-ـ |
ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الاحتكار طريف
السيد عيسى عندما
يتحدث الناس عن الإحتكار فغالبا
يقصدون به
إحتكار السلع التي يحتاجها
الناس في معاشهم , ونطلق على
الذين يقومون بهذا السلوك
الأناني : تاجر جشع محتكر وطماع
. لكننا
لسنا بصدد الحديث عن إحتكار
المواد التي يحتاجها الناس في
معاشهم , بل بصدد الحديث عن تلك
الآفة الخطيرة التي أصبح نفر من
المسلمين مغرم بها ألا وهي : إحتكار
الحقيقة والصواب في الرأي
. إنه من
نعم الله على العباد والكون أن
جعل التنوع سنة إلهية , لاتنحصر
في بني البشر بل تشمل كل
المخلوقات على وجه المعمورة . ويؤكد
ذلك التنوع قول الله تعالى (فأخرجنا
به ثمرات مختلفا ألوانها ومن
الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها
) سورة فاطر. يقول
الإمام ابن القيم رحمه الله في
إعلام الموقعين ( وقوع الإختلاف
بين الناس أمر ضروري لابد منه
لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى
إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم
على بعض وعدوانه ). وقبل
الدخول في تفاصيل تلك الآفة فلا
بد من تثبيت بعض الأمور حتى
لانضطر للتنويه لها باستمرار أو
حتى لايساء الفهم والتأويل
: 1-
أصول الدين وثوابته وماهو
معلوم من الدين بالضرورة لاتخضع
للإجتهاد , فلقد وردت فيها آيات
ونصوص بينات واضحات محكمات . 2-
كل الفروع والجزئيات تخضع
لإعمال العقل والإجتهاد ضمن
الشروط والضوابط والمواصفات
التي وضعها أهل العلم , ولايحق
لأي كان أن يخوض في مسائل
الإجتهاد . 3-
من المستحيل صهر العمل
الإسلامي في مدرسة أو بوتقة
واحدة ,لكن بالإمكان تنسيق
الجهود خدمة للأهداف العامة . وكمدخل
لابد منه فلا بد من تعريف إحتكار
الحقيقة والصواب
على أنه : إدعاء
وزعم شخص أو مجموعة إمتلاكهم
للحقيقة والصواب في الرأي ,
ويجعلون من أنفسهم نقطة المركز
والمرجعية والمقياس . ونلاحظ
إنتشار وتفشي تلك الآفة بين
صفوف المسلمين إلا من رحم الله ,
ولانستثني مدرسة إسلامية من هذه
الآفة , وتبقى القضية نسبية بين
مدرسة وأخرى . إن حال
المحتكر كحال شخص جلس في غرفة كل
جدرانها وسقفها وأرضيتها من
المرايا فحيثما إلتفت فلا يرى
إلا نفسه , فهو نقطة المركز
والجميع يجب أن يدور حوله
, ومنه يجب أن ينهل الناس
لأنه مصدر الحقيقة والصواب , ومن
خالفه فهو على غير هدى ولا رشاد
ولايمنع من إضافة بعض المقبلات
الضرورية من تفسيق وتبديع
وإخراج من الملة . ننعت
بوش الملعون بأنه عنصري ومتعصب
عندما قال : من لم يكن معنا فهو
ضدنا ,
فكم بيننا من هؤلاء الذين
يقولون : من أيدني
فهو قديس ومن خالفني فهو
إبليس , وهنا لايمكن لنا وضع
الناس في زمرة بوش من الناحية
العقدية . أن
يختلف الناس فيما يجوز فيه
الإختلاف فهو أمر مفهوم , أما
تصنيف الناس وتنصيب أنفسنا قضاة
عليهم فهو أمر غير مفهوم بل
مرفوض , فهناك من يجعل نفسه
ميزانا ومقياسا لفهم الناس لسنة
حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم
, في حين نجد أهل العلم يعتبرون
كل مسلم مرجعيته الكتاب والسنة
فهو من أهل السنة ومن أتباع
السلف الصالح , ولا يحق لشخص أو
فئة أن تدعي هذه المرجعية
لنفسها , فالقرآن والسنة للجميع
ولا تحتكرهما أي جهة مهما بلغت . فلا
يجوز لأحد أن ينصب نفسه الوارث
الوحيد للسلف الصالح , ومن يدعي
ذلك فهو ممن وقع في المغالاة
واللإفراط والتجني على باقي
المسلمين , بل هم يحملون سيفا
بشهرونه بوجه كل من يختلف معهم ,
وهذا إختزال لعقول المسلمين. يعود
هذا الإحتكار بسبب التعصب الذي
لايقبل رأيا , وصاحبه يتصف
بالجمود حول أفكار معينة وهو
غير مستعد لتغييرها مهما ناقشته
وحاورته بالعلم والمنطق , فينظر
لمن يخالفه نظرة دونية والجميع
متهم حتى لو ثبتت براءته ولايكتفي
باتهام من يختلف معه بل يشمل
الإتهام كل المقربين والمؤيدن
والأنصار , وهذه النظرة مخالفة
لما جاء في الحديث الذي رواه
الإمام النسائي ( قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : لايؤخذ
الرجل بجريرة أبيه , ولا بجريرة
أخيه ). عندما
يقف أحدهم متحدثا ويتكلم عن
الإختلاف فتعتقد أنك أمام ملاك
يمشي على الأرض , لكن عندما
تختبر كلامه عمليا وعلى أرض
الواقع فتجده إقصائيا من طراز
رفيع , ففي المجالس الخاصة يعمل
كما الجزار فلا يدع شيخا ولا
داعيا ولا مفكرا إلا وينزل في
ساحته سلخا وتقطيعا وفرما
وكلما إنتهى من ذبيحة
فيستغفر الله ثم يطلب ذبيحة
غيرها ليذبحها ويسلخها ثم يكتب
عليها مذبوح على الطريقة
الإسلامية ( لحم حلال ) . ويعتقد
هذا المسكين أن الناس لاتعرف
حقيقته , فعندما يسكت الناس
المرة تلو المرة فيعتقد أنه
مرضي عنه , وليعلم الناس ان
السكوت على هؤلاء يعتبر خطأ لأن
المتضرر من أفكارهم هو المجموع
وليس فرد بعينه . فالمحتكرلا
يترك عالما ولا طالب علم
ولاداعيا ولا مفكرا ولا خطيبا
ولامؤذنا ولاشيخا
إلا وينتقده , وكل عمله هو
تصيد العثرات والتنقيب في
النوايا , ثم يقول هؤلاء جميعا
لديهم مخالفات شرعية ولابد من
الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر , ويدافع عن هذا السلوك
الأعوج والأهوج بأنه علم الرجال
وعلم الجرح والتعديل , والله هذا
السلوك جهل وتشدد وتطرف . حضرت
خطبة جمعة في أحد المساجد فكان
الخطيب ضيفا على المسجد فخطب
الجمعة وبعد الإنتهاء من الخطبة
, تنطع أحد المحتكرين وقال
لأحدهم هل لاحظت الخطيب وهو
يلحن في الكلمة الفلانية . ولكن
جرب مرة وانتقد خطأ لأحد
المحتكرين ,
فتثور ثائرته ويعتبر هذا النقد
إساءة شخصية له , فياسبحان الله
!!! وماذا عن الطعن والنقد
للآخرين الذي يمارسه المحتكر
إياه ؟ إن شرع
الله تعالى أوسع من فلان وعلان
وأوسع من هذه الجماعة أو تلك ,
لكنها إجتهادات يصيب أصحابها
ويخطئون , والأصل أن لاينكر أحد
على الآخر . ( روى
البيهقي في السنن عن أنس قال :
إنا معشر أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم كنا نسافر , فمنا
الصائم ومنا المفطر , ومنا المتم
ومنا المقصر , فلم يعب الصائم
على المفطر , ولا المفطر على
الصائم , ولا المقصر على المتم ,
ولا المتم على المقصر ). ( يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله تعالى في الفتاوى 20/207 :
مسائل الإجتهاد من عمل فيها
بقول بعض العلماء لم ينكر عليه
ولم يهجر , ومن عمل بأحد القولين
لم ينكر عليه ). ومما
يشجع هؤلاء على التمادي أن بعض
المؤسسات الإسلامية وخشية
للفتنة والمشاكل فتترك الحبل
على الغارب لهؤلاء , علما أن تلك
المؤسسات قد لدغت مرات ومرات
ومع هذا تكرر
الخطأ ولاتسمع لنصح الناصحين ,
وهي لاتقدر ما يمكن أن ينتج من
مشاكل أكبر عند فسح المجال لهم ,
فالناس تصبر وتتحمل لكن كل ذلك
لوقت وأجل , وقديما قال الشاعر : شكوت
وما الشكوى لمثلي عادة ...........
ولكن تفيض الكأس عند
إمتلائها . فعلى
تلك المؤسسات أن تتدارك الأمر
بحكمة, وتسارع لوضع حد لتلك
الممارسات والسلوكيات , وعلينا
أن لانكون مثل النعامة ندفن
رؤوسنا بالرمال ولا نرى ما يحصل
حولنا , فلا يعقل أن نجعل جمع من
المسلمين أسرى ورهائن بيد شخص
أو مجموعة يصرون على فرض رؤيتهم
على المجموع مستغلين سكوت الناس
وصبرهم خشية فتنة ليست لهم فيها
مصلحة , كما على تلك المؤسسات أن
تقدر صبر الناس وتحملهم فتقدر
لهم هذا الشئ فتبادر لوضع حد
للمحتكرين والمتطرفين , ومعلوم
أن الكأس إذا فاض فهذا يعني أن
الماء سينسكب على الأرض وعندها
لايمكن إعادة جمعه . ويسأل
سائل وما هي الأسباب التي تجعل
البعض محتكرا للصواب والحقيقة ؟
لاشك
الأسباب كثيرة لكن بالإمكان سرد
الأسباب الرئيسية : 1-
الجهل والفهم السطحي
والظاهري للنصوص ,فنرى المحتكر
يتمسك بظاهر النص وحرفيته دون
معرفة لمضمون النص ومقصده ,
وعندما تناقش أحد المحتكرين حول
نص ما وتقول الرأي الظاهر من
النص فتراه يرفض ذلك كون الأمر
يخصه ويحرجه , بينما عندما يكون
الأمر خاص بمن يختلف معه فلا
مانع عنده أن يرى الفهم الظاهر
للنص . هذه
السطحية في فهم النصوص تجعل
المجترئين يقتحمون النصوص بلا
رسوخ ولا بينة , بل يتبعون
أهوائهم وكما تسول لهم أنفسهم . 2-
عدم الفهم والإستيعاب لمعنى
الإجتهاد والإنكار في مسائل
الخلاف , ولقد أصل أهل العلم ذلك
المجال حتى أشبعوه بحثا . ( قال
صاحب الفقيه والمتفقه 2/69 .يقول
سفيان : إذا رأيت الرجل يعمل
العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى
غيره فلا تنهه ..... وقال أيضا :
وروى عنه الخطيب أنه قال :
ماختلف فيه الفقهاء فلا أنهى
أحدا عنه من إخواني أن يأخذ به ). ( يقول
صاحب كتاب الآداب الشرعية 1/186.
يقول أحمد فيما يرويه عن ابن
مفلح : لاينبغي للفقيه أن يحمل
الناس على مذهب ويشدد عليهم ,
ويقول أيضا : لا إنكار على من
اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في
الفروع ). ( يقول
الشيخ محمد بن عبد الوهاب في
الدرر السنية 1/43 : ثم اعلموا
وفقكم الله , إن كانت المسألة
إجماعا فلا نزاع , وإن كانت
مسائل إجتهاد فمعلومكم إنه لا
إنكار في من يسلك الإجتهاد ). 3-
حب الظهور وخاصة في مجال
العمل الجماهيري , وهناك علامات
ومؤشرات على حب الظهور ومنها : -
الرغبة في التصدر لأي عمل
جماهيري . -
طلب المسئولية سواء
بالتلميح أو التصريح , حتى ولو
كانت مسئولية بسيطة وخاصة بوجود
بعض الشخصيات المعروفة -
إشعار الناس أنه هو الأحق
بالمسئولية من غيره كونه الوحيد
الذي يفهم بالشريعة وعلومها . -
نقد الآخرين والإنتقاص منهم
والتقليل من شأنهم . -
التقلب السريع
فعندما يفتح له المجال
فتراه يمدح ويثني , وعندما يضيق
عليه فتراه يقدح ويذم بتهم ما
أنزل الله بها من سلطان . 4-
التعصب والإعتداد بالرأي ,
وهذا يدفع نحو التسرع في إطلاق
الأحكام دون تروي ولا تثبت , كما
أن التعصب
يخلط بين النصوص المحكمة
والمتشابهة , ويخلط بين
المقدمات والنتائج . 5-
عدم توفر شروط وضوابط
الإجتهاد لدى المحتكر . 6-
التركيز على القضايا
الفرعية . 7-
الميل دائما نحو التشدد
والتطرف والتكفير , ولقد حذر صلى
الله عليه وسلم من ذلك عندما قال
(روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود
قال , قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : هلك المتنطعون )
قالها ثلاثا . قال الإمام النووي
: أي المتعمقون المجاوزون
الحدود في أقوالهم وأفعالهم 8-
سوء الظن بالناس , والنظر
للمخالف باستمرار نظرة ريبة وشك
واتهام , فكل من يختلف مع
المحتكر فيسارع المحتكرون
لاتهامه في دينه وأنه صاحب بدعة
ومخالف للسنة
. والله
تعالى يقول ( يأيها الذين آمنوا
اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض
الظن إثم ) سورة الحجرات – آية 12. وهناك
أسباب كثيرة لامجال لذكرها . وباختصار
: لنجعل رائدنا قول القائل : نحن
دعاة لاقضاة . وقول
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
: قولي صواب يحتمل الخطأ , وقول
غيري خطأ يحتمل الصواب . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |