-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الطريق
إلى بناء حضاري يواجه تحديات
العصر بقلم
: يسري عبد الغني عبد الله* من الذي
يتصدى للحديث عن الإسلام ؟ بداية :
كم نتمنى أن يكون كل من يتصدى
للحديث عن الإسلام ، وفكره
ومنهجه ورؤيته المستقبلية ، كم
نتمنى أن يكون هذا المتحدث من
أصحاب البديهة الحاضرة ، والفكر
المتجدد السابق لعصره ، والرؤيا
الثقافية الواعية التي من
خلالها يتمكن من وضع يده على
مواطن الداء ، ولا يكتفي بذلك بل
يضع له العلاج الناجع . وإلى
جانب ذلك فإن المتصدي للحديث عن
قضايا الإسلام يجب أن يمتاز
بالاعتدال ، بل عليه أن يؤكد
دوماً أن أعظم ما في الإسلام هو
سماحته وعقلانيته وعطاؤه
المتجدد دائماً ، وعالميته
وصلاحيته لكل زمان ومكان ، وهذا
التأكيد يجب أن يصحبه الأدلة
القاطعة ، والبراهين الواضحة . تحديات
كثيرة : إن هناك
تحديات كثيرة تواجه المسلمين في
هذه المرحلة التي نعيشها ، وأهم
هذه التحديات التخلف الذي تعاني
منه معظم البلاد الإسلامية
بدرجاته المختلفة ، وخاصة مع
بروز قطبية وحيدة تقود العالم
أجمع ، وهذا يعني أن المرحلة
الحالية تحتاج إلى تجمع إسلامي
حقيقي ، وإلى توحد وتوجه من
الدول الإسلامية نحو من يتعاون
معها بجدية والتزام من الدول
المتقدمة . ومن
أبرز التحديات التي تواجهنا
أننا في حاجة ماسة إلى تجديد
أساليب الدعوة الإسلامية ،
وبمعنى آخر تجديد أساليب الخطاب
الديني مع المحافظة على ثوابتنا
الدينية والتي تنطلق من القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة
. وعلينا
أن نعي جيداً أن إدراك عطاء
الإسلام الحضاري ومشاركته
الفاعلة في واقعنا المعاش عملية
تقوم على أساس الوعي بالذات
وفهم العصر الذي نعيشه وآلياته
، والأخذ بأسباب العلم الحديث ،
وحسن استيعاب التراث الإسلامي
مع حسن الاستفادة منه , وتوظيفه
من أجل حل مشاكلنا الراهنة . وهذا
الإدراك الذي نطالب به شرط
جوهري لتقديم رسالة الإسلام إلى
العالم ، والإسهام في الحضارة
الإنسانية الراهنة ، ولن يتم
للمسلمين عمل يؤدونه على الوجه
الذي يرضي ضمائرهم ما لم يتضح
لديهم هذا الإدراك الواعي
الرشيد . ولابد
للأمة الإسلامية أن تعمق داخلها
هذا الإدراك الذي أساسه
الاعتماد على النفس ، وهي قادرة
على ذلك إذا ركزت على منابع
التقدم ، وأدركت أن التقدم يجب
أن يقوم على بناء قوي ، والبناء
القوي لابد له من التخطيط
السليم ، وهذا التخطيط يكون
تنفيذه باستكمال أدوات البناء
الحضاري استعداداً للمستقبل . إن
التقدم في عصرنا الراهن , هذا
العصر الذي يتسم بالتكامل بين
القادرين ، ورفع مستوى الإنتاج
المنافس ، عن طريق البحث العلمي
المتقدم والتطور التكنولوجي
الذي لا يهدأ ، ولكي تستطيع
سلعنا المنافسة في الأسواق
العالمية , يجب علينا السعي إلى
بناء صناعات متعددة تعتمد على
العلم والتخطيط العلمي , وتشجيع
الاستثمارات والجهود الذاتية
والخاصة , والعمل على زيادة
المدخرات , ورفع مستوى الحياة ،
وإحداث التنمية المنشودة بكافة
مجالاتها . وتأسيساً
على ما سلف فإن الأساس لإحداث
تقدم الأمة هو الإنسان بكل
عظمته , فالألة المنفردة ,
والموارد الغزيرة ، والمصادر
المتوفرة لا يمكن لها أن تصنع
التقدم , فالتقدم صناعة إنسانية
في المقام الأول ، ولا يتحقق إلا
عندما تبدعه أيد قادرة على
تحريك كل القدرات والإمكانيات
والأفكار لمصلحة رقي الأمة
ونهوضها. نؤكد
على أن الإنسان الفرد هو لب
التقدم , وإليه يعود النفع ،
لذلك ينبغي أن يكون هذا الفرد
قادراً على القيام بواجبه
الفاعل ليستفيد ويتمتع بكل جديد
ومستحدث في المعارف عن طريق
التعليم المتميز المستمر . وهنا
يجب أن نلح على أن التطور لا
يبدأ إلا من المعمل المدرسي ,
ومن تعليم شبابنا البحث العلمي
المنهجي ، والمثابرة ، والقدرة
على اقتحام المشاكل ، ورفع
مستوى الإنتاج في كل المجالات
بما يمكننا من توفير متطلبات
التقدم على الصعيد المحلي , وعلى
الصعيد العالمي الذي يؤهلنا
للمنافسة العالمية , والمشاركة
الفاعلة , بعيدأ عن الاكتفاء
بالجلوس في مقاعد المتفرجين . الوحدة
أمر حتمي : إن
الأمة الإسلامية تواجه في هذه
المرحلة مشاكل وتحديات كثيرة ،
تقتضي من الجميع الترابط
والتقارب والتفاهم , فالعالم
توحد قبلنا حتى لو كان هذا
التوحد أساسه المصالح والمنافع
, وإن لم نفعل كنا على شفا
التهلكة . نحن في
عالم أضحت فيه وسائل الاتصالات
والمواصلات سهلة ميسرة , ولذلك
ظهرت تلك المفاهيم التي تدعو
إلى ترابط الأمم والشعوب ,
وتقارب المصالح ، وهنا ظهرت
قضايا التعاون بين البنك الدولي
وصندوق النقد الدولي لتأكيد
التكامل بين القادر وغيره ، ثم
ظهرت قضايا تنظيم التجارة
العالمية واتفاقيات الجات , وهي
أخطر أساس تشريعي ظهر في تاريخ
البشرية لتحكم القادرين في غير
القادرين . ومن كل
ما سبق ، يتحتم أن تترابط الشعوب
، وتتقارب العقائد ، وتتفاهم
العقول , وتتحد القدرات , بعيداً
عن التعصب الأعمى ، وعن ضيق
الأفق ، وعلينا أن نسعى جميعاً
من أجل الحفاظ على الإنسان من
مهاترات ومخاطر الحقد
والكراهية , ومخاطر التحديات
المليئة بالصراعات والصدامات
التي لا طائل منها . حقيقة
التخوف : البعض
يكتب ويقول : إن الغرب يتخوف من
الإسلام والمسلمين (الزحف أو
الخطر الأخضر) ، والكاتب بدوره
لا يميل إلى نظرية المؤامرة ،
بمعنى أن نرجع أي أمر لا نرجوه
ولا نتمناه إلى تأمر الآخرين
علينا , على كل حال فإن هذا
التخوف من الإسلام ـ إن صح ـ فهو
بسبب ظهور بعض التيارات
الإسلامية الخاطئة المُضلَلة
أو غير الواعية بمنهج الإسلام
الذي أساسه احترام الآخرين ،
والتعاون معهم ، من أجل التقدم
إلى الأمام . إن واجب
أمتنا أن تقف بصدق وجلاء مع
نفسها ، وتبرز السمو في العقيدة
الإسلامية ، ودعوتها إلى
السماحة في التعامل مع الآخر
واحترامه , بعيداً عن التعصب
والتطرف والعنف وضيق الأفق ،
ولعل أكبر الأدلة على ذلك
الأسوة الحسنة التي برزت في
أقوال وأفعال وتقارير الرسول
الكريم محمد (صلى الله عليه
وسلم) والذي أدبه ربه فأحسن
تأديبه ، وكان بحق على خلق عظيم
، لأنه لو كان فظاً غليظ القلب
لانفض الناس من حوله , وكذلك
صحابته البررة الكرام وتأكيدهم
على رعاية الآخرين , وكذلك
الأقليات الذين اعتبرهم
الإسلام جزءاً لا يتجزأ من نسيج
المجتمع ، وأهل الذمة الذي دعا
الإسلام إلى الحفاظ على حقوقهم
وممتلكاتهم , ودياناتهم ،
وأرواحهم .. وكل ذلك يؤكد
الأسلوب الأمثل في التعامل مع
الآخر وقبوله . المفكر
الواعي : إننا في
أمس الحاجة ونحن نواجه مشاكلنا
وقضايانا ومتاعبنا إلى المفكر
الواعي الذي يدرك جيداً ما على
أرض الواقع ، المفكر المعتدل
فكراً وفعلاً , ولا يمكن أن
يتواجد أمثال هؤلاء إلا بتوفير
المناخ الصالح . إن
الباحث والمفكر عندما يتابع عن
كثب ما يجري في العالم الإسلامي
يجد قائمة طويلة من المنازعات
والصدامات والصراعات تستهلك ـ
دون أدنى سبب ـ طاقات المسلمين ،
وتبدد جهودهم في غير طائل ,
وتشغلهم عن قضاياهم الحيوية ,
والتي من أهمها : البناء
والتعمير والتحديث واللحاق
بركاب العلم والتحضر . لقد وقع
أهل الإسلام في خلل جسيم حيث
أنهم انساقوا في تفكيرهم إلى
الجزئيات والتي شغلتهم الشغل
التام عن الكليات , هذا الخلل
الفكري أدى إلى انتشار صورة
ظالمة للإسلام والمسلمين في
العالم , فتصور البعض أن الإسلام
عقبة كئود في طريق التقدم
والعلم , وأن المسلمين أعداء
للتحضر والاستنارة ، ودعاة
للجمود والتخلف ، وعليه استخفوا
بالمسلمين لأنهم أظهروا أنفسهم
في صورة الجامدين والمتعصبين ،
صورة المفرطين في حقوقهم ، صورة
المتواكلين الخاملين , صورة
المعتمدين على الآخر . واللازم
على كل مسلم تعزيز التعاون مع
الآخرين في المجال الثقافي ,
وهذا فرض عين على كل قادر , بل هو
حق وتكليف إسلامي من أجل
التعايش مع المتغيرات
والمستجدات العالمية المعاصرة ,
وإذا لم نستيقظ تمام اليقظة ،
ونحاول العمل الجاد المثمر ,
ومواكبة عصرنا دون إفراط أو
تفريط , سنكون منعزلين عن مواكبة
عالمنا المتقدم . لذلك
كان حقاً على كل عالم ، ومفكر ,
وباحث ، ومثقف , أن يفتح قنوات
التعارف والتقارب مع الآخرين ،
دون خوف أو وجل ، فالتقارب
والتعارف مع مختلف الثقافات
والتخصصات يفيدنا ، ويضيف إلينا
, فالله خلقنا من أجل أن نتعارف و
نتعاون , من أجل أن نتبادل
الآراء والأفكار والخبرات ,
بهدف تحقيق واقع أفضل لنا
ولذوينا . الحوار
مع النفس أولاً : وإذا
كانت العالمية أو العولمة
تدعونا إلى رفع الحدود , وتقارب
الثقافات وحتى اللغات , فإن من
الواجب الأكبر علينا ضرورة
التقارب والتفاهم مع أنفسنا ،
حتى لا يكون كل واحد منا في
جزيرة منعزلة تماماً عن الجزيرة
الذي يعيش فيها أخوه . بمعنى
آخر التفاهم الإسلامي فكراً
وعلماً ، قولاً وفعلاً ،
التفاهم الذي يقرب وجهات النظر ,
ويذوب الخلافات ، ويعمل على
التقارب بين المذاهب المختلفة
التي تفرق بين المؤمنين بالله
تعالى وبرسوله (صلى الله عليه
وسلم) , وتلك بداية لفكر إسلامي
معتدل ، فكر مقبول ومؤثر
عالمياً ، ولعلنا نفعل ذلك ونحن
على ثقة كبيرة في أنفسنا , دون
أدنى خوف أو خشية . إن
التقارب بين الدول الإسلامية
أضحى من أوجب الواجبات , ومن أهم
المتطلبات في ظروفنا الراهنة ،
ونضيف إلى التقارب الإسلامي
الذي ننشده أهمية احترام العلم
والمعرفة ، وتشجيع وتقدير
العلماء والمفكرين ، والعمل على
إصلاح النفوس ، وتقارب المصالح ,
فلا بد أن ندرك جيداً أن توحيد
الجهود ، وتنسيق الأعمال ,
والانشغال بهموم الأمة هو
الطريق إلى إزالة ما نحن فيه من
غمة ، ووصولنا إلى طريق التقدم
والرقي , ورعاية مصالح بلادنا
المختلفة بعيداً عن التبعية
والهيمنة . الكفاءة
القادرة : نحن في
حاجة إلى أن نتأمل واقعنا
كمسلمين في أيامنا الراهنة ، في
حاجة إلى أن نتحاور بجدية حول
طبيعة الإسهام الذي يمكن أن
نقدمه للحضارة الإنسانية بوجه
عام . أمتنا
الإسلامية لا ينقصها الكفاءة
القادرة على إثبات الذات ,
والمفكرون المسلمون على مدى
عصور مضت كانوا هم المصابيح
المضيئة في سماء الإنسانية , ثم
ضلوا السبل عندما تفرقت بهم ،
وذلك بسبب المعارك الداخلية غير
المجدية ، وبسبب الاستعمار
الثقافي , فتوقفت حركة التقدم ،
حركة الوعي والاستنارة ،
وانقسمت الأمة إلى غني وفقير ،
إلى قادر وغير قادر ، ودخلنا في
مهاترات سقيمة ، وجدل بيزنطي
فارغ ، وسفسطة مضى عصرها إلى غير
رجعة ، وبذلك وبسذاجة عجيبة
وغريبة أضعنا عدة قرون دون طائل
.. !! لقد آن
الأوان لأن تخرج الأمة من
كربتها ، وأن تستغل أحسن
استغلال قدرتها الكامنة فيها ،
من أجل أن تجاري متطلبات عصرنا
من علم وتكنولوجيا ، وهذه
المجاراة لن تكون إلا بإيجاد
الإمكانيات العلمية ، والإدارة
الحديثة الهادفة ، والتي تمكن
الأمة الإسلامية من دخول عالم
التقنيات المختلفة . كفانا
قناعة بدور المتفرج على ما يحدث
من تقدم في دنيانا ، كفانا قناعة
بدور المستورد العاجز عن
الإنتاج والابتكار والإبداع ،
لقد حان الوقت لأن نتفاعل مع
عالمنا ، لأن نكون مشاركين
منتجين للتكنولوجيا ، مساهمين
فيها ، وهنا : يتحتم علينا أن نضع
طاقاتنا في خدمة مجتمعنا ،
ومنحها ما يستحق من تشجيع
وإمكانيات تمكنها من تجسيد
تجاربها العلمية والتكنولوجية . إننا لو
فعلنا ذلك أمكننا بحق أن نثبت
بالبرهان الدامغ , والدليل
العلمي الواضح , أننا لا نعاني
من عقدة التخلف العقلي أو
العلمي ، بل إننا نستطيع القول
جازمين بأن ما نملكه من قدرات
علمية وموارد بشرية تؤهلنا إلى
أن نكون في مستوى الدول
المتقدمة ، ومن المعروف أن
الوسائل العلمية تتطور وتتضاعف
بشكل مستمر (ديمومي) ، فنحن
نحتاج إلى حركة نشيطة ، حركة
فاعلة متفاعلة , بل في حاجة إلى
ثورة ندرك بها متطلبات العصر ,
واستعمال القوى الكامنة
والقادرة على إحداث التقدم
المنشود . وختاماً
: فإن رعاية المستقبل (مستقبل
الأمة الإسلامية) , فرض واجب على
كل مسلم ومسلمة ، هذا المستقبل
لن يتحقق في أجمل صوره إلا
بالعلم التعلم , والتعليم
المجود ، والبحث المتفوق الجاد
، والتطور التكنولوجي , وذلك في
إطار من التكاملية والتخطيط
العلمي الممنهج ، أضف إلى ذلك
الاندماج التام والكامل بين ومع
شركاء المستقبل لخدمة أمتنا
الإسلامية . ــــــــــ *باحث
ومحاضر في الدراسات العربية
والإسلامية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |