-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء  10/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


حرب غزة : أكبر من نصر وأكثر من هزيمة

د. محمد احمد جميعان            

drmjumian@yahoo.com

يكثر الحديث دائما في اعقاب كل حرب في التاريخ بقصد تقييم نتائجها في اطار  تساؤلات محددة من المنتصر ؟ومن المنهزم ؟ وغالبا ما يدعي كل طرف في نهاية الحرب انه حقق انتصار وهزم العدو لاعتبارات دعائية ومعنوية وربما اخفاء الخيبة ويكفي ان نشير هنا الى حرب عام 1967 او حرب الايام الستة عندما وصفها الاعلام الرسمي في حينه بالنكسة ليأتي التاريخ بعد ذلك ويصفها بالهزيمة .. ولكن الهزيمة التي سطرت الجيش الاسرائيلي كاسطورة لا يقهر كانت الاخيرة في تاريخه بل كانت كحيوان وحشي تسلق جبل ووصل الى قمتة ولم يعد امامه سوى الهبوط اوالسقوط او التدحرج منهارا.

هبط الكيان الاسرائيلي وجيشه من أسطورته وكانت البداية لهبوطه بعد تلك الحرب على يد الجيش الاردني في معركة الكرامة عام 1968عندما انهزم طالبا وقف إطلاق النار تاركا خلفه في ارض المعركة قتلاه واليات جيشه المدمرة .. ثم تبع ذلك هبوط آخر على يد الجيش المصري في حرب عام 1973عندما اقتحم خط برليف ولكن السياسة جاءت لتهزمنا من جديد بعد اتفاقيات كامب ديفد وركنا للدعة والهوان والشعارات الكلامية والاختراقات الموسادية لتجتاح اسرائيل جنوب لبنان ويغادر عرفات بيروت قهرا عبر البحر ليعود بعد حين الى رام الله واهما في ذات السياسة التي اعتبرت هزيمة وهوان  تاركا المقاومة والتحرير وراكبا ما وصفه " بسلام الشجعان " الذي اوصله في نهاية المطاف الى ذل الحصار والاقامة الجبرية من قبل الاحتلال في المقاطعة بل والى حتفه بعد ذلك مسموما خارج وطنه .

 

من هنا تأتي عظمة الانتصار للمقاومة التي بدأت في لبنان على يد حزب الله عندما حرر أرضه وأطلق أسراه ومنع اسرائيل من اجتياح جنوب لبنان مرة اخرى في حرب تموز عام 2006 ليثبت ان للمقاومة جذوتها ومنعتها وعزتها ويلقن العدو درسا يهوي به الى درك الانحطاط المعنوي الذي وصفته لجنة فنغراد .. لتأتي بعد ذلك المقاومة في غزة والرجال في القسام والجهاد والناصر وكل الاوفياء هناك ليسطروا اكبر من نصر للمقاومة واكثر من هزيمة للاحتلال الصهيوني لتكون حرب غزة معركة الفرقان والمعجزات وبداية التدحرج لانهيار الكيان الاسرائيلي باذن الله.. فلماذا اذن اكبر من انتصار للمقاومة واكثر من هزيمة لاسرائيل ، هل هي مبالغة في الوصف ام حقيقة مقنعة لكل ذو لب وعقل سليم ؟

 

للاجابة لا بد من تناول كل ذلك في نقاط محددة تخاطب العقل والمنطق والعلم والادراك والمنهج العسكري والسياسي والاستراتيجي لترسم صورة ما بعد حرب غزة كحدث مفصلي يشكل منعطفا في تاريخ الصراع مع اسرائيل  :

اولا : حقيقة و صورة ارض المعركة هي مجموعات قتالية مجاهدة مؤمنة مدربة ومنظمة في سرايا مشاة تحمل سلاح متواضع ما تيسر لها تقف وتقاتل ببسالة واقتدار في وجه جيش يملك ويستخدم اقوى وادق وافضل ما توصلت اليه التكنلوجية العسكرية استدعى الاحتياط واعلن الطوارئ واستنفر كل قوته .. لتكون النتيجة بعد اثنين وعشرين يوما وليس بعد ستة ايام عدم القدرة على تحقيق أي هدف معلن او مبطن اوغير معلن لاسرائيل بل ولم تستطع ان تحقق اية اهداف تكتيكية بسيطة في المفهوم العسكري الميداني كوقف اطلاق الصواريخ من بين الدبابات ومن فمها وحتى بعد وقف القتال وانسحاب الجيش الاسرائيلي          

ثانيا : في المفهوم العملياتي والتكتيكي العسكري ، القوة المهاجمة ( التي بدأت الهجوم ) اذا لم تستطع ان تحقق الاهداف من الهجوم وانسحبت من ارض المعركة دون قيد او شرط تعتبر مهزومة بالمطلق في تلك المعركة ، وان القوة المدافعة اذا استطاعت ان تمنع العدو المهاجم من تحقيق اهدافه وتفشله وتجبره على الانسحاب من ارض المعركة دون قيد او شرط تعتبر قوة منتصرة بامتياز تستحق اوسمة النصر ونياشين العزة والفخر .

ثالثا :  في المفهوم الاستراتيجي ، الدولة القوية والجيش المقتدر المهاجم اذا لم ينتصر في تحقيق اهدافه بقوته وخططه اثناء الهجوم فهو مهزوم بحكم الواقع لانه استخدم الورقة الاقوى التي يتعالى بها ويدخرها للحسم والانتصار النهائي واذ بهذه الدولة وهذا الجيش  يفشل امام القوة الاضعف ، عندها الدولة الاضعف او القوة الاضعف المدافعة تعتبر منتصرة لانها استطاعت ان تكسر هيبة العدو وتنزع شوكته التي يتعالى بها لذلك يعتبر النصر هنا اكبر من انتصار .

رابعا : في المفهوم الاستخباري ، لجوء العدو للقصف العشوائي كقصف ارض الفضاء والمساحات المفتوحة التي يعتقد ان تحتها انفاق او مقاتلين في جنوب وشرق القطاع او قصف مؤسسات معروفة ومكشوفة ومثبتة على الخرائط المساحية او قصف بيوت ومنازل قادة وكوادر حركة حماس المعروفة لطوابير العملاء وهي فارغة بعد رحيل كثير من سكانها اوتم ترحيلهم او قصف المساجد وسيارات الاسعاف ينم عن ضعف كبير في بنك الاهداف الاستخبارية لدى سلاح الجو الاسرائيلي وينم عن عجز استخباري في اختراق حركة حماس وجناحها العسكري بشكل واضح . وهو نصر بحد ذاته للمقاومة وهزيمة استخبارىة لاسرائيل

خامسا ــ اتاحت هذه الحرب وافسحت للمقاومة وحماس بالذات ان تظهر قوتها وقدراتها وامكاناتها ان تكون حركة عقائدية وحكومة قادرة وقيادة رشيدة ومؤسسات منضبطة ومقاومة مدربة ومجهزة وملتزمة في اصعب الظروف واحلكها وكذلك  في مجال الحصول على السلاح وتصنيعة رغم الحصار والمراقبة والعملاء كذلك وقدرتها على ادارة المعركة ببراعة ورباطة جأش والتزام بالخطة وعدم الارتباك والسيطرة على الوضع الداخلي وادارته اثناء الحرب رغم المتربصين والمتنفعين كما واظهرت قدرة في العمل الاستخباري والتضليل والاختراق والحصول على المعلومات وتحصين الكوادر والقادة والمؤسسات السرية والمعلومات من الاختراق او التصفية او المتابعة .. وهذا كله له مردود نفسي ومعنوي كبير في عملية الاستقطاب والتعبئة والتنظيم والتجنيد لصالح حركة حماس في الاوساط الفلسطينية مستقبلا مما يشكل وضعا تصاعديا لشعبية حماس وثقلها بين الحاضنة الفلسطينية والمحيط العربي والاسلامي سوف تظهر نتائجه قريبا في قدرتها على بناء مصداقية عملية وفعلية وحقيقية تخدمها في الحصول على شرعية التمثيل الفلسطيني في الداخل والخارج على حساب السلطة المهترئة وفتح المتراجعة بعد ان تكشفت كل الاوراق ولم تعد هناك اقنعة للتستر تحتها ، وهذا بحد ذاته هو اكبر من نصر واعظم للمقاومة ولحركة حماس ، لم يكن ليكون لولاء هذه الحرب والحماقة الاسرائيلية التي برزت وكشفت كل ذلك ..   

سادسا ـــ ان حجم الضحايا والدماء التي سالت من المدنيين والاطفال والابرياء والدمار الذي حدث في غزة من قبل الوحشية الإسرائيلية هي الحماقة بعينها فقد حسمت ثلاثة مسائل مهمة وخطيرة لصالح المقاومة سوف تشكل سابقة وكارثة على اسرائيل وشعبها اليهودي وسوف تدرك اسرائيل لاحقا ان حرب غزة هي اكثر من هزيمة عليها وهي في الوقت نفسة اكبر من نصر للمقاومة وقوى الممانعة وهذه المسائل هي :

ا ـ سقوط نظرية السلام الاسرائيلي وانهيارها سياسيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا واستراتيجيا ولم تعد هناك مصوغات لاية تسوية او سلام او تعايش بل وحسمت المسالة لمصلحة المقاومة وبرنامجها للتحرير على كافة الاصعدة

ب ـ اعطت اسرائيل بما ارتكبته سابقة ورخصة شرعية و تصريحا دوليا للمقاومة لاعادة العمل بالعمليات الاستشهادية التي وقف العالم ضدها في شرم الشيخ لانها تقتل المدنيين ..!! وهل هناك بعد الآن وبعد ما شاهده العالم في غزة من يلوم المقاومة على عملياتها الاستشهادية مستقبلا ؟ وهل هناك اعتراض بعد اليوم بعد المجازر التي ارتكبتها اسرائيل  لعودة هذه العمليات ؟.

ج ـ ان النقطة الاضعف في الكيان الاسرائيلي بل ومقتل اسرائيل كلها وعنوان انهيارها مستقبلا يتمثل في طبيعة واقعها السكاني والجغرافي حيث تجمع يهودي كثيف في رقعة مساحية ضيقة في نطاق جغرافي محدود في فلسطين، بل ان محيط تل ابيب وضواحيها فقط كفيل بانهيار الكيان الاسرائيلي فيما اذا وجهت له ضربة مفاجئة وقوية ومكثفة وشاملة ، وكان العائق في هذا السيناريو هو عدم قتل المدنيين ولكن بعد السابقة الاسرائيلية في غزة لا اعتقد ان هناك محظورات سيما ان الرئيس السوري بشار الاسد كان واضحا في هذا الامر في مؤتمر غزة بالدوحة حين شرح ذلك واجمله بقوله " ان اسرائيل  قد حفرت قبرها بيدها ".

سابعا ـ من الحقائق المهمة التي تعتبر نصرا ويجب الاستفادة منها مستقبلا والتي اكدتها هذه  الحرب بعد ان كشفتها حرب تموز بشكل كبير تظهر مدى هشاشة الكيان الاسرائيلي وتخوفه من تفككه امام وقوع الضحايا في صفوفه وهذا هو السبب المباشر الذي منع الجيش الاسرائيلي من اجتياح التجمعات السكانية في غزة وفضل ان يسجل في تاريخه جبنا وهزيمة كما سجلها في حرب تموز 2006على تكبد خسائر بشرية امام استبسال المقاومة  اذ ان تقديرات متكررة للموساد والشين بيت والاستخبارات الاسرائيلية تفيد ان وقوع خسائر بشرية كبيرة بين الجيش والمدنيين الاسرائيليين سوف يؤدي إلى تفكك الجبهة الداخلية وهروب اليهود خارج فلسطين وعودتهم الى أوروبا ، مما يعني ان يتم الاستفادة من هذه الحقيقة في التخطيط القادم لاية مواجهة مع إسرائيل . 

ثامنا ـ  في هذه الحرب كان هناك آمالا كبيرة وعريضة اكثر من أي حرب او مواجهة سابقة لدى قادة اسرائيل وحلفائها في المنطقة وعملائها في السلطة وعادة ما يكون الاحباط وتكون الفاجعة بحجم الآمال وعرضها وبالتالي تستطيع ان تتخيل حجم الهزيمة المعنوية والمادية من عدم القدرة على تحقيق هذه الامال ، لقد كانت الامال التي خيبها الله على يد المقاومة تتمثل بشكل دقيق في سلسلة اهداف مترابطة تتوج بهدف استراتيجي يغير وجه المنطقة تبدأ باسقاط حماس كحكومة وحركة مقاومة لتحل مكانها في غزة سلطة رام الله ورموزها بعد ان يتم تأليب الشارع عليها واعتقال قادتها وكوادرها واستقطاب ما تبقى بالاغراء المادي والابتزاز وصولا الى تسوية سلمية معدة مسبقا تشكل حلا للقضية الفلسطينية تغفل عودة اللاجئين وتكتفي بدولة فلسطينية قابلة للحياة منزوعة السلاح ومقيدة الحدود..وكان الأمل والتوقع في نسبة النجاح والقدرة في تحقيق ذلك هو 100% في بحر بضعة ساعات او بضعة ايام في اسوأ الاحوال  كيف لا والحديث عن جيش عرمرم يمتلك التكنلوجية ادقها والقوة اعظمها والامكانات المفتوحة دون قيود وهزم أربعة جيوش في ستة ايام وقد اعدوا العدة كاملة واستدعوا الاحتياط واستفادوا من عنصر المفاجأة ومن ولاء العملاء لهم ومساعدتهم في المعلومات واثارة الشارع في غزة ومن تغطية سياسية اقليمية ودولية وحملة اعلامية غير مسبوقة ويكفي ان نشير هنا الى تصريحات الرئيس الفرنسي ساركوزي الذي نقلها عن الرئيس المصري مبارك حين قال ان الرئيس مبارك قال له " يجب ان لا يسمح لحركة حماس بالانتصار في هذه الحرب " وكل ذلك بعد ماذا ؟ بعد حصار محكم للقطاع ساهم به من ساهم إلا من زبد الرمق للحياة لتحقيق الاهداف وتحقيق الامال وكانت النتيجة المعجزة بكل معنى الكلمة التي لم يتوقعها بشر ولا تخضع للحسابات ، لقد هزم الجمع وولوا الدبر دون تحقيق اية اهداف مهما صغرت وعادوا ليبحثوا في المربع الأول الذي كان ، تهدئة يستجدونها من حماس، لتفرض عليهم شروطا اكبر، فتح المعابر وأولها معبر رفح  بضمانات مقنعة ومثبتة .. أليس هذا اكثر من هزيمة لاسرائيل وعملائها واكبر من نصر للمقاومة وأحبائها وإذا لم يكن كذلك فماذا يكون !!!!        

تاسعا ـ وحتى نصل الى قناعة اكثر فيما ذهبنا اليه هناك سؤال ملح لماذا تأخرت اسرائيل في القيام بهذه العملية وكان بامكانها القيام بها منذ الحسم او سيطرة حماس على القطاع ؟ الجواب هنا ذو شقين الأول الإعداد والاستعداد والتدريب للجيش الاسرائيلي للقيام بهذه العملية على أكمل وجه وتحقيق الاهداف في اقصر وقت ممكن دون الوقوع في الفشل لان الفشل هنا ممنوع لانه يعني نهاية الطريق في معالجة موضوع المقاومة وحماس والسيطرة عليها وتصفية القضية بالتسوية المبرمجة  وبالتالي بقاء هذا التهديد وتناميه تجاه الكيان الاسرائيلي قائما الذي ربما قد يؤدي او يساهم مع الآخرين في زوال هذا الكيان .. والثاني الذي ربما لا يلتفت اليه البعض وهو ان استخدام القوة المفرطة بهذا الحجم وهذا الشكل لمدة طويلة كما حدث في غزة من قبل اسرائيل كان بمثابة" الكي " الذي هو العلاج الأخير في منظومة الطب الشعبي وما على المريض بعد ذلك سوى الشفاء او انتظار الموت الذي يسبقه الاحباط والتدهور النفسي والمعنوي لذلك يعتبر في العرف السياسي والاستراتيجي الورقة الاخيرة والنهائية في سفر القضاء على حماس وتصفية القضية والقضاء على المقاومة لذلك فان حجم الاحباط كبير لدى قادة الكيان والسلطة في رام الله وهم في حيص بيص ماذا يفعلون بعد ذلك سوى استجداء حماس للتهدئة ورجائها ان تكون طرفا في الحوار والتسوية كما طلب بليير رئيس الوزراء البريطاني السابق ذلك وهو رجل متنفذ ولا يقول الكلام جزافا إلا بعد توافق دولي … وهو حال مضحك ان تتراجع اسرائيل والقوى الدولية بعد حرب غزة ونتائجها امام حماس التي ينعتونها بالإرهاب ونحن نتذكر وزيرة الخارجية الاسرائيلية ليفني وهي تقف بجانب وزير الخارجية المصري في القاهرة قبيل الحرب على غزة وتقول بالفم الملآن وهي غاضبة وواثقة من تحقيق الاهداف تخاطب حماس ” كفى كفى كفى سوف نغير الوضع بالكامل ” ولكن أين ذلك من النتائج بعد الحرب  ..

نعم ان كل ذلك يؤشر الى حجم المأزق الذي أفرزته حرب غزة فهي حرب لها ما بعدها وسوف نرى تداعيات اكثر واكبر تخدم المقاومة وبرنامجها بشكل اكثر لا تخطر على بال احد فهل بقي هناك من لا يعتقد ان ما حدث هو اكبر من انتصار للمقاومة واكثر من هزيمة لاسرائيل ولعملائها ..؟!!!

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ