-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد  15/02/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


خطاب غزة الشرعي .. قراءة مقاصدية

وصفي عاشور أبو زيد*

هل حقق خطاب غزة الشرعي مقاصده؟

العدوان الهمجي الغاشم على غزة وصمودها الملحمي وصدها له، صاحبه خطاب شرعي متمثل في عدد من البيانات والفتاوى، تباينت درجات هذا الخطاب الشرعي وتنوعت اتجاهاته بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، بما يوجب وقفة فاحصة أمامه؛ تبين جوانبه، وتكشف معالمه، وتوضح خصائصه، وتقف على مدى المساحة التي تقع بين ما يجب أن يكون الخطاب على مستواه، وما تمت ممارسته والقيام به في الواقع العملي.

والحقيقة أن تناول هذا الخطاب يحتاج إلى زوايا عديدة، ربما تتطلب كل زاوية مما ذكرنا حديثا مستقلا؛ ليكون الكلام معمقا ومتفحصا ومنتهيا إلى حكم منصف بعيد عن الطغيان والإخسار؛ ولهذا آثرت أن أتناول هنا زاوية المقاصد، ومدى ما حققه هذا الخطاب من هذه الناحية.

وفي مثل هذا الحديث يجب أولا أن نذْكر أهم المقاصد التي كان يجب على هذا الخطاب أن يحققها في هذه الأزمة بشكل نظري مجرد، ثم نورد أهم المعالم المقصدية التي احتواها هذا الخطاب، ثم نقارن بين هذه المعالم الواقعية العملية وبين ما قررناه سلفا بما كان يجب على هذا الخطاب أن يحققه.

 

أولا: المقاصد المرجو تحقيقها من الخطاب

أتصور أن المقاصد التي ينبغي أن يحققها هذا الخطاب في مثل هذه الأزمة ـ من الناحية النظرية ـ تنقسم إلى قسمين: الأول مقصد أصلي، والثاني: مقاصد تبعية.

فالمقصد الأصلي هنا هو تحقيق النصرة، والدعوة إلى حشد الطاقات وتوظيف تيار الأمة، وترشيد غضبها، وتحويل مواقفها المنفعلة إلى تطبيق عملي فاعل نحو تحقيق هذه النصرة، وهذا المقصد يستمد شرعيته من نصوص واضحة ومعروفة.

منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات: 10. والأخوة تقتضي المناصرة والتآزر والتعاون ودفع الظلم، وما رواه البخاري بسنده عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجُزُهُ أو تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ". [صحيح البخاري. كتاب الإكراه. بَاب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أو نَحْوَهُ].

وعَنْ سَالِمٍ عَنْ عبد الله بن عمر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ..." الحديث. [متفق عليه، واللفظ لمسلم].

قال ابن حجر: "قوله لا يظلمه: هو خبر بمعنى الأمر، فإن ظلم المسلم للمسلم حرام. وقوله ولا يسلمه: أي لا يتركه مع من يؤذيه، ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه". [فتح الباري: 5/97].

ويقول ابن بطال: "إن المؤمنين جميعًا كالجسد الواحد، وعلى المرء أن يسعى لصلاح كل عضو من أعضاء جسده سعيه لبعضها، فكذلك عليهم في إخوانهم في الدين وشركائهم في الملة، وأنصارهم على الأعداء، من نصرهم وعونهم مثل ما عليهم من ذلك في أنفسهم لأنفسهم؛ إذ كان بعضهم عونًا لبعض وجميعهم يد على العدو؛ ولذلك خاطبهم تعالى في كتابه فقال: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"؛ إذ كان القاتل منهم غيرَه بمنزلة القاتل نفسه، ولم يقل لهم لا يقتل بعضكم بعضًا؛ إذ كان المؤمن لأخيه المؤمن بمنزلة نفسه في التعاون على البر والتقوى، يؤلم كل واحد منهما ما يؤلم الآخر". [شرح ابن بطال على البخاري: 9/16].

أما المقاصد التبعية لهذا المقصد الأصلي الكبير فهي كثيرة ومتنوعة تنسدل في مجملها وتترتب على تحقيق النصرة، فإذا تحققت النصرة تحقق لنا عدد من المقاصد، منها:

ـ حفظ الكليات من الضروريات في مقاصد الشريعة: الدين والنفس والمال والعقل والنسل والعرض، وتحرير الأوطان ودحر العدو عنها، وتحقيق الأمن العام في المجتمع، وكذا استبقاء المجتمع وحفظه قويا متماسكا سالما من الانهيارات والتخريب، إضافة إلى تحقيق الردع والإخافة للعدو الغازي.

وليست هذه المقاصد في حاجة إلى استشهاد أو تأكيد، وحسبنا ما قاله علماء المقاصد في الكليات من الضروريات، وما هو مشهور من عمل الأحكام الشرعية على تحقيق مقصد الأمن الاجتماعي، وحفظ الأوطان.

 

ثانيا: معالم الخطاب المقصدية:

لو تتبعنا ما صدر عن المؤسسات والمنظمات والمجامع والهيئات الحرة من بيانات، فضلا عن الجهود الفردية التي بادرت وأصدرت هي الأخرى فتاوى وبيانات، ودققنا النظر فيها من وجهة مقاصدية لوجدنا أنها تضمنت طرفين ووسطا:

أما الطرفان: فأحدهما: أصدر فتاوى عرفت عند البعض بـ "فتاوى التخذيل والإرجاف"؛ حيث دعت إلى منع المظاهرات بحجة أنها إلهاء عن ذكر الله وإفساد في الأرض، وفتاوى أخرى تتشكك في جدوى المقاطعة وأنها لن تفيد شيئا، وهذا بلا شك تيار لا يحطم المقاصد التي يجب أن ترجى من الخطاب فحسب، وإنما يدمر القضية بأسرها، وقد رد عليه العلماء ردودا مناسبة.

والطرف الثاني: أصدر فتاوى بأن المصالح والمؤسسات الإسرائيلية في أي مكان هي هدف مشروع للمسلمين، وأن أي إسرائيلي مهدور الدم، وبالحكم بالردة والكفر على من يتخاذل، أو يغلق النوافذ والحدود، أو يوالي المعتدين، وهذا خطاب كان في حاجة إلى أن يخضع لتأصيل وتفصيل لا سيما استهداف المصالح الإسرائيلية وإهدار دماء الإسرائيليين في كل مكان؛ حتى لا يسير الخطاب في اتجاه يضاد المقاصد التي ينبغي أن يكون داعما لها ومنتهيا عندها.

وأما الوسط فقد أكد خطابه على معالم مقصدية، احتوت على ما يلي:

ـ دعوة الحكام أن يتحملوا مسئولياتهم في التحرك نحو وقف العدوان، وحقن الدماء، وحفظ المجتمع، ولم يكتف اتحاد العلماء بالبيانات هنا، لكنه بادر وشكل وفدا ليذكر الحكام بواجبهم..

ـ تذكير جماهير الأمة بواجبها في النصرة قدر المستطاع، ودعوتها إلى إظهار الغضب الفاعل.

ـ دعوة الفصائل المختلفة داخل فلسطين إلى المصالحة والتوحد ليتحقق دحر العدوان.

ـ دعوة أولي الأمر إلى فتح الحدود وإمداد المقاومة بكل ما تحتاجه بما في ذلك السـلاح.

ـ دعوة جميع المسلمين، كلٌّ في مجاله أن يقوم بواجبه المهني تجاه إخوانه.

 

ثالثا: الخطاب بين الواقع والأمل:

بعد أن استعرضنا أهم الملامح المقصدية التي احتوى عليها الخطاب، وبعد ذكر المأمول مقصديا من هذا الخطاب ـ نطرح هذا السؤال: هل حقق الخطاب ما كان مأمولا منه مقصديا؟ أم أن بين الواقع والأمل بونا شاسعا وفرقا واسعا؟!

هناك نقطة في البداية ينبغي التنبيه لها، وهي أن الخطاب الشرعي جاء متأخرا في مجمله باستثناء بيان جبهة علماء الأزهر الذي صدر في اليوم نفسه الذي وقع فيه العدوان، أما البيانات الأخرى فأقربها بيان اتحاد العلماء، وقد صدر بعد وقوع العدوان بأربعة أيام، وهذا في حد ذاته يمثل خطورة من جهة تحقيق المقاصد؛ حيث ينبغي أن يكون الخطاب مبادرا وسابقا على وقوع الأزمة؛ لكي تتحسس الأمة مواقع أقدامها على هدى ونور، يضاف إلى هذا أن الخطاب ـ في مجمله ـ لم يكن في البداية على مستوى الحدث، لكنه استعاد عافيته شيئا فشيئا، وغدا معبرا عن نبض الأمة.

وأستطيع أن أقول: إن خطابنا الشرعي في هذه الأزمة قد حقق مقاصد جزئية؛ حيث أكد وجوب النصرة، ودعا الجماهير لتحقيقها، وبين بعضا من الأحكام الشرعية المتعلقة بذلك، ولعل أبرز ما في هذا: الدعوة لفتح الحدود لإمداد المقاومة ومؤازرتها بكل ما تحتاجه بما فيه السلاح.

لكن المراقب للخطاب يلحظ أن تركيزه على معالجة آثار الحرب استوعب مساحة واسعة من خريطته على حساب التركيز على أساليب النصرة في دحر العدو وردعه؛ حيث ركزت كثير من البيانات والفتاوى على وجوب المشاركة بالمال والغذاء والدواء والكسوة، وهذه الجزئية تمثل تراجعا في حركة الخطاب الشرعي، ولا يعني هذا أن معالجة آثار العدوان ليس لها مكان في هذا الخطاب، لكن كان ينبغي ـ في تقديري ـ ألا ننشغل بها بدرجة تطغى على تحقيق المقصد الأصلي وهو تحقيق النصرة.

 

وكون الخطاب حقق مقاصده تحقيقا جزئيا دون التحقيق الكامل أو القريب من الكامل يرجع إلى عوامل متشابكة، وواقع معقد يتمثل في طبيعة الأنظمة الحاكمة التي حالت بشكل متفاوت بين هذا الخطاب وتحقيق مقاصده؛ وذلك لأن أصل واجب العلماء هو البيان، ويأتي الدور العملي الجهادي لهم ولغيرهم تبعا لذلك، وهو دور تُلقى تبعته على أولي الأمر.

ولكن للإنصاف يجب أن أنشير إلى أن الخطاب في هذه الأزمة حقق مقاصد أخرى، منها:

ـ إعادة القضية إلى مكانها الحقيقي، وإبراز الجانب العقدي فيها.

ـ إحياء جماهير الأمة وتعبئتها وتوظيف طاقاتها واستثمار غضبها.

ـ ربط الأمة بدينها وشريعتها؛ حيث ظهر هذا جليا في ترقب الناس لخطابات وبيانات العلماء.

ـ إظهار أثر العلماء في الأمة والتفاف الجماهير حول علمائهم ودعاتهم.

ـ إحياء الدور الجهادي للعلماء؛ حيث لم يكتف بعضهم بالبيان فقط، بل بادر بعضهم بتذكير الحكام ومصارحتهم، وقاد بعضهم مظاهرات احتجاجية وتضامنية وتآزرية، مثل: العلامة يوسف القرضاوي في قطر، والعلامة محمد الحسن الدَّدَوْ في موريتانيا، بالإضافة لبعض علماء مصر الذين منعوا وحوصروا.

لا شك أن هذه مقاصد تبعية أخرى، وربما يكون بعضها أصليا، تحققت ضمن السير الواقعي للخطاب الشرعي، وهذا ما يتوقع حدوثه وتحقيقه في مثل هذه الأزمات.

 

أسئلة حائرة

يبقى أن أشير في النهاية إلى أن ما ذكرناه قبل قليل من التحقيق الجزئي للمقاصد المأمولة من هذا الخطاب، ـ والذي جاءت جزئيته بسبب حيلولة بعض النظم الحاكمة بينه وبين تحقيق ما يريد ـ طرح أسئلة مهمة وشائكة لم يجب عنها خطابنا الشرعي.

وتتمثل هذه الأسئلة في حكم من يقف حائلا دون تحقيق النصرة، كيف يكون التعامل معه شرعا..؟

وهذا يستدعي الحديث عن قضية شائكة ومتشابكة.. وهي أصول العلاقة بين الراعي والرعية: متى يسمع له ويطاع، ومتى لا يكون ثَمَّ سمعٌ ولا طاعة؟، متى تدخل الرعية في سلطانه ومتى يجب الخروج عليه، ليس لمجرد الخروج وإهدار الدماء وزعزعة الأمن، وإنما لتحقيق أمر واجب هنا وهو: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"؟

أحسب أن هذا يعد أمرا شائكا؛ حيث يتعلق بأبعاد متشابكة ومعقدة، ويفضي بنا في النهاية إلى القول بأنه مبني على تقدير المصالح والمفاسد، ثم نقع في أزمة هذا التقدير بكل ملابساته وتشابكه وتعقيداته، واختلاف أنظار المقدرين للمصالح والمفاسد، بين قائل بأنه لا يجوز الخروج على الحكام حتى لو رأوا كفرا بواحا لهم من الله فيه برهان، وبين منفعل ومنفلت يهلك الحرث والنسل، وهذه من قضايا الأمة التي ينبغي أن يُجمع لها "أهل بدر"، ولا يجوز أن يفتي فيها الأفراد؛ لتشابكها وتعقديها، واختلافها باختلاف الحال والمآل.

-------------------

*عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ