-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  11/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تراثنا العلمي وحوار الحضارات

بقلم : يسري عبد الغني عبد الله*

لقد كتب الكثير عن تقدم العلوم العقلية والنقلية عند المسلمين في العصور الوسيطة ، وعن إسهام المسلمين بوجه عام في كل مجالات العلم والفكر ، وعن استفادة الغرب فيما بعد من ازدهار الحركة العلمية والفكرية في العالم الإسلامي ، ولذلك يقول البعض : ليس ثمة ما يدعو إلى فتح ملفات هذا الموضوع من جديد .

وفي رأينا أن هذا الموضوع لا ينتهي بالتقادم ، أو بالطرح الموسمي ، وعليه فإن أي حديث عن تعدد الثقافات أو الحوار بين الحضارات ، أو قضية التأثير والتأثر ، أي حديث في هذا السياق لا يمكن أن يخلو من الإشارة الصريحة إلى جهد المسلمين في تقدم العلوم ، في نفس الوقت الذي يجب أن نعترف به بإسهامات عدد كبير من أهل الاستشراق بالذات في إبراز فضل المسلمين على الحضارة الغربية ، وعلى التقدم العلمي الحديث لديه .

نقول : إننا في أمس الحاجة إلى ضرورة إلقاء الضوء الكاشف مرات ومرات ، على هذه الناحية ، ناحية الدور الذي قام به أهل الاستشراق في مجال خدمة تاريخ العلوم عند المسلمين ، وذلك بما قاموا به من تحقيقات علمية ، وأبحاث ودراسات ، وكتابة مقالات وآراء حول دور المسلمين في النهوض بالعلم .

وعندنا : إن هناك العديد من الجوانب المتعلقة بالتراث العلمي الإسلامي في حاجة إلى المزيد من الدراسة والتأمل والتفكير والتحليل ، خاصة وأن وقتنا الحالي بما فيه من تداعيات وملابسات والتباسات يحتم علينا المزيد من الاهتمام بتراثنا العلمي ، واضعين في الاعتبار أن أي حديث عن اهتمام أهل الاستشراق بتراثنا العلمي سيضع في اعتباره الحديث عن دور المسلمين في العطاء العلمي للبشرية ، بعيداً عن أي تعصب أو ادعاء أو مبالغة .

ونعترف هنا أن هناك بعض الجهود التي تبذل في العالم الإسلامي بهدف إحياء التراث العلمي الإسلامي ، ولكن بكل أسف نلاحظ أن هذه الجهود كثيراً ما تتكرر بدون أدنى تنسيق بين الجهات المنوطة بذلك ، وهذا يؤدي إلى ضياع الكثير من المال والوقت والجهد ، وحبذا لو انطلقت هذه الجهود من إطار علمي منهجي سليم .

إن الاهتمام بالتراث العلمي الإسلامي يجب أن يقابل من جميع مؤسساتنا العلمية والتعليمية والثقافية بالترحيب والتشجيع ، بعد أن طال إغفاله وإهماله والانصراف عنه .

نعود بعد ذلك لنقول : معنا الآن ابن النديم ، الذي ولد ونشأ ، في بغداد العباسية خلال القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) والذي عني بالتاريخ واللغة والأدب ، وشهرته في التأليف مرتبطة بتأليفه لكتاب ( الفهرست ) وهو في نشأة العلوم ، وأقدم الكتب في هذا المضمار .

ويعد كتاب ( الفهرست ) لأبن النديم من أهم الكتب في تاريخ الثقافة العربية الإسلامية ، فهو وثيقة مهمة يمكن لنا أن نتعرف من خلالها على ملامح الازدهار الثقافي ، ولقاء الثقافات والحضارات في إطار الحضارة الإسلامية ، وهذا ما نؤمن به ، وندعو إليه بعيداً عن أكذوبة صراع الحضارات أو نهايتها ، واضعين في الاعتبار أن الله تعالى خلقنا فوق المعمورة الأرضية من أجل أن نتعارف ، ونتفاهم ، ونتبادل الآراء والخبرات والأفكار ، من أجل أن نتعاون ونتضامن ونتكاتف ، وهدفنا في كل ذلك هو السعي من أجل واقع معاش أفضل وأحسن للبشرية جمعاء .

إن نحو ثلث كتاب الفهرست لأبن النديم ، يتناول الرافد الأجنبي ، وتأثيره في الحضارة الإسلامية ، وعليه فإن هذا الكتاب يعد من هذه الزاوية مصدراً مهماً يدلنا على المعرفة العميقة الواعية بتراث اليونان والفرس والهنود .

لقد بذل المسلمون جهوداً كبيرة من أجل نقل هذا التراث ( تراث الآخر ) والإضافة إليه ، بعد أن استوعبوه جيداً ، ونقدوه ، وحذفوا منه الكثير الذي لا يتناسب مع العقل أو المنطق ، أو الذي لا يتفق مع ثوابتهم ، وكان ذلك في جميع التخصصات : الفلسفية ، والرياضية ، والطبيعية ، والطبية ، والموسيقية ، والكيميائية .. الخ ..

هذا ، وقد خصص ابن النديم صفحات للحديث عن ( جالينوس ) أشهر أطباء اليونان ، وعن مؤلفاته التي قام حنين بن إسحاق وتلاميذه من المترجمين المسيحيين السريان بترجمتها في العصر العباسي .

والسريان ـ كما نعلم ـ هم أبناء اللغة السريانية ، وكانت هذه اللغة من أهم لغات بلاد الشام والعراق قبل الإسلام ، وظلت مستخدمة عند بعض الجماعات إلى جانب اللغة العربية في إطار الدولة الإسلامية ، والحق يقال أن السريان أسهموا في حركة ترجمة تراث اليوناني إلى السريانية ، وإلى العربية ، كما أسهموا بعلمهم في النهضة العلمية الإسلامية .

وفي نفس الوقت لا ننس أعلام الطب الإسلامي ، مثل : أبي بكر الرازي ، طبيب الدولة الإسلامية الأول ، الذي ألف أكثر من مائة كتاب في علوم الطب ، فهؤلاء جميعاً ذكرهم ابن النديم ، وعرفنا بجهودهم في التأليف والترجمة ، ولهذا يعد كتاب (الفهرست ) من أهم الكتب الدالة على أهمية التعددية الثقافية ، وضرورة لقاء الثقافات والحوار بينها ، من أجل نهضة فاعلة لسائر الأمم .

وبهذه المناسبة يجب القول أن الثقافة اليونانية كانت أكبر تأثيراً في العلوم العقلية التي ألف فيها المسلمون مثل الطب ، والرياضيات ، والفلسفة وغيرها .. وإن الثقافة الفارسية كانت أكثر تأثيراً في الأدب العربي ، وفي نظام الحكم ، وفي الفنون بوجه عام .. والمجددون في الأدب العربي نثراً وشعراً كانوا من أصل فارسي .

نقول : نحن لا ننكر فضل أهل الاستشراق على تاريخ العلوم العقلية الإسلامية ، مهما كان اختلافنا مع بعضهم في بعض المنطلقات الفكرية .. إن لأهل الاستشراق الباع الأجل في الكشف عن تاريخ العلوم عند المسلمين ، وهو فضل رائع وعظيم ، يعيه ويدركه جيداً كل من له اضطلاع ، ولو قليل في مجال الدراسات الإسلامية ، أو في تاريخ العلوم الطبيعية .

لقد تناول أهل الاستشراق التراث العلمي الإسلامي بالتحقيق والتمحيص والدرس ، والمقارنة بينه وبين أصوله اليونانية والهندية ، وتأثيره على الغرب في العصور الوسيطة ، وأوائل العصر الحديث .

وعليه فلا ضرر ولا ضرار أن نقوم بدراسات وأبحاث تحاول أن تعرض لأطراف مما قاموا به ، ولا بأس أن تكون هذه الدراسات مسهبة ومعمقة ، أو تكون سريعة عاجلة غير مستقصية أو مستفيضة ، وهذا النوع الأخير ممكن أن يكون في شكل مقالات تنشر في الصحف السيارة ، أو في المجلات العامة ، أما النوع الأول الذي ينطلق من الإسهاب والتفصيل فيحتاج إلى مجلدات ومجلدات ، ويكفي أن يعلم القارئ أن مجرد السرد الببليوجرافي لجهود أهل الاستشراق في دراسة العلوم الإسلامية ، يمكن أن يستغرق بمفرده أكثر من ألفي صفحة أو ما يزيد على أقل تقدير .

فلا غضاضة بالمرة من أن نعترف بجهد الآخر ، والآخر هنا قدم خدمة جليلة لتراثنا العلمي ، فما المانع من أن نشكره ونقدره ، ونحاول أن نطور ونعمق ونجود ما قام به ، ونبدأ من حيث انتهى ، ومهما اختلفنا معه ، فإن الود لا يفسد للعلم والفكر الإنساني قضية .

ويرى كاتب هذه السطور أن أوضح وسيلة أو طريقة لتناول موضوع جهود أهل الاستشراق في خدمة العلوم العقلية الإسلامية ، هو أن نتناوله : علماً علماً ، وبالطبع قد لا يتمكن أي باحث من ذكر أو الحديث المفصل عن كل العلوم ، إذن فلا ضرر إذا قام بذكر بعض ما قام به هؤلاء المستشرقون في دراسة تاريخ العلم العربي ، وبحثه وتحقيق نصوصه .

وختاماً : فليس عيباً على الإطلاق أن نسعى لعلم الآخر أو فكره ، نفحصه ، ندرسه ، نتأمله ، ننقده ، ثم نأخذ منه ما ينفعنا ، وما يصلح لنا ، وما يتفق مع ثوابتنا .

ــــــــــ

* باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية

ayusri_a@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ