-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
كالنقش
في الحجر... الدكتور
عثمان قدري مكانسي أخذت
الأولاد الصغار أمس إلى المسجد
،كعادتي كل يوم ، بل إن أطفال
الجيران يدقون عليّ الباب كلما
أذن للعشاء لآخذهم معي إلى
صلاتها ، إنهم بين السادسة
والاثنتي عشرة ، أضعهم في
السيارة وأنطلق .. أتدرون
لماذا يسرعون في الذهاب معي إلى
صلاة العشاء؟ عوّدتهم أن أشتري
لهم " شيبس " أو " بفك "
أو " ساندويشة فلافل " قالت
زوجتي : لِمَ هذا المصروف
الزائد؟ ولسنا أغنياء ، وبعضهم
ليسوا أبناءك ، فكيف تصرف عليهم
؟ قلت
ضاحكاً : سعادتي وهم معي ينتظرون
مكافأة الذهاب إلى الصلاة تعدل
أضعاف ما أصرفه عليهم . .. لا تنسي
أنهم رجال المستقبل ، فإذا
تعودوا الصلاة منذ الصغر فقد
تأصّلت فيهم ، وما عادوا
يتركونها ، وسيكون لي مثل أجرهم
- كما أخبرنا الحبيب المصطفى صلى
الله عليه وسلم ، هذا بالإضافة
أنهم سيكونون مسلمين مؤمنين
يربون أبناءهم مثلما أفعل معهم
الآن ، وسيرون ثمرة ما فعلته
معهم ، وسيدعون لي وأنا في قبري
، فيزداد رصيدي من الحسنات ،
وأنا بحاجة إلى هذا الصنف من
المال الذي يزيد ولا ينقص . قلت :
إنني أخذتهم كعادتي إلى المسجد
، ووقف حولي بين المصلين ستة
منهم . أما السابع - وهو ابن جاري
، في الصف الأول - فقد رأى صديقه
في المدرسة ، ولعبا ، وأصدرا
أصواتاً أزعجت بعض المصلين ،
فما إن انتهت الصلاة حتى
طردوهما خارج المسجد ، فلما
عرفت الأمر ، وخرجت بعد صلاة
السنة البعدية تعمّدت العبوس ،
وقطّبت حاجبيّ . وقلت لهذا الولد
الصغير الذي كان أول من يدق جرس
البيت عليّ : لن آخذك مرة أخرى
إلى الصلاة معي ، فقد أثبتّ أنك
طفل صغير ، لا تستحق أن تماشي
الرجال .! ابتسم
أصحابه ، وتغامزوا ، وسكت هو،
فلم ينبس ببنت شفة ، فقد علم أنه
أخطأ حين لعب وأصدر في المسجد
الضجة التي آذت المصلين ، فلما
أخذ كل منا مكانه في السيارة ،
نظرت إليه ، من مرآتها ، فخفض
رأسه ، قلت بعد
قليل - وقد تركته يضرب أخماسه
بأسداسه - لا شك أن " حمزة "
رجل ، فأنا أعرفه كذلك ، وأعلم
أنه ليس من شيمته اللعب في
المسجد ، إنما يسرع فيقف إلى
جانبي ويصلي بخشوع ، إلا أنه
أخطأ اليوم عن غير قصد . ألست
كذلك يا ولدي ؟! أجاب
مسرعاً بلى يا عماه ، فصديقي
سالم جرّني ، فلم أنتبه ، ولعبنا
معاً ، إنه ولد مشاغب ، ولن أكون
مثله إن أخذتني إلى المسجد مرة
أخرى .. تظاهرت
أنني سأحرمه من المكافأة هذه
الليلة ، فلما اشتريت أكياس "
الشبس كان ينظر إليّ بطرف عينه ، فلما
قدّمت له نصيبه على أنه أخطأ ،
والمسلم خطّاء ابتسم وأمسك بيدي
وقال : سأكون رجلاً يصلي ولا
يلعب . فقلت له : هكذا أنت دائماً
، وأنا أثق بك يا ولدي .. وفي هذا
المساء كان أول من يدق عليّ باب
البيت ، ويجلس في السيارة إلى
جانبي ، ويصلي معي بكل " خشوع
وأدب " فساندويشة الفلافل
تستحق ذلك الخشوع وتلك
الطمأنينة .. وكنت
بهم سعيداً فأنا أعده وإخوته من
الأولاد ليكونوا رجال الأمة
ومجاهديها . ولا بد من الصبر
والحكمة في التعامل مع هؤلاء
الرجال الصغار .. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |