سهّل على إسرائيل وأمريكا أن
تحاصرها وأن تؤلب عليها العالم.
وكانت النتيجة أن تلك المنظمات
الفلسطينية ضمرت وتآكلت في ظل
إفلاسها المقاوم، ورضيت بتسوية
هزيلة مع إسرائيل، كما فعلت
منظمة التحرير في اتفاق "أوسلو"
عام 1993. هذا الموضوع شائك ومعقد ومالم تتم قراءته
بتمعن فسوف يقودنا إلى جدلية
نظرية يصعب أن يخلص منها مفكرون
كبار إلى بر الأمان. كما سيقف
لنا بالمرصاد كتّاب وصحفيون،
بعضهم –للأسف- من العرب سخّروا
أقلامهم في محاربة التيار
الإسلامي وهو ينتهج السلم، فكيف
لو رفع هذا التيار السلاح
لاستعادة أرضه المغتصبة كما
فعلت حماس؟ في النصف الثاني من القرن الماضي، كان
الشعب العربي يصفق لأي عملية
يقوم بها فدائيون ضد إسرائيليين
في فلسطين أو في شتى أصقاع
المعمورة. ثم تحولت العمليات
لتصيب مواطني دول تؤيد حكوماتها
إسرائيل لكن شعوبها كثيرا ما
تعاطفت معنا. وهكذا وجدنا
أنفسنا في نهاية ثمانينات القرن
العشرين وقد كسبنا عداوة شعوب
كثيرة ليس بيننا وبينها عداوة
أصلا. وقد نأت حماس بنفسها عن
هذا النهج وقصرت مقاومتها على
الإسرائيليين في فلسطين فحسب. يؤكد مراقبون أن أهم أسباب نجاح حماس هو
جديتها وبعدها عن الإعلام في
نضالها واعتدالها الذي أبعدها
عن الدخول في خصومات مع أقطار
عربية مجاورة. ويرجع هؤلاء سبب
الرضى العربي عن حماس إلى
انتهاجها الاعتدال الذي أكسبه
عطف كثير من الشعوب العربية. الغضب الأمريكي من حماس سببه أنها لم تخفِ
هويتها الإسلامية، هذا أولا.
ومن جهة أخرى، فقد حرمت حماس
واشنطن من ذريعة اتهامها
بالإرهاب الدولي لأنها لم تنقل
عملياتها خارج فلسطين كما فعلت
حركات فلسطينية أخرى. بل إنها
حصرت نضالها ضد إسرائيل فوق أرض
فلسطين، وهو حق كفله القانون
الدولي. صحيح أن حماس اعتبرت "الإسرائيلي"
مستهدفا فوق أرض فلسطين
باعتباره مغتصبا لأرض فلسطين،
ولكونه جنديا يحمل السلاح لقتال
الفلسطينيين ،أوفي الاحتياط
جاهزا للقتال عندما يطلب منه
ذلك. وهذا جعل واشنطن تتهم حماس
باستهداف المدنيين. إلا أن
الصحيح أيضا أن إسرائيل كانت
تستهدف الفلسطينيين -والفلسطينيون
مدنيون كلهم- أكثر مما كانت حماس
تستهدف الإسرائيليين، كماً
وكيفاً. في المدة الأخيرة أوقفت حماس استهدافها
للإسرائيليين المدنيين، سدا
لذرائع القانون الدولي الذي
يندد باستهداف المدنيين. فلم
تعد تستهدفهم إلا عندما كانت
إسرائيل تغتال فلسطينيين غير
مقاتلين. ( نستعجل لنقول إن
أمريكا وأوروبا كثيرا ما كانتا
تشجبان استهداف حماس للمدنيين
داخل الخط الأخضر، لكنهما
أغمضتا عيونهما عن استهداف
إسرائيل لآلاف الأطفال والنساء
والشيوخ، وحتى المرضى داخل
المستشفيات عندما اجتاحت غزة في
حربها الأخيرة). قد لا نستغرب موقف أمريكا من التيارات
الإسلامية، حيث عملت على أن ترث
الإمبراطورية البريطانية بعد
أن وضعت الحرب العالمية الثانية
أوزارها. وقد شعرت أن هذه
التيارات تشكل رأس حربة يمكن أن
تقف في وجهها للحد من نفوذها،
خاصة إذا وصل الإسلاميون إلى
الحكم في دولة عربية أو أكثر، (ما
يزال السودان يعاني من ضغوط
واشنطن منذ أن وصل الرئيس
البشير ذو التوجه الإسلامي
للحكم). وقد وجدت أمريكا في
إسرائيل موطأ قدم لها في فلسطين
المقدسة في العالم الإسلامي،
كما وجدت إسرائيل في واشنطن –بمساعدة
اللوبيات الإسرائيلية- قوة عظمى
يمكن أن تسندها في حروبها ضد
العرب. أما أوروبا، وبعد أن خسرت دولها النفوذ
لصالح أمريكا، فما تزال في
مخيلة زعمائها وقادة الفكر فيها
صور حروب "الفرنجة" مع
العالم الإسلامي في القرون
الوسطى. وهي تخاف توحد المسلمين
للوقوف في وجه أوروبا. من
الإنصاف القول أن هناك دولا
أوروبية ليست بالعداوة نفسها
التي تظهرها بريطانية وفرنسا،
وتعلم أن ليس من مصلحتها
اقتصاديا أن تناصب العرب
العداء، لكنها كانت –لسبب أو
لآخر- تنافق لهما ولأمريكا في
مواقفها ضد العرب. أجمعت أمريكا وأوروبا ومعهما إسرائيل على
أن حركة "حماس" كفصيل
إسلامي، تعتبر بؤرة الخطر ونواة
للتمرد في المنطقة العربية، رغم
أنها حركة لا تملك من مقومات
القوة، السلاح والمال،
والاتساع في أرض غزة ما يجعلها
تستطيع أن تصمد في وجه إسرائيل،
لولا إيمانها بأن عليها أن
تقاتل المحتل الغاصب مهما كلفها
ذلك من ثمن وتضحيات. هذه مواقف
أمريكا وأوروبا وإسرائيل،
ودوافعهم تجاه العرب
والمسلمين، وهي معروفة على كل
حال. غير أن المواطن العربي يتساءل: "ماعدا
مما بدا"؟ ألا تكون هناك
مواقف لدول عربية مكافئة لمواقف
أوروبا وأوروبا تصب في نصرة
حماس وشعب غزة؟ دعك مما يقوله
الإعلام العربي . ودعك من خطب
القادة العرب، وأكثرها من نوع:
"العنتريات التي ما قتلت
ذبابة"، على حد قول الشاعر
الفذ الراحل "نزار قباني". كنا نتمنى من القادة العرب الذين يجتمعون
مع قادة إسرائيل، سواء كان لهم
علاقات دبلوماسية مع إسرائيل أم
لا، أن يكون لهم قوة الموقف
الجريء الذي وقفه رئيس الوزراء
التركي "رجب طيب أردوغان"
عندما خاطب الرئيس الإسرائيلي
"شمعون بيريز " بكل قوة في
مؤتمر منتجع "دافوس"
السويسري، وأن يوبخ رئيس
المؤتمر ثم يغادر، معلنا أنه لن
يعود إليه أبدا. ــــــ *كاتب سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |