-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مجيء
ميتشل.. فرصتنا لتثمير التضحيات
لا اصطناع البدائل والانقسامات بقلم:
آصف قزموز ثمة
فارق شاسع وكبير بين ما تدّعيه
إسرائيل دائماً من رغبة في
السلام مع الشعب الفلسطيني
والعرب، وبين ما تفعله وتقترفه
لذر الرماد في العيون خدمة
لهدفها الحقيقي الذي أصبح من
ثوابت حكوماتها المتعاقبة، وهو
اللعب على مسألة إضاعة الوقت
التي أشار إليها الرئيس أبو
مازن مؤخراً بقوله "إسرائيل
لا تريد سلاماً معنا وإنما تريد
إضاعة الوقت، وتريد الاستفادة
من الوقت من أجل تكريس الأمر
الواقع بالمستوطنات والجدار
وغيرهما على الأرض
الفلسطينية" ليضاف إليها
اللعب على ورقة تكريس الانقسام
الفلسطيني الزاحف باتجاه
الإطاحة بالمشروع الوطني
ومنظمة التحرير، لكن أجواء
التفاؤل التي أضفتها أقوال
الرئيس الأميركي الجديد أوباما
"الذي وعد بمعالجة قضايا
الشرق الأوسط في بداية ولايته
الرئاسية بدلاً من انتظار سنوات
كما فعل الرئيس السابق جورج
بوش"، وقراره العاجل بإيفاد
المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط
جورج ميتشل، ربما يساعد على
عرقلة وكبح جماح هذا السلوك
المدمر لعملية السلام، كل من
موقعه وحساباته التي كان وقودها
الناس والحجارة على أرض غزة
المنكوب مرتين. لكن ما
يمكن التنبؤ به هذه الأيام،
خصوصاً ما بعد غزة ومجيء
الإدارة الأميركية الجديدة
والإنذار المبكر بتوجهاتها
وسقوف توقعاتها بشأن المنطقة
والعالم، هو أن الشرق الأوسط
والقضية الفلسطينية باتا
مقبلين على أجواء وفضاءات ستفضي
إلى تحولات جديدة ستعكس
بالتأكيد صدىً إيجابياً
لمستويات التحول الحاصل في
أميركا بمجيء الرئيس أوباما،
باعتبار أن ذلك قد يشكّل فعلاً
نقلة نوعية وتطوراً إيجابياً في
النظام السياسي الأميركي ومجمل
السياسة الأميركية على اختلاف
أوجهها البائنة والمستترة على
السواء. فمن بين
الحقائق المهمة التي يتوجب
علينا أخذها في الحسبان عند
النظر للرؤية الأميركية، هي أن
الإدارة الجديدة، لا يمكن أن
تكون امتداداً لسابقتها
الآفلة، دونما إغفال أو تغييب
لحقيقة كون السياسة الأميركية
مؤسسة عريقة غير متاحة للشخصنة
على نحو ما هو قائم في تجارب
الديكتاتوريات والأنظمة
اللاديمقراطية في كثير من
البلدان الأخرى، وان لها محددات
ومكونات وثوابت استراتيجية
واضحة، لا يمكن لها أن تتعارض أو
تلغي دور الفرد في التاريخ وفي
السياسة مهما بلغت محددات
ونواظم وضوابط هذه السياسة من
الحرفية والحدّة والحزم والجزم. من هنا،
أستطيع القول إن مجيء ميتشل
كمبعوث خاص للشرق الأوسط، إنما
يشكل بالتأكيد إيذاناً ببدء عهد
جديد ستكون له معانٍ ودلالات
صاخبة في السياسة، بل إن
اختياره قد شكل عملياً عنواناً
عريضاً ينبئ بملامح القادم من
توجهات السياسة الأميركية في
المنطقة، بكل ما يحمله هذا
التوقيت العاجل لزيارة
المنطقة، وفي هذا الظرف بالذات
من معاني الإحساس العالي
والمبكر بالمسؤولية تجاه الشرق
الأوسط والقضية الفلسطينية على
وجه الخصوص. وانطلاقاً
من كل هذا، ومن كون إسرائيل
تتحسبن وتتعذبن من قدوم شخصية
مثل ميتشل بتوقيت كهذا وظرف
وصفة، ذلك لأن إسرائيل لديها
موقف سلبي مسبق بسبب مواقف
سابقة تضمنها تقريره الشهير
الذي كان قد انتقد من خلاله
السياسات القمعية الإسرائيلية
ضد الفلسطينيين، كما عبر عن
رفضه للاستيطان ودعا لتجميده،
فإن صعوبات وعقبات إسرائيلية
وعصياً محتملة ستتموضع في
دواليب ميتشل ليس بسبب مواقفه
كشخص وحسب، وإنما أيضاً بسبب ما
ورد آنفاً على لسان الرئيس
أوباما من مواقف وكلام لم يعتد
الإسرائيليون سماعه من قبل، وهو
ما أثار حفيظة الإسرائيليين
وقلقهم من احتمالات فرض إملاءات
أميركية لاحقة عليهم لتحقيق
السلام، ولعل ما يؤشر لذلك
جلياً هو إقدام إسرائيل على
الهروب إلى الأمام وإعلانها
مسبقاً وقبل وصوله للمنطقة أن
الحكومة المقبلة في إسرائيل
ستكون هي المخولة بالرفض أو
الموافقة على أجندة ميتشل وهي
التي ستحدد التعامل مع إدارة
أوباما، على حد تعبيرهم. لكن، لا
بد لنا أن نتذكر دائماً الحقيقة
التاريخية بأن نكبة الشعب
الفلسطيني الأولى العام 84 كانت
قد بدأت شرارتها بتحالف دولي
صهيوني وتعاون بعض الأنظمة
الإقليمية لصالح قيام دولة
إسرائيل وتهجير الشعب
الفلسطيني، حيث كان ذلك يشكل
انعكاساً ونتاجاً مُرّاً
لمصالح مراكز النفوذ الدولي
وتواطئها مع الحركة الصهيونية
في تلك الحقبة. وبالتالي فإننا
نلاحظ أن ما يجري الآن بات يقول:
إن حل هذه القضية لن يكون إلا من
خلال توافق دولي لمراكز النفوذ
الحالية في إيجاد الحل المناسب
الذي يعكس المصالح الحالية لهذه
الأطراف، لأن إسرائيل الأمس،
ليست هي إسرائيل اليوم،
والفلسطينيون اليوم لم يعودوا
بذات مواصفات الأمس، التي سهلت
مهمة قيام إسرائيل وتشريد الشعب
الفلسطيني من أرضه على النحو
الذي جرى. أي أن هناك حقائق على
الأرض لم يعد هناك مجال لأحد
لنكرانها أو تجاهلها إلاّ من
أراد عامداً أن يدفن رأسه في
الرمل ويقول "مش شايف مع أن
الأمر جد واضح ومكشوف". ولعلّ
في ما يذهب إليه بعض الساسة
والمحللين من تصورات للمخرج
الأسلم من الوضع الحالي في
الموضوع الفلسطيني، ربما يكمن
في استمرار القيادة الفلسطينية
في التفاوض على كل الحلبات
والجبهات والمحافل الدولية
والسعي الحثيث والنشط على كافة
المستويات من أجل استثمار كل
الفرص والأوراق لإقرار إقامة
دولة فلسطينية تكون نواتها
الصلبة ونقطة بدايتها الضفة
الغربية جنباً إلى جنب مع
استمرار العمل الدؤوب والمخلص
من أجل إعادة اللحمة لغزة مع
الضفة لحين إنهاء الانقسام،
بصرف النظر عن الفترة الزمنية
التي ستستغرقها عملية الإنهاء
هذه، ودون أن يشكل موضوع غزة
مضيعة وقت أو ضاغطاً على
المشروع الوطني أو معيقاً
لتحقيق الحلم الفلسطيني في
التحرر والاستقلال والخلاص من
الاحتلال. وبذلك
نكون قد حافظنا على الاستمرار
في التفاوض بشأن حل الدولتين
الذي ترغب إسرائيل في الهروب
منه، ونكون قد فوتنا الفرصة على
تل أبيب في تكسير مجاديف
الإدارة الأميركية الجديدة
وتوجهاتها الذاهبة نحو إيجاد حل
من شأنه إفساد اللعبة
الإسرائيلية على حلبة التفاوض
مع الفلسطينيين. لقد آن
الأوان كي ندرك بأن السلام
المنشود فلسطينياً والمكروه
إسرائيلياً لا يمكن أن يتم إلاّ
من خلال توافق دولي حاسم يقوم
على فرض الحل المتوازن الممكن
بين الشعبين. لكن بلوغ هذا
السلام يظل بحاجة لمفاعيل
محرّكة له، وأنا أعتقد بأن فرصة
وجود الإدارة الأميركية
الجديدة واتساع حجم التعاطف
الدولي مع الدم الفلسطيني في ظل
تورط الجيش الإسرائيلي بجرائم
حرب في غزة يمكن لنا استغلالهما
كورقة ضاغطة لإلزام إسرائيل
وإرغامها على النزول عن الشجرة
وحشرها لتصبح أكثر قبولاً
وتقبُّلاً للحلول السلمية، مع
ضرورة أن نقر بأن هذا السلام لا
يمكن له أن يتم من خلال مصلحة
فلسطينية بحتة، بل إنه لا بد وأن
يكون نتاجاً لتقاطع مصالح جميع
الأطراف، بما في ذلك إسرائيل
والمجتمع الدولي، وبالتالي فإن
مجيء ميتشل في هذه اللحظة
السياسية بالذات هو في غاية
الأهمية، لأن ثمة عملية حتمية
لإعادة تجميع وتنشيط لملفات
التفاوض الإسرائيلي الفلسطيني
والمفتوح باتجاه التفاوض
العربي الإسرائيلي الأشمل باتت
تغلي مراجلها فوق لهيب ما
أحدثته الحرب العدوانية على
غزة. لكن، أي
هدف قاتل سيهز شباك الشعب
الفلسطيني إذا ما أقدم اللاعب
الحمساوي على استثمار الدم
الفلسطيني على أرض غزة ليصنع
لنفسه "انتصاراً" على
الممثل الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني، وبالتالي إضعاف أحد
أهم منجزات الشعب الفلسطيني
وحامل هويته الوطنية منظمة
التحرير الفلسطينية، وإحلال
بدائل عنها بدلاً من رصّ الصفوف
والتوحُّد في اطارها لنجعل منها
عنواناً أفعل وأقوى وأشمل وأحصن
لحقوق الشعب الفلسطيني ومصالحه
العليا. فالاستدارة والتسديد في
المرمى الوطني لن يحصد نقاطه
إلاّ أعداء الشعب الفلسطيني،
وسيبقى التسديد في مرمى الأعداء
هو معيار وطنيتنا مثلما منظمة
التحرير عنوانها، خصوصاً وأن
الملعب الإسرائيلي مفتوح على
مصراعيه. والانتصار الحقيقي
سيكون في قدرتنا على حماية
وحدتنا وتثمير تضحيات شعبنا
لمصلحة الشعب والقضية، لا
بتكريس انقسامنا واستهداف
المنظمة وتبديد الهوية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |