-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الدكتور
حسن هويدي .. كما
عرفته، يرحمه الله الطاهر إبراهيم لم يجمعني بالدكتور حسن هويدي سنٌ
متقاربة. فقد كان هو من الرعيل
الأول لجماعة الإخوان المسلمين
في سورية. فقد توفي -رحمه الله
تعالى- عن أربعة وثمانين عاما،
بينما لم أجاوز الستين إلا
قليلا. ولعل أول معرفة لي به
كانت في النصف الأول من ستينيات
القرن العشرين، حيث جلسنا نستمع
–في أسرة إخوانية- إلى خطبة له،
لعلها كانت في صلاة جمعة. وكان
مما علق في ذهني من تلك الخطبة
هو ذكره للمثل المعروف: "عنزة
ولو طارت". دارت الأيام، ووقعت الأحداث المؤسفة في
سورية في عام1979. وقد وجد الإخوان
المسلمون أنفسهم يُدفعون إليها
دفعا. فهاجر أكثرهم خارج القطر،
-منهم الدكتور هويدي- هربا من
الفتنة التي اكتوى بنارها خلق
كثير من السوريين. كنت ممن فر
بدينه وروحه. وقد جعل الله هجرتي
إلى مكة المكرمة، لألتقي في عام
1981 بالدكتور حسن هويدي في
المدينة المنورة، حيث كان يعمل
طبيبا بأحد المراكز الصحية . لم
يلبث إلا قليلا حتى غادر
المدينة المنورة وهو لها محب ،
وقد اختير مراقبا عاما للإخوان
المسلمين، بعد توحد كلمتهم
ثانية بعد فرقة دامت 10 سنين. لاأريد أن أجعل كلامي في رثاء الشيخ
الدكتور "حسن هويدي" حول
رحلته الدعوية مع جماعة الإخوان
المسلمين، فلعل غيري يكون أقدر
على ذلك مني وأعرف. وسأقتصر على
معرفتي به عن قرب، من خلال
لقاءاتي به في موسمي الحج
والعمرة، وجارا لي في عمّان
أيضا. بعد أن ترك الشيخ "حسن هويدي"
المدينة المنورة، حرص أن يُبقي
على دار له فيها استأجرها كي
تكون منزلا يأوي إليه عندما
يزور المملكة العربية السعودية
لسبب أو لآخر. وكان يأتي مكة
المكرمة حاجا، فقد حرص أن لا
يفوته الحج في كل عام ما لم
يحبسه حابس الفيل. وكان يستأجر
في مكة المكرمة بيتا متواضعا
ينزل فيه أثناء الحج. وقد قدّر
لي أن أحج معه مرتين أو أكثر،
فكان لا يتخلف عن عادة له يسلكها
في كل مرة يريد الحج. ومع أنه لو أراد، لكان ضيفا مرحبا به عند
كثيرين من أهل الخير والضيافة
في مواسم الحج. لكنه أبى أن يرزأ
أحداً في مركب أو مأوى أو نفقة،
لأنها عبادة يحرص أن تكون من
حسابه. فكان يصعد "عرفة" في
سيارة "نص نقل" لأحد معارفه
السوريين البسطاء فجر اليوم
التاسع من ذي الحجة. فحيث وجد
مكانا نصب خيمته الصغيرة،
يقسمها إلى قسمين يشغل هو نصفها
ومن يرافقه من أصحابه، ويشغل
النصف الآخر نسوةٌ تكون زوجه أم
محمد إحداهن. فإذا قَرُبَ وقت
العصر نشط في الدعاء، هو ومن معه.
ويبقى في ذكر الله إلى قبيل
الغروب. أما صلاته في النوافل، فما عرفت شبيها له
في إتقانها وخشوعها إلا الشيخ
"عبد الله المطوع"
"أبو بدر"، علم الكويت
الفريد، ورجل الخير في الملمات
رحمه الله تعالى. وكثيرا ما كنا
نلتقي -أيها الثلاثة- في دار
الشيخ "أبو بدر" في حي
النزهة في مكة المكرمة، وكلا
الشيخين كان له في دعوة الإخوان
المسلمين، سابقة طيبة تذكر.
فكنت أنصت لأستمع منهما الفرائد
والفوائد. كان الدكتور حسن هويدي رحمه الله تعالى
أحد رجال ثلاثة من الإخوان
المسلمين، فرسانا لا يشق لهم
غبار عندما يقف الواحد منهم
خطيبا. أما الأول فكان الشيخَ
مصطفى السباعي رحمه الله تعالى
علمَ سورية في القرن العشرين،
مؤسس جماعة الإخوان المسلمين
وأول مراقب عام لها. وأما
الثاني، فكان الأستاذ عصام
العطار أمتع الله به وأطال في
عمره في خدمة الإسلام
والمسلمين، وهو المراقب العام
الثاني للإخوان المسلمين
خَلَفَ الشيخ السباعي من بعده،
بعدما أقعد المرض السباعي .أما
الثالث فكان الدكتور الشيخ "حسن
هويدي" رحمه الله تعالى.
فلطالما استمعت للفقيد يتدفق
خطيبا، وحتى لو قدم للخطابة عن
غير ترتيب سابق. ومع أن الشيخ حسن هويدي طبيب متمرس تُعرف
له خبرته في الطب، فقدكان فقيها
ثبْتا مدققا عالما في فنون
الفقه، يشهد له فيه فقهاء كبار،
يرجعون إليه في المسائل التي
تشتبه عليهم. كما كان يلتزم
الفقه الحنفي في صلاته يرحمه
الله تعالى. ورغم فقهه الواسع،
كان لا يجد غضاضة في أن يستأنس
بآراء إخوانه في مكة المكرمة
إذا أشكل عليه شيء من مناسك
الحج، حيث يقول: أهل مكة أدرى
بشعابها. كما كان رحمه الله على
دراية واسعة بتفسير القرآن،
يعجبك منه فهمه الدقيق لآيات
يفوت معناها على كثير من
العلماء. ولا يفوتني في نهاية هذه العجالة أن أعزي
بالشيخ "حسن هويدي" أهلَ
سورية، وخصوصا أهل مدينته دير
الزور عروس نهر الفرات، وقد
وافته المنية صباح يوم الجمعة 16
من ربيع الأول من عام 1430. يرحمك
الله يا أبا محمد في الأولين،
ويرحمك الله في الآخرين، وأحسن
الله عزاءك بين إخوانك من
السوريين المهاجرين، وقد هاجرت
إلى الله طمعا بما عنده عما كنت
تجده في بلدك سورية. أسكنك الله
فسيح جناته جنات الخلد، مع
إخوانك المجاهدين، في مقعد صدق
عند مليك مقتدر. وقد جاء في وصية الفقيد المكتوبة يرحمه
الله تعالى:
"وصيتي": أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،
وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن
الله يبعث من في القبور، وأوصي
أهلي جميعا أن يتقوا الله،
ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا
الله ورسوله، ويوفوا بالعهد إن
العهد كان مسؤولا. وأوصيهم بما
أوصى به رسول الله صلى الله عليه
وسلم وبما أوصى به إبراهيم
ويعقوب عليهما السلام : ( يا
بنيََ إن الله اصطفى لكم الدين
فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . يرحم الله أبا محمد رحمة واسعة وأسكنه
فسيح جناته، وإنا على فراقه
لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي
الله تعالى. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |