-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قوميون من وراء الحواسيب ينتقدون إسلاميين
وراء المتاريس دياب
أبو جهجه* منذ أن
انتهت معركة غزة ونحن نشهد في
أوساط بعض القوميين العرب
واليساريين بدايات حملة ضد حماس.
وهي حملة مختلفة عن تلك التي
شنها ولا يزال يشنها المنتمون
الى ما يسمى زورا وبهتانا
بمعسكر الاعتدال العربي
والأفضل تسميته معسكر الانبطاح
أمام المشروع الصهيو-أميركي في
وطننا العربي. فحملة القوميين
واليساريين هذه لا تنتقد حماس
لانها مقاومة بل تدعي تأييدها
لا بل مجاراتها في ذلك وانما
تهاجم ما تسميه 'ممارسات' الحركة
وشرطتها في غزة. وتسوق تهما
مفادها أن حماس تعتقل وتنكل
وتقمع الناشطين المنتمين الى
تنظيمات أخرى. وبما أني أنتمي
فكرا ومبدأ الى صف المنتقدين
وخطهم السياسي وأعتبر نفسي
قوميا عربيا واشتراكيا فأنا
طبعا حساس لطرح أخوتي ورفاقي
وأميل عاطفيا الى تأييدهم فيه
اذا ما كانوا محقين. ولكن هل هم
محقون؟ وهل المشكلة تكمن بحماس
أو تكمن في مكان أخر؟ الاطار
السياسي لنحدد
أولا الاطار السياسي
والاجتماعي الذي تتحرك فيه حماس
والقوى المؤيدة التي تنتقدها.
ان السمة الأولى لهذا الاطار هي
الاحتلال والاستعمار الصهيوني
لفلسطين وهي عملية مستمرة ولا
تتوقف بخروج الجنود الصهاينة من
غزة. فغزة جزء من فلسطين
المستعمرة وجل من فيها من
اللاجئين القادمين من المناطق
المغتصبة عام 1948 وهم يحملون
تأثيرات الاحتلال والتهجير
معهم فقرا وتشتتا عائليا
واحباطا نفسيا وغضبا مستديما.
وقطاع غزة محاصر لا بل مخنوق من
العدو ومن النظام المصري ويكاد
يفتقد الى أبسط متطلبات الحياة
وهو مكتظ بالسكان بكثافة مرعبة.
هذا هو الاطار الجغرافي
والديموغرافي. ونأتي الى الاطار
السياسي: القطاع منقسم سياسيا
بين حماس التي تتمتع بأغلبية
شعبية وحركة فتح الموجودة بقوة
كأقلية سياسية منظمة وشعبية .
الى جانب هاتين الحركتين
الكبيرتين طيف سياسي متنوع لقوى
اسلامية ويسارية وقومية لها
تمثيل تنظيمي أكثر مما لها حجم
تاييد شعبي وبالتالي فهي محبطة
من ثنائية حماس وفتح وتحاول
اثبات وجودها ودورها من خلال
التحالف معهما حينا والاصطدام
بهما أحيانا. وفي هذا الخضم من
الاعتبارات تقع مسؤولية ادارة
المجتمع سياسيا على عاتق حماس
بصفتها حكومة منتخبة. وهي تتحمل
مسؤولية حفظ الأمن والقانون
والنظام وكذلك تتحمل مسؤولية
تأمين مصالح الناس ومقومات
الحياة وكل هذا في الظروف شبه
المستحيلة التي وصفناها. وفوق
هذا كله على حماس ايضا أن تتابع
مشروعها الجهادي ضد المحتل
وترصد تحركاته العسكرية وتتصدى
لها وترصد حراكه الاستخباراتي
وتحبط أهدافه وعليها أن تفعل كل
ذلك وهي مقاطعة من قبل العالم
ومحاصرة في ضمن الحصار ومستهدفة
فوق استهداف الشعب الفلسطيني
ككل لأنها ومن دون أدنى شك تمثل
اليوم رأس حربة المشروع المقاوم
في فلسطين. من دون
الخوض في تقييم تجربة حماس في
ادارة هذا الواقع الفلسطيني
وتداعياته علينا أن نستذكر أن
هذه الوضعية ناتجة عن اتفاق
أوسلو وآليته. وبالتالي فهي
ناتجة عن مشروع تسوية مع العدو
وهو من منظور قومي واسلامي أمر
مرفوض جملة وتفصيلا. ومشاركة
حماس بالانتخابات وبالسلطة وان
كان لاعتبارات تكتيكية قد لا
يكون الطريق الأمثل لحفظ
المقاومة. ويعتبر الكثيرون وأنا
منهم بأن حماس كان عليها التمسك
برفضها المبدئي للمشاركة في
آليات أوسلو والتركيز على بناء
حركتها الشعبية ومقاومتها
المسلحة. هذا هـــــو الموقف
المبدئي المثالي. الا أنه
علينا الانتباه بأن التطبيق
العملي لهذا الامر عند حركة
تمثل قطاعا عريضا جدا من
المجتمع أمر غير سهل. فالحراك
السياسي الذي أنتجته أوسلو كان
ضاغطا باستمرار على حماس التي
وجدت نفسها أمام خيار تهميش
نفسها سياسيا أو المشاركة
بالانتخابات (وهي نفس المعضلة
التي واجهت التيار القومي في
وسط عرب 48 حول المشاركة في
الانتخابات الصهيونية أو
مقاطعتها). ولكن وبرأينا كان من
الممكن تفادي هذا الأمر من خلال
تشكيل جبهة سياسية واسعة لكل
القوى الرافضة لاوسلو
ولعمليتها السياسية بدل الدخول
في مستنقعها. على كل هذا نقاش
فات أوانه الآن ولنرجع الى
حيثيات الواقع اليوم. حماس
الحكومة فاذا
حماس اليوم في غزة ليست فقط حزبا
سياسيا وحركة مقاومة بل هي كذلك
ادارة حكومية وشرطة وبنيان رسمي.
ومن هنا فحماس تحمل مسؤوليات
جساما كما سبق وذكرنا وذلك في
اطار حرب ابادة. فقياداتها تصفى
والانقلابات تخطط ضدها وعندما
تقمع الانقلابيين تتهم بأنها هي
التي نفذت انقلابا. وعندما
تتصرف شرطتها كاي شرطة في
العالم في مواجهة تجمعات
استفزازية يتم التركيز على قمع
الشغب واعتباره قمعا للحريات
بينما يتغاضى الجميع عن ذكر
حرية التظاهر المكفولة والقسم
الكبير من الناس الذين تظاهروا
ضد حماس ولكن بحضارية وعادوا
الى بيوتهم وحقوقهم وكراماتهم
مصانة. وهو أمر يعد مستحيلا في
معظم الأقطار العربية وأنظمتها
التي لا تواجه الضغط الذي ترزح
تحته حماس. وعندما
تقمع الشرطة مظاهر مسلحة في
اطار غير مقاوم وعلى خلفية
صراعات عائلية وعشائرية ويتم
اطلاق النار على الشرطة وتقوم
برد النار بالمثل، وهو ما سوف
تقوم به حتى شرطة جنيف في الموقف
نفسه، يسيس الموضوع وتتهم حماس
بانها تقمع مرة حركة الجهاد
الاسلامي ومرة حركة فتح نسبة
لانتماء اصحاب الاشكال الأمني
السياسي. أما
النقد الذي نتفق مع توجيهه
لحماس فهو أنها وفي اطار
استراتيجيتها المقاومة تظهر
نزعة لتوحيد البندقية تحت
قيادتها وهذا ناتج عن منطق
الحكومة الأوسلوي. وهنا قمعت
شرطة حماس أيضا ولفترة طويلة
مطلقي الصواريخ خلال فترة
التهدئة والذين كانوا ينتمون
الى فصائل أخرى ومنها فتح. وبغض
النظر عن تساؤلات قد تكون
منطقية عن أجندة بعض الفصائل
التي تخلت عن المقاومة في الضفة
وتتمسك بها في القطاع وتحديدا
في أوقات الهدنة، الا أن
المقاومة حق للشعب العربي
الفلسطيني لا يحق لأي فصيل أو
تنظيم كان أن يحتكره أو يحاول
احتكاره. ومن هنا نعتبر أن حماس
لا حق لها في ضبط
السلاح المقاوم ونؤيد أي مقاوم
يريد الافلات من هذا الضبط
المصطنع. ومن المؤسف أن يصل
الأمر في بعض الأحيان الى
اعتقال المقاومين والى قتل
بعضهم ولو عن طريق الخطأ. الا أن
هذا يبقى الاستثناء وليس
القاعدة ولا ينبغي تضخيمه
واخراجه من اطاره المكاني
والاجتماعي والزمني. ولكن
شتان بين هذا واتهام حماس
بممارسة القمع المنظم وهي التي
نجحت وفي ظروف صعبة لا بل شبه
مستحيلة في خلق حالة من
الاستقرار الأمني الداخلي
والأمان للمواطنين بشهادة
الصحافة الغربية نفسها. وهي
التي تكفل حرية الرأي والمعتقد
للجميع أيضا بشهادة أكثر من
تقرير غربي. ولا يغير في هذا
شيئا الترويج للقصص الملفقة عن
ممارسات مختلقة ولصور
وفيديوهات لأناس يتعرضون للضرب
والادعاء بان شرطة حماس تضربهم
بينما يتعلق الأمر في الحقيقة
بمشاكل شخصية واشكالات عائلية
لا ناقة لحماس فيها ولا جمل.
ونحن مقتنعون بان المخابرات
الاسرائيلية ومخابرات بعض
الأنظمة العربية هي التي تقف
وراء هذه الأكاذيب. ولكن
المشكلة هي أن الكثيرين من
رفاقي القوميين والاشتراكيين
ينساقون وراء هذه الأكاذيب
ويروجون لها. لا بل يبنون
المواقف على اساسها ويتفلسفون
على المقاومين المضحين بالغالي
والنفيس من وراء شاشات حواسيبهم
حيث يناضلون افتراضيا. فحماس
تتلقى رصاص الصهاينة وهم يتلقون
ويرسلون الايميلات ويعطون
المواعظ لحماس. الاسلام
والعروبة كلمة
للقوميين العرب واليساريين بكل
مشاربهم، يطل علينا البعض من
مدعي القومية مؤخرا عبر لوائح
بريدية وينتحلون صفات حركات
قومية تاريخية ومناضلة ويطلقون
البيانات لمهاجمة حماس وحزب
الله من منطلق كونهما حركتين
اسلاميتين ترفضان العروبة حسب
قولهم. ويشددون على أنهم لن
ينساقوا وراء الرايات الصفراء
والخضراء ولن يقاتلوا الا وراء
راية الأمة العربية، راية
فلسطين بألوانها القومية
الاربعة. أولا ليس صحيحا أن
القوى الاسلامية المقاومة في
بلادنا ترفض العروبة بل على
العكس فهي اليوم تشكل المخزون
العروبي الأكبر والأعمق في أمة
يكاد يكون انتماء المرء فيها
للعروبة تهمة. وهي تذكر الأمة
العربية وجماهيرها قبل ذكرها
للأمة الاسلامية وتغني لنصر
العرب عندما تنتصر وتناشد العرب
النصرة اذا ما حوصرت ويعز عليها
نكران حكام أمتها حق النصرة
عليها وتعامل أردوغان المسلم
على أنه أجنبي فتفرح لموقف بسيط
أخذه رغم أنه لم يغلق سفارة
الكيان الغاصب في بلاده بينما
تخون وعن وجه حق العربي الذي
يتعامل مع الصهاينة. أما
المزايدة في القتال وراء راية
الأمة العربية فنقول ليست
العبرة بالرايات بل بالتضحيات
ولا أحد ينكر دور القوميين في
بناء عزة هذه الأمة ومقاومتها
من عبدالناصر وأبطال معركة
السويس الى بن بلا ومجاهدي
الجزائر ومن وديع حداد الى جورج
حبش ومن دلال المغربي التي رفعت
صورة عبدالناصر وعلم فلسطين في
تل أبيب الى ليلى خالد ومن
الأخضر العربي شهيد عملية صف
الهوا في بنت جبيل الى حيدر
العاملي ذاك القومي العربي الذي
أطلق أول رصاصة في المقاومة
الوطنية اللبنانية في الجنوب
قبل أن يطلق قرينتها المباركة
البطل القومي السوري خالد علوان
في بيروت ومن سمير القنطار
المحرر الى جورج ابراهيم
عبدالله الذي لا يزال في الأسر
وألاسماء كثيرة. ولا يحق لأي كان
أن ينكر تاريخنا المقاوم
وتضحياتنا نحن القوميين ولكننا
اليوم نشهد استمرارية هذا
التاريخ من خلال حركات هي أيضا
عروبية وان طرحت مشروعا
اسلاميا، هي حركات تحمل عناوين
اسلامية ولكنها تمثل تماما كما
مثلت الحركات القومية
واليسارية في الماضي القريب نبض
الحياة في أمتها وشعبها العربي
وطليعة هذه الأمة في صراع
الوجود الذي تخوضه. نعم لا بد من
النقد البناء ولا بد من العمل
لكي تتواجد كل المشاريع في اطار
الواجب المقاوم فتتحاور
وتتنافس حضاريا ما بينها وتصارع
المحتل معا ولكن فلنبتعد عن هذه
المذهبية السياسية المقيتة
التي فرقت في الماضي وتفرق
اليوم ولنقر جميعا كعرب بأن ما
من مشروع يحتكر الحقيقة والصواب
وبأن المقاومة والنهضة لا تتحقق
أساسا الا أذا تعددت مشاريعها
وتعايشت. وختاما أضع
عبرة تاريخية في رسم القوميين
الذين يتهجمون على الحركات
المقاومة فقط لأنها اسلامية: في
الستينات عندما كانت الحركة
القومية تقود المعركة ضد الكيان
الصهيوني والامبريالية
والرجعية العربية حاولت هذه
القوى المعادية تجيير التقوقع
الايديولوجي لدى بعض النخب
الاسلامية من أجل اضعاف المشروع
التحرري الذي كان يقوده
عبدالناصر. فانتهى الأمر الى
قمع هؤلاء الاسلاميين الذين
حاولوا طعن المقاومة في حينه
بالظهر. فنبذتهم الجماهير
وتحولوا الى نخب مهمشة ولم
يستعيدوا حيويتهم الا مع نهاية
السبعينيات. اليوم تحاول نفس
القوى المعادية تجيير التقوقع
الايديولوجي لدى بعض القوميين
واليساريين النخبويين من أجل
اضعاف المقاومة ذات الطابع
الاسلامي بمعظمها وهي حتى الان
تفشل فشلا ذريعا نتيجة لوعي
القوى الأساسية للطرفين بطبيعة
المخطط. ولنأمل أن منسوب
الانتقادات الظالمة الأخيرة في
الوسط القومي سيخف ويبقى فقط
النقد البناء والتنافس
الديمقراطي في اطار قبول الآخر
والتحالف معه ضد المحتل وأذياله. ـــــ *كاتب
من لبنان ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |