-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  18/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فوضى الإنسان العربي في العالم الافتراضي

أ.د. محمد اسحق الريفي

تعاني مجتمعاتنا العربية من ظاهرة مَرضية يمكن تسميتها "فوضى الإنسان العربي"، وتنتشر هذه الظاهرة في العالم الافتراضي، ويسببها فيروس افتراضي يصيب الإنسان في عقله وضميره، ويؤدي إلى اختلال منظومات المبادئ والقيم والأخلاق وتحطيم مسلمات المنطق والتفكير، فتعم الفوضى الفكرية والسلوكية.

 

وما يزيد الأمر خطورة، أن المريض ينكر إصابته بالمرض ويُسقط عيوبه نفسية والاجتماعية الناتجة عن المرض على خصومه، عملاً بالقول "ورمتني بدائها وانسلَّت"، بل يرى المصاب أن سبَّ الناس وشتمهم واتهامهم واجب عليه ويبرر ذلك بسعيه للدفاع عن الخير ونشر الفضيلة، بينما هو في حقيقة الأمر يعمل شراً وينشر الرذيلة.  ومن أخطر أعراض هذا المرض: الانفصام، فقدان الشجاعة الأدبية، المبالغة ونشر الشائعات، التقلب الضميري الحاد والمزمن، استباحة حقوق الآخرين، الكذب والتقمص،...

 

وينتشر هذا المرض في أوساط المجتمعات الافتراضية المفتوحة، التي يختلط فيها ناس من خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة، وتباح فيها الأسماء الوهمية، لإخفاء الشخصية الحقيقية، والتنصل من الأخلاق والمسؤولية!  ورغم أن التنوع الثقافي من الممكن أن يساعد على نشر الوعي وتعميقه وإنضاج الفكر وإثرائه وتعزيز السلم الاجتماعي في مجتمعاتنا، فإن الكثيرين يتخذونه فرصة لتجاوز الاعتبارات الأخلاقية والدينية.

 

وفي الحقيقة، تجربة الإنسان العربي في العالم الافتراضي محزنة، وكان من المفترض أن يبادر الإنسان العربي إلى غزو هذا العالم واكتشاف إمكاناته المختلفة، ليسخرها في خدمة قضايا الأمة وفي تحسين ظروفه الحياتية وإبلاغ رسالته للعالمين.  وكان الأولى بالإنسان العربي أن يلج العالم الافتراضي بنفس صافية وأخلاق راقية بعيداً عن المشاكل التي أشقته في عالمه الحقيقي، تاركاً أخطاءه الاجتماعية المتراكمة وتجاربه الفاشلة، ليتمكن من إقامة عالم جديد يجد فيه حريته المفقودة في واقعه البائس والمتأزم...!!

 

ولكن الإنسان العربي، مع الأسف، أخذ معه إلى العالم الافتراضي فشله ومشاكله وأخطاءه التي أوصلته إلى واقعه المأزوم، وكأن هذه المشاكل هي جزء من شخصيته وكيانه ووجوده!  ولم يحسن الإنسان العربي العيش بسلام في العالم الافتراضي المعقد والخطير، فتعرض للإصابة بأمراض شتى أخطرها مرض "فوضى الإنسان العربي".  فقد سنحت الفرصة للإنسان العربي في العالم الافتراضي للتهرب من التزاماته الدينية والأخلاقية، ليعيش في عالم من الفوضى والتخبط والانفلات الأخلاقي، وكأن لسان حاله يقول: "البلد التي لا تعرف أحداً فيها افعل ما تشاء فيها"!  وهنا تكمن خطورة الأسماء الوهمية، لأنها تيسر لمن يستخدمها التخفي عن الآخرين، فيفعل ما يبدو له دون ضوابط أو مسؤولية.

 

ولا شك أن هناك نماذج رائعة للسلوك الراقي والملتزم في العالم الافتراضي، ولكن في المقابل هناك نماذج سيئة!  ولا يقتصر التوظيف السيئ للعالم الافتراضي على فئات المراهقين والشباب اللاهثين وراء الإثارة الجنسية والمناكفة السياسية، بل يشمل هذا التوظيف السيئ أيضاً النخب الثقافية، لحد أصبح من الصعب الوثوق بسكان العالم الافتراضي وما ينشرونه عبر المواقع الرقمية من معلومات وبيانات!!

 

ولذلك فإن المشاكل التي يعج بها العالم الافتراضي جديرة بالاهتمام في أوسع الدوائر الثقافية والاجتماعية والدينية، لأنها أصبحت مصدر قلق كبير لدى الحريصين على أبناء الأمة وأخلاقهم وقيمهم ومبادئهم الإسلامية، وأداة لزيادة تشرذم الأمة.  ومن أهم هذه المشاكل تحول مواقع الإلكترونية كثيرة إلى منابر للسبِّ والشتم والاتهامات، مما يبدد الجهود ويضيع الأوقات ويفسد أجواء العمل الرقمي الجماعي لنصرة قضايا الأمة وتوعية أبنائها وتعبئتهم.

فمتى يدرك الإنسان العربي أن العالم الافتراضي هو جزء من عالمه الحقيقي الذي لا ينفك عنه من حيث الأخلاق والقيم والمبادئ، وأن الله كما هو إله في العالم الحقيقي هو إله أيضا في العالم الافتراضي، وأن منظومة الأخلاق في العالم الافتراضي لا تختلف عنها في العالم الحقيق، وأن الله مطلع على ما نكتب وننشر من أفكار وآراء، وأن الملائكة يحصون كل صغيرة وكبيرة يفعلها الإنسان ويسجلونها في صحائف أعماله، لتعرض عليه يوم القيامة ويُسأل عنها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ