-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء  25/03/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عندما سقطت بغداد كنت هناك

مشاهدات حية على جريمة احتلال العراق

(3)

رشيد شاهين

ادركنا ان هنالك معركة تدور رحاها قريبا من البيت، لم يخب ظننا هذا فقد كانت معركة حقيقية وليس مجرد وهم او اشتباه، فبعد ان خرجت الى الشارع لاستطلع الامر وجدت مئات الأشخاص يتراكضون قادمين من جهة الطريق السريع المؤدي الى المطار باتجاهنا، وعندما استفسرت عن الأمر قيل لي بان هنالك إنزال قامت به القوات الأمريكية قريبا من المكان وان معركة حامية الوطيس تقع  بين القوات الغازية والعراقيين النشامى.

لقد استمرت المعركة على الطريق السريع المؤدي إلى السيدية والدورة كما إلى المطار أكثر من ثلاث ساعات، لقد كان بالإمكان معرفة كم هو حجم الشراسة في هذه المواجهة، لشدة وكثرة ما تم استعماله من قذائف وإطلاق نار بدون توقف، لقد كانت معركة شرسة وقاسية على ما يبدو سقط فيها العشرات من الضحايا المدنيين والعسكريين والفدائيين كما المتطوعين العرب، كل هؤلاء استماتوا في القتال، وقد أوقعوا خسائر فادحة في الجانب الأمريكي.

كنت أرى الناس يتراكضون في كل اتجاه هربا من جحيم المعركة, وكان الكل يتحدث عن حجم القتل والدمار وشدة القتال، لقد سمعت الكثير من القصص عن البطولة والتضحية والفداء،  فقد التقيت بعدد من الفدائيين والمتطوعين العرب الذين شاركوا في تلك المعركة وتحدثت إليهم، لقد كان لديهم إحساس بالنشوة عالٍ برغم كل الخسائر التي وقعت، فهم استطاعوا ان يصدوا احد اكبر الإنزالات التي قامت بها القوات الاميريكية في تلك المنطقة والتي يبدو انها كانت مقدمة للاستيلاء على المطار.

تحدث بعضهم ربما وبمغالاة عن خسائر كبيرة في صفوف الاميريكيين، كانوا يتحدثون بكثير من الاعتداد بالنفس، حيث بدا ان تلك المعركة اعطتهم مزيدا من الثقة على ان بالإمكان مواجهة العدو خاصة في ظل كل ما استعمله هذا العدو من طائرات وصواريخ استطيع ان اشهد عليها، كانوا يتحدثون بإصرار عن مشاركة "السيد الرئيس" في تلك المعركة، كانوا يقولون انه كان على ظهر سيارة رباعية الدفع ويحمل قاذفة آر بي جي وانه شارك معهم في التصدي للقوات الاميريكية لا بل أكدوا انه قاد المعركة حتى النهاية.

لقد اندفع الى المكان مئات العراقيين بعد ان توقف القتال وانسحبت القوات الاميريكية، لقد شاهدت العشرات من الجثث في الشوارع والكثير من الجرحى، ولحسن حظ هؤلاء ان مستشفى اليرموك كان قريبا جدا، لقد تم نقل العشرات ان لم يكن المئات من الجرحى الى تلك المستشفى كما الى غيرها، وقد شاهدت عدة آليات اميريكية لا تزال في ارض المعركة شاهدة على خسائر الاميريكيين، تلك الخسائر التي لم تتحدث عنها القوات الاميريكية.

بعد ان سكتت المدافع بوقت قليل بدأت القوات الاميريكية بدك المنطقة بقذائف من كل الجهات، كان قصفا مجنونا بدا بالنسبة لي وكأنه انتقام من هذه المنطقة التي استطاعت صد الإنزال وإلحاق الكثير من الخسائر في صفوف من شاركوا به، كانت أصوات بعض الانفجارات تصم الآذان وهي ما كان يسمى بالحاويات، واشتد القصف على المضادات الارضية التي كانت منتشرة في المنطقة، كنا نميز الصواريخ من العصف الذي يحدثه مرورها من فوق رؤوسنا، كانت شدة عصف تلك الصواريخ تكاد تسحبنا معها، وقع احد الصواريخ على بيت لا يبعد سوى اقل من خمسين مترا عن البيت الذي التجأنا اليه، قتل من قتل وجرح من جرح ودمر البيت، وسقطت عدة صواريخ على مدرسة قريبة كما سقط أكثر من صاروخ على ما يعرف بالأسواق المركزية في المنطقة، لقد أصبحت المنطقة عرضة لكل أنواع القصف وهذا ما صار يشكل خطورة أخرى وبالتالي دافعا جديدا للتوسل من الأهل والزوجة كما رعب الأطفال بمغادرة المنطقة إلى مكان أكثر أمنا، وهذا ما كنت اعتقده عندما حاولت ان أكون ناصحاً بان الانتقال سيصبح عملية بدون توقف.

 

هروب آخر

لقد قررنا الانتقال الى بيت صديقي الذي هو في واقع الأمر احد الانسباء، وكان هذا البيت يقع في الرصافة اي في القسم الشرقي من بغداد، وهكذا انتقلنا الى حي اور حيث يسكن أبو علي وهذا  هو اسمه، كان يعمل في شرطة النجدة وهو شاب في الثلاثينات من عمره، لقد استقبلنا بكل ترحاب كما هي عادة العراقيين، وأقمنا في بيته حتى انتهت الحرب، كان مسؤولا عن دورية للنجدة وكان القاطع الذي يخدم فيه يقع في نفس منطقة سكنه، وهذا ما أتاح له ان يأتي الى البيت بين الفينة والفينة، كان برفقته اثنين من الزملاء وأحيانا ثلاثة، كانوا يأتون الى البيت لشرب الشاي او تناول وجبة من الطعام.

ما لفت انتباهي هو انهم كانوا يتلقون اوامر من جهة عسكرية ما عبر جهاز اللاسلكي تطلب منهم استطلاع هذه المنطقة او تلك، وعندما استفسرت منه عن تلك النداءات اجابني بان ما يحدث هو انهم يتلقون هذه النداءات من قبل جهاز عسكري لم يسمه، يطلب منهم الانطلاق الى موقع ما في مكان ما لاستطلاع حقيقة المعلومات التي تقول ان هناك اخباريات تشير الى انه قد يكون هنالك انزال معادٍ في تلك المنطقة، وعليه فان على الدورية ان تنطلق الى المكان المشار اليه ومن ثم تعود لتتصل بذاك الجهاز لاعطاء النتيجة، لقد كانت طريقة عقيمة تقليدية وقديمة في الاتصال والاستطلاع خاصة في ظل هذا التقدم في مجال تكنولوجيا الاتصالات، لانه اذا ما ثبت ان هنالك انزال فعلا، فهذا يعني ان العملية المعقدة والطويلة تلك سوف لن تكون عملية في التصدي لأي انزال، ويبدو ان ما كان يقوم به رجال النجدة وصل بطريقة او بأخرى للقوات الاميريكية بحيث صارت سيارات النجدة مستهدفة، وتم قتل الكثير من هؤلاء الرجال من خلال استهداف دورياتهم خاصة في الايام الاخيرة من الحرب.

خلال وجودنا في بيت ابو علي تم استهداف المنطقة في العديد من الغارات خاصة تلك الساحة الفسيحة لتي تتوقف فيها العديد من الشاحنات، لقد تم قصف تلك الشاحنات بشكل وحشي ويبدو ان الاعتقاد الذي كان سائدا لدى الاميريكيين ان تلك الشاحنات تحمل أسلحة او صواريخ برغم انها كانت فارغة، وقد سقط العديد من الصواريخ على المنازل في المنطقة وهذا ما ادى الى سقوط العديد من الأهالي الأبرياء.

 

الرعاع يتسيدون الموقف

كنت اقيم في الجانب الشرقي من بغداد كما أشرت، عندما بدأت القوات الاميريكية بالدخول الى العاصمة العراقية عصر التاسع من ابريل 2003. لقد كانت تزحف ببطء شديد وبأعداد هائلة وكانت تستقل كل أصناف الآليات العسكرية بينما تحلق الطائرات العسكرية المختلفة في سماء بغداد الجريحة على ارتفاعات منخفضة جدا.

خرجت الى الشارع مثلما فعل الآلاف من أبناء بغداد لاستطلع ما الذي يحدث، كان في المنطقة حيث أقيم، مخازن شاسعة، وللصدق لم اكن اعرف ولم أحاول ان اعرف يوما ما الذي تحتويه تلك المخازن برغم انني كنت قد زرت المنطقة عدة مرات، إلا ان ما شاهدته  كان هو ان دبابتين من تلك الارتال الضخمة توجهت الى البوابة الكبيرة التي تقع خلفها تلك المخازن وقامت بدفع البوابة واشار الجنود للناس المتجمهرين في الشارع بان هيا، تعالوا وادخلوا، هيا انهبوا هذه المخازن، وقد هجم من هجم على تلك المخازن، وكانوا كثر ومن جميع الأعمار، الا ان ما لاحظته ايضا، انه وبرغم ضخامة الأعداد التي اتجهت الى تلك المخازن فان اعداد الذين لم يحركوا ساكنا ولم يتوجهوا للاشتراك في عمليات النهب كان اكثر بكثير من اولئك الرعاع الذين شعروا ان الفرصة سانحة للسرقة والنهب والسلب.

لقد كان ذلك هو الجانب المظلم من الصورة، الا ان جانبا اخر من المشهد برغم انه لم يكن بنفس حجم المشهد الداكن، بعث بداخلي الكثير من الامل، فخلال وقوفي اراقب هذا الذي يجري بكل ما فيه من الم، سمعت اثنين من الشبان الذين وجدت نفسي اقف الى جانبهم وهم يتحدثون منتقدين ما يجري، وكان ما اثلج صدري ان احدهم قال للآخر "هؤلاء ليسوا سوى قوات احتلال انهم..." واستعمل شتيمة عراقية معروفة وترك المكان مع رفيقه، عندما سمعت ذلك، لا ادري لماذا شعرت بالسكينة، لقد شعرت ان العراق بخير، وان هذا الاحتلال لا بد سيواجه مقاومة لا حدود لها، فاذا كان هذا راي شاب في مقتبل العمر فان ذلك يعني ان هذا الاحساس لا بد سيكون في قلوب الاف العراقيين وان الامور والمشاعر اذا ما كانت هي هذه منذ الساعات الاولى للاحتلال اذن فنحن لا زلنا والعراق بخير.

لم يكن بالامكان ان استمر في مراقبة ما يحدث، قفلت عائدا الى البيت المؤقت الذي اقيم فيه وكنت اشعر برغبة عارمة في البكاء، ووجدت زوجتي تجهش بالبكاء وتلطم الخدود، فلم استطع الا ان اتمالك نفسي وان ابقي على ما تبقى فيّ من مشاعر الصمود والقوة، لاواسيها واحاول التخفيف عنها لان من غير الممكن ان نتحول جميعنا الى النواح.

قصص الانتقام بدات تتوالى كما بدات عمليات النهب والسلب تطال البيوت السكنية، وبدات عمليات الانتقام سريعا من الرفاق اعضاء حزب البعث بدون تمييز او استثناء، كنت اقيم في بيت هو عمليا قد يكون هدفا لانتقام محدد لان صاحبه كان احد منتسبي قوات النجدة العراقية، وعندما سألته ان كان يريد البقاء او ان يغادر المنطقة اكد لي ان لا اعداء له وان علاقاته مع الجيران من افضل ما يكون، وكنت احاول ان اقنعه بالمغادرة الى المنطقة الغربية من بغداد حيث اسكن وحيث ان لا علاقات لي بالدولة او الحزب، حتى نرى ما الذي ستحمله الايام القادمة، لقد بقينا  في حي اور حتى عصر الجمعة الحادي عشر من اذار 2003 عندما قررنا العودة الى شقتنا في الشطر الغربي من العاصمة العراقية.

 

في طريق العودة ألم وأمل

لقد سلكنا طريقا تمر من امام الجامعة المستنصرية المعروفة، وقد ذهلت من حجم الدمار الذي لحق بهذا الصرح العلمي الكبير ومن حجم الاوراق والكتب الممزقة على جنبات الشارع، لم اصدق ان هذا يمكن ان يحدث لهذه الجامعة، وتوجهنا عبر الوزيرية الى منطقة المنصور وكان الرعاع مستمرون في سرقتهم، فهذا يحمل جهازا للكمبيوتر وذاك يحمل جهازا آخر وثالث يجر على عربة خشبية جهازا للتكييف، وهناك مجموعة تقوم بدفع سيارة مرسيدس يبدو انهم فشلوا في تشغيلها، واخر يحمل اي شيء، وهكذا كان الطريق كله، اناس يحملون كل ما وجدوه في طريقهم، لقد كان اشد ما اثار انتباهي هو ذاك الشخص الذي اقدم على سرقة مولدة كهربائية عملاقة، لقد قام هذا الوضيع بربط المولدة الى شاحنة يقودها بحبل ضخم، وحيث انه لا يملك رافعة فقد كان يجرها على ارضية الشارع ببطء شديد ولا ادري كيف استطاع او من اين حصل عليها.

عندما وصلنا الى ساحة اللقاء الفسيحة والتي تقع بجانب السفارة الاردنية التي تم تدميرها بعد الاحتلال الاميريكي لبغداد من خلال سيارة مفخخة، وفي بداية الخط السريع الممتد على مسافة 550 كيلومتراً باتجاه الحدود الاردنية. لاحظت وجود العشرات من المقاتلين العرب منتشرين في المنطقة، كانوا يحملون البنادق الآلية كما القاذفات من نوع آر بي جي واسلحة من انواع لم اعرفها، كانوا يبعثون الامل في نفوس من كان قلبه على العراق، عند مشاهدتهم تولدت بداخلي مشاعر عدة وشعرت بدموع لا ارادية حارة تسقط على عكس ما اردت ان ابدو عليه من تماسك، وبرغم ذلك فقد كان شعور بالنشوة يدغدغ جانبا اخر مني، منظر المقاتلين هذا، تزامن عن معارك دارت خلال اليومين الماضيين في منطقة الاعظمية الواقعة الى الشمال من بغداد، جعلني اشعر بمشاعر مختلفة ومتناقضة.

لقد دارت في الاعظمية خلال اليومين الماضيين ما قيل انها معارك ضارية استبسل فيها المقاتلون العرب مع رفاقهم من العراقيين الذين استماتوا دفاعا عن هذه المنطقة من بغداد حيث مرقد الامام الاعظم ابو حنيفة النعمان. لقد استعصت الاعظمية على القوات الاميريكية الغازية منذ ما يزيد على 48 ساعة، ولم تسقط الا بعد عصر الجمعة وبعد ان استعملت القوات الاميريكية كل ما لديها من اسلحة وذخائر، وقد قيل عن تلك المعركة انها دارت من شارع الى شارع، كما قال الكثير ممن شاركوا في تلك المعارك ان الرئيس العراقي قد اشرف على تلك المعارك لا بل  وشارك فيها بقوة، ولا غرابة في ذلك فهو كان يعتبر ان هذه المنطقة احد المناطق التي يمكنه اللجوء اليها بقليل من الريبة وكثير من الاطمئنان اذا ما قورنت ببقية المناطق البغدادية، عدا عن انها تقع الى الشمال من العاصمة وهذا ما يجعلها اكثر مناسبة فيما لو فكر بالاتجاه شمالا حيث مسقط راسه وعشيرته في العوجة وتكريت.

وصلنا الى الحي او المجمع السكني الذي نسكن، وكانت حركة السلب والنهب لا تزال مستمرة. لقد هاجم المئات من الرعاع والسراق المخازن الرئاسية التي كانت تجاور الحي، وكان هؤلاء يسرقون كل الاشياء، واستمرت عملية افراغ تلك المخازن اياما عدة، الا انني استطيع ان اقول بانني لم اشاهد اي من ابناء الحي يقومون بسرقة اي شيء سوى احد الاشخاص الذي كان اصلا صاحب سمعة سيئة تتصل بالشرف هو وعائلته منذ وقت بعيد، لقد استمر هذا وابناؤه بنقل ما يستولون عليه الى شقتهم على مدار ايام، اضافة الى شخص اخر حيث قد جلب هذا مولدة كهربائية استخدمها فيما بعد لتزويد الشقق بالتيار الكهربائي خلال فترات الانقطاع المستمرة مقابل اجر طبعا.

ما ان وصلنا الى الشقة ...

يتبع

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ