-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عدم
التثبت مرض يحتاج لعلاج طريف
السيد عيسى يعاني
البعض من أزمات صحية مثل : أزمة
قلبية , أزمة ربو ... الخ . و
حديثنا عن أزمة من نوع آخر يعاني
منها بعض المنتسبين للإسلام ,
ألا وهي أزمة عدم التحقق
والتثبت . وقبل
الخوض في هذا المرض العضال ,
لابد من تعريف التثبت . تعريف
التثبت لغة : طلب الدليل الموصل
إلى الثبات , التأكد من حقيقة ما
يعين على الثبات في الأمر ,
التأني أو التريث وعدم
الإستعجال , السرعة في الحكم على
الشئ دون طلب الدليل . تعريف
التثبت إصطلاحا : السرعة وعدم
التأني والتريث في كل ماله
علاقة بالمسلمين . يقول
الله تعالى ( وتقولون بأفواهكم
ماليس لكم به علم ). ورغم أن
الأصل في المسلم حسن الظن , لكن
مازال البعض يصر على قلب الأمور
وجعل الأصل في المسلم سوء الظن ,
لمجرد الخلاف حول قضية ما ,
والطامة عندما يتم تسويق هذا
الخلاف بطريقة أقل مايقال فيها
أنها غير أخلاقية ومن أجل خدمة
أهداف خاصة لاتمت للعمل
الإسلامي بصلة , حتى لو ادعى
العاملون ذلك . وتبدأ
هذه الأزمة من قطعة لحم تسمى
اللسان , تلك القطعة التي أودت
للمهالك , ووسعت مساحة التفرق
والشقاق . ( روى
الترمذي رحمه الله . عن معاذ بن
جبل رضي الله عنه قال : قلت
يارسول الله أخبرني بعمل يدخلني
الجنة ويباعدني من النار .قال :
لقد سألت عن عظيم , وإنه ليسير
على من يسره الله تعالى عليه :
تعبد الله لاتشرك به شيئا ,
وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة ,
وتصوم رمضان , وتحج البيت , ثم
قال : ألا أدلك على أبواب الخير :
الصوم جنة , والصدقة تطفئ
الخطيئة كما يطفئ الماء النار ,
وصلاة الرجل من جوف الليل – ثم
تلا : تتجافى جنوبهم عن المضاجع
– حتى بلغ : يعملون – ثم قال :
ألا أخبرك برأس الأمر وعموده
وذروة سنامه . قلت : بلى يارسول
الله قال : رأس الأمر الإسلام ,
وعموده الصلاة , وذروة سنامه
الجهاد . ثم قال : ألا أخبرك
بملاك ذلك كله . قلت بلى يارسول
الله . فأخذ بلسانه قال : كف عليك
هذا . قلت يارسول الله وإنا
لمؤاخذون بما نتكلم به . فقال :
ثكلتك أمك ! وهل يكب الناس في
النار على وجوههم إلا حصائد
ألسنتهم ) . إنه
اللسان الذي يورد المهالك ,
وطبعا الأمر لايقتصر على اللسان
, بل يشمل القلم الذي يخط البحوث
والمقالات والمؤلفات وغيرها ,
ويشمل الأصابع التي تضرب على
الكيبورد لتكتب , ويشمل كل وسيلة
للتعبير تنحو منحى
الشك والإتهام والطعن
والسخرية والإستهزاء ... الخ
. وهناك
من يتساهل في النيل من أعراض
الناس دون علم ولاتحقق ولا تثبت
ولا رادع ولا خوف من الجليل . والقاعدة
القرآنية تعلمنا كيف نتلقى
الأخبار؟ وممن؟ وماهو مصير من
يتلقاها من مصادر مشبوهة؟ : يقول
الله تعالى : ( يا
أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما
بجهالة فتصبحوا على مافعلتم
نادمين ) سورة الحجرات – آية 6. فعلى
المسلم عندما يقرأ أو يسمع خبرا
أيا كان هذا الخبر , فلا يتسرع في
تصديقه ثم يبني عليه موقف , بل
يتثبت ويتحقق ويتأكد ولا يجري
وراء الشائعات والظنون
والأوهام . والغريب
أن البعض عندما تأتيه بخير يخصه
فبماشرة يقول لك لاتتسرع ولا
تتعجل واحفظ غيبة أخيك المسلم ويبدأ
بسرد كل النصوص التي تدعوا
للتسامح والصفح والعفو , بينما
عندما يكون الخبر بحق جهة
لاتخصه أو يخص جهة يختلف معها فتراه
يتوسع في التشكيك والطعن
والإتهام , ولا يتذكر تلك النصوص
ويتجاهلها تماما !!! ( روي في
الأثر عن الترمذي : الأناة من
الله والعجلة من الشيطان ) . وصدق
الشاعر : وعين
الرضا عن كل عيب كليلة --- ولكن
عين السخط تبدي المساويا . فإذا
كان الوحي قد انقطع ولم يعد
بالإمكان توفر الدليل وخاصة في
الأمورالتي لانملك عليها دليل ,
فإن هذا الدين علمنا ضوابط
التحقق وعدم التسرع في الشك
مالم يتوفر لدينا دليل لايقبل
التأويل ( يقول ابن قدامة : فليس
لك أن تظن بالمسلم شرا إلا إذا
انكشف أمر لايحتمل التأويل , فإن
أخبرك بذلك عدل . فمال قلبك إلى
تصديقه , كنت معذورا ... لكنه أشار
إلى قيد مهم فقال : بل ينبغي أن
تبحث هل بينهما عداوة وحسد ؟ ). 1 – (
روى ابن ماجة بسند صحيح عن ابن
عباس رضي الله عنهما أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : لو
كنت راجما أحدا بغير بينة ,
لرجمت فلانة , فقد ظهر فيها
الريبة , في منطقها وهينتها ومن
يدخل عليها ) ورغم ذلك لم يرجمها
صلى الله عليه وسلم لأنها لم تقر
وتعترف , ولم يقذفها بلفظ الزنا . فأين من
يتصدرون لرفع لواء الدعوة من
ذلك كله , فتراهم في المجالس قمة
في التنظير ولو ترك المجال
ليتحدث في المثاليات لبقي ساعات
طوال يتحدث , لكن عندما يمتحن
كلامه على أرض الواقع فتجد
تناقضا عجيبا غريبا !!! ( أخرج
أبو داود والنسائي . أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أرسل
عليا رضي الله عنه إلى اليمن
قاضيا , فأوصاه : .... فإذا جلس بين
يديك خصمان , فلا تقضين حتى تسمع
من الآخر , كما سمعت من الأول ,
فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء ). فكم
وقعت فتن بسبب التسرع والشك
وعدم التثبت , فمن تسرع وشك دون
تثبت فهو مخطأ مهما ساق من
مبررات ويعتبر تسرعه جهالة منه . ( ذكر
القاضي شهاب الدين الشافعي في
كتابه – آداب القضاء - : وعليه إن
لم يتضح له الحق تأخير الحكم إلى
أن يتضح ). ( قال
الشوكاني في تفسيره لقول الله
تعالى : يا أيها الذين آمنوا إن
جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا - : ومن
التثبت الأناة وعدم العجلة ,
والتبصر في الأمر الواقع ,
والخبر الوارد , حتى يتضح ويظهر
). لكن
المشكلة هي أن الخلاف بين جهتين
ينسف بينهما كل القيم , فما إن
تلوح لهم فرصة للشك حتى يسرعوا
في الشك والتمادي في النيل من
الآخرين ولا مانع عندهم من
إتهامات خطيرة تجعل المسلم خارج
دائرة الإسلام , بل يتم التلاعب
بالألفاظ ليبرروا فعلتهم , فهم
يفرقون بين الإتهام وبين الشك ,
يتجاهلون أن القضية
ليست في الألفاظ بل هي النيل
من سمعة الناس والتشهير بهم
سواء تم ذلك بالاتهام أو الشك . ( كتب
عمر بن عبد العزيز إلى أحد
أمرائه – عدي بن أرطأة أمير
البصرة – في قتيل وجد عند بيت
ولم يعرف قاتله : إن وجد أصحابه
بينة , وإلا فلا تظلم الناس , فإن
هذا لايقضى فيه إلى يوم القيامة
) . ويبررون
الشك بأن ذلك طبيعة بشرية , إنه
كلام حق يراد به باطل , حيث حتى
الشك يحتاج لقرائن , ويجب أن
يبقى الشك حبيس النفوس حتى يظهر
الدليل الذي لايقبل التأويل ,
أما يقال شك ثم يتم نشر هذا الشك
بين الناس , فهو عمل يقصد منه
التشهير بالناس والتهاون في
أعراضهم وهذا تعد وظلم . فلا بد
وخاصة لمن يتصدرون للدعوة أن
يتثبتوا ويتحققوا ولا يتسرعوا
في نقل أحاديث الناس ,ويتثبتوا
ويتحققوا مما
ينسب للناس , وعدم التسرع في
إتخاذ موقف معين بناء على مايصل
من أحاديث . فهناك
من تراه ناقلا لحديث لمجرد أنه
سمعه من فلان دون تثبت ولا تحقق (
روى مسلم . قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : كفى بالمرء
كذبا أن يحدث بكل ماسمع ). فلابد
من التدقيق والتمحيص والحرص
فيعرف الشخص بماذا يتكلم ومتى
يتكلم حتى لايقع في المحظور . وهناك
من ينتظر اللحظة التي يسمع فيها
خبرا أو موقفا ليصب جام نقده فلا
يدع مصطلحا من مصطلحات التخوين
والتشكيك والطعن
والإتهام إلا ويزين فيها
نقده . والطامة
عندما نتخذ بطانة لاهم لها غير
نشر الفتن بين الناس , ونقل
الكلام , والمشي بالنميمة , ومع
ذلك ندافع عنهم ونبرر طالما
أنهم يقفون معنا ويؤيدون موقفنا
, لكن ولمجرد أن اختلفوا معنا
فنشن عليهم حملة شعواء لاتبقي
ولا تذر . فمطلوب
منا التروي والأناة , وعندما
نتثبت ونتحقق فيصبح من واجبنا
التصويب والنصح وإبداء وجهة
نظرنا وقناعتنا , إبراء للذمة
وقياما بالواجب , حتى لاتتراكم
الأخطاء فيصعب تداركها في
المستقبل . كما أن
الناقل يجب ان يكون دقيقا
وأمينا , فينقل ما قرأ أو سمع
بدقة دون وضع البهارات
والتزيينات , فهناك من يقوم بنقل
فهمه لما قرأ أو سمع , وطبعا يكون
فهمه حسب قناعته بالجهة التي
ينقل عنها , فإن كانت ممن يتفق
معها فتراه ينقل عنها نقلا
إيجابيا , وإن كانت ممن يختلف
معها فينقل عنها نقلا سلبيا . إن
الجري وراء الظنون والأوهام
والتخمينات الخاطئة والشكوك
وعدم التثبت والتحقق , إنما هو
سلوك يؤدي - 2 - لتدمير
حياة الناس , ويعرقل مسيرة
الدعوة, ويوسع دائرة الشقاق ,
وينشر الشائعات , ويشكك
بالعلماء والمفكرين والدعاة ,
ويؤدي لعدم الثقة بهم , بل ربما
يدفع ضعاف النفوس لترك هذا
الدين بسبب تلك السلوكيات الغير
مسئولة . ( قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر
فليقل خيرا أو ليصمت ). فالشك
كلمة تشعل الحرائق , وتقطع
الأواصر , وتفسد الود , وتدمر
المجتمع . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |