-ـ

ـ

ـ

السبت  07/02/2009

ليس مهماً من يحكم إسرائيل.. بل من يتحكم بالفلسطيني وصوته!

ناصر السهلي

تبدو الانتخابات الاسرائيلية قبل أيام قليلة من بدءها وكأن مشهدا سياسيا، بُعيد حمام الدم في غزة، قد رُتب ووزعت فيه الجوائز الكبرى وجوائز الترضية.. لذا لا يكون غريبا أن نرى رتابة غير معتادة في الانتخابات الصهيونية، إلا ما يخلقه هذا "الإكتشاف العظيم" عن أفيغدور ليبرمان وانتماءاته لحركة ارهابية من تأويلات تنضح بالكثير من الأضاليل والتعمية على حقيقة ساطعة لفاشية لا تحتاج لكثير العناء لإكتشاف خلفياتها ومن ينتخبها..

ليبرمان، الذي لا يترك مناسبة للمزايدة على ما يسمى اليمين واليسار الصهيوني في فاشية وعنصرية بادية لكل متابع، لا يختلف كثيرا عن ايلي يشاي في النظرة الدونية لكل عربي والأخير الذي كان يطالب بتدمير غزة بكل الوسائل، قبل أن ينبطح أرضا رعبا في مشهد عنتري يذكرنا كثيرا بما لدى الغائب في موت سريري حين كان يقسم بأن نيتساريم مثل تل أبيب.. ولنختصر هذا المشهد الدموي في تقاسم الكعكة الدامية بعد العدوان على غزة، فمن كان في الصف المعارض لقتل الأطفال وتدمير المدارس والمشافي في غزة وارتكاب أكثر من جريمة حرب؟

لا أحد من الأحزاب الصهيونية بيسارها ويمينها ووسطها( وشخصيا لست مؤمنا بوجود تباينات كالمشار إليها)، قال شيئا لا ينم عن عنصرية واستعلائية واسترخاص لأرواح البشر من الفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم في ظل إحتلال دموي تارة وإحتلال غير مباشر يُطالب أصحاب الأرض بالتهديد والوعيد أن يتحولوا جماعيا وفرديا إلى الأسرلة والتصهين ليكونوا في أرض أجدادهم المحاصرة بالتهويد والأحكام العنصرية الجائرة..

ترى هل يوجد فارق كبير بين عوباديا يوسف الديني بكل تطرفه واستعلاءه وتحريضه العلني للذبح كما كان يفعل مائير كهانا وموشي ليفينغر وكل عتاة التطرف الاستيطاني وبين سياسي يرتدي ربطة عنق باريسية؟

لقد أظهرت غزة مرة أخرى، كما كان دوما الدم العربي، كم النفاق الذي يمارسه هؤلاء الذين إما إرتضوا لأنفسهم دور المتفرج الصامت أو راحوا يؤيدون بشاعة الشتاء الفوسفوري على مدارس الانروا وبيوت الغزيين ليقتلوا ما شاءت لهم تبريراتهم " الأخلاقية" في مزيد من مشاهد الكذب والايغال في النفاق..

ألم يقف "الرفاق" في حزب ميرتس بتحالفاتهم وصداقاتهم الفلسطينية مع جنرالات القتل؟

بلى فعلوا ذلك.. بل كانوا أكثر إندفاعا من مزايدات تيسبي ليفني وباراك في تسويق الذبح في غزة على أساس "التخلص من حركة متطرفة"، والمقصود بالضبط حماس قولا لكن بالفعل ضرب كل روح مقاومة عند كل من يرفض الاستسلام لشروط المحتل ويرفع الرايات البيضاء..

ثم مالذي فعله أصحاب جوائز الترضية من أصدقاء "المتعقلين" في المعسكر الفلسطيني؟ هل وعدوهم بورقة جنيف جديدة بعد أن يُعبد الطريق إلى الكنيست بكم الاشلاء والدماء الفلسطينية؟

خطر قادم.. وصمت مريب

يبدو من الجنون لو ادعيت بأن غزة التي يصوت الصهيوني على خلفية لوحتها الدموية، لن تكون نهاية المطاف أبدا..فسعي التطرف لزيادة مقاعده، من كل الاتجاهات، ليست كلها لأجل ما يذهب إليه تحليل بعض الأصدقاء في قراءتهم السطحية للتوجه الحزبي الصهيوني.. هؤلاء لديهم مشروع واضح وضوح الدم والفوسفور الابيض.. لقد مضى المربي الصهيوني شامير في مسيرته المورثة لهذا الجيل السياسي وظلت مسألة "جرجرة" العرب تحت يافطة "العملية السلمية" حتى يومنا هذا بعد مرور 18 سنة تقريبا..

في الطرف الفلسطيني ثمة استراتيجية خطابية تتكرر مثل بكاء الأطفال لحظة ولادتهم "هذا شأن إسرائيلي داخلي".. بينما لا أحد فعليا يتحدث عن الزمجرة الصهيونية المهددة والمنفذة بالقتل في خيارات الفلسطينيين.. وحصار غزة أحد تجليات هذه الدونية والاستعلائية التي يُنظر من خلالها لكل الشأن الفلسطيني، أم أنني غير مصيب في مسألة التدخل الفظ في كل شاردة وواردة.. من الحاجز والمعبر والجدار والتهويد المستمر والعربدة اليومية من شمال الضفة إلى جنوبها؟

بكل بساطة يحق للبعض أن يختلف مع ما نقرأه في التقسيمة والاهداف الصهيونية منذ مدريد 1991.. لكن يحق لي أيضا أن أختلف مع من يقرأ "الديمقراطية" الدموية وكأنها فعل مجرد من كل الحسابات التي تصب في النهاية إلى البحث عن حل جذري لمعضلة الوجود الفلسطيني كله، أكان في داخل الخط الأخضر أو الاراضي المحتلة عام 67 واللاجئين، وهو حل يقوم على ما أردوه أصلا في غزة كمنطلق يعطيهم " الحق" في الدعوة العلنية، وإن بالعمل المبطن، إلى الذبح والإقصاء والطرد الفردي والجماعي.. صحيح أن غزة لم يهجرها أهلها.. وغزة قاومت ما استطاعت.. وتفوقت في صبرها وصمودها على كل التاريخ الفلسطيني والعربي في الصراع مع دولة الاحتلال.. لكن من الصحيح أيضا أن ننتبه إلى أن مشهد التذلل الذي صار مادة وعنوانا لعكس الصمود والمقاومة هو بالضبط ما تريده الأحزاب الصهيونية والحركات الفاشية التي تلبس لبوس الأسماء السياسية.. وهو بالضبط ما تمارسه السياسة الحزبية الذيلية التي باتت ترى مشكلة وجودها من ثقب "العملية السلمية" واستمرارها على الأقل بتحالفات تذكرني بتحالفات عبدربه ويوسي بيلين.. ترى هل سمعتم صوت بيلين او رامون او بونديك وهم يعارضون سفك دم الأطفال في غزة.. أو هل سمعتم جوقة "الرفاق" وهي تكرر تقيؤات افيخاي درعي وهو يمارس ما تم تلقينه إياه؟

شخصيا أعرف بأن البعض.. وأقول البعض.. في اسرائيل من اليهود من كانوا قد تشجعوا وذهبوا إلى أبعد مما ذهبت إليه الأصوات الانتهازية في صفوف "الرفاق" والبقية التي كانت ترى في تحركات الجيش لمحاصرة المدن العربية داخل الخط الاخضر "لحفظ النظام"!.. ثم صار العلم الفلسطيني فجأة مقياسا يقيس من خلاله هؤلاء تقدم مواقفهم..

من يستطيع أن يجزم بأن هذه الرتابة وهذا الصمت المريب على بروفة غزة لن تكونا مقدمات لتحقيق طموح "رجل إسرائيل الأول" الفاشي ليبرمان.. وقبله زئيفي في مسألة المزيد من الخنق والترانسفير والكثير من القوانين العنصرية والفاشية التي تجرم كل من لا يقدم الولاء للصهيونية؟

أعترف بأنني غير معجب بقضاء يسمح لفاشيين رفع دعاوى لمنع التجمع الوطني الديمقراطي من الترشح.. ولست أبدا معجبا بمن وقف متفرجا على معركة "قانون بشارة".. ولا بمن طالبه بأن يعود ليدافع عن نفسه أمام "العدالة"! التي لم تستطع ان تخلي منزل ام كامل الكرد في منطقة الشيخ جراح بعد أن استولى عليه تلامذة ليبرمان المشرع في مؤسسة تمارس أبشع طقوس البدائية في التعاطي مع البشر.. أكرر قولي، بأنني قد أتفق مع يهودي يعيش في الغرب رافضا أن يكون وقودا في تسيير العجلة الصهيونية أكثر من إتفاقي مع سياسة إنتهازية عربية لا تختلف عن إنتهازية شاس وزعيمه المعربد..

ليست بالأصوات والصراخ يمكن صون الوجود.. ولا بالانفعالية الدعائية يمكن صد هذا التوحش الصهيوني الدموي الذي لن يستثني عربيا لا في الشمال ولا في الجنوب.. بالعقل والوعي القومي والانتماء الحقيقي للشعب الفلسطيني وللأرض التي تنهب مباشرة ومداورة يمكن الوقوف بوجه هذا التوحش..

نعم لقد نمت في صفوفنا طبقة إنتهازية.. أرادت أن تتذاكى على شعبها وأن تعيش كالطحالب على تقاطع تحالفاتها الممتدة والمتواصلة فكريا وسياسيا باسم مشروع " الاعتدال".. فاختلط الحابل بالنابل..

هذا هو بالضبط جوهر المشكلة.. الاختلاط الذي يخلقه البعض بين البطولة ولعب دورها.. وكم هناك فرق بين الممارستين.. وعلى تناقضهما بنيت ما بنيت من موقف يرى الفرق بين الواقع والادعاء.. ومن هنا يتحمل من يشارك في التصويت دورا في صد أمثال ليبرمان ونتنياهو والجوقة التي تدعوا الى الذبح العلني لضحية مطلوب منها أن تخرس وهي تتفرج منتظرة دورها الآتي.. فبعد غزة.. ليس كما قبل غزة.. ولنتعظ من بعض دروس تاريخنا الذي ننساه أو يريدوننا أن لا نذكره كي لا نذكرهم بفضيحة الصمت يوم كان علم فلسطين "عارا" عند أبطال اليوم وأصحاب المناسف لعيون حزب العمل.. وبيريز الملطخ من قانا حتى غزة!

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ