ــ
لا
مفاجاءات في تقرير العراق
صبحي
غندور*
تترقّب الأوساط
الإعلامية والسياسية في أميركا
وخارجها موعد إلقاء التقرير
الخاص عن العراق الذي سيعرضه في
الأسبوع القادم أمام الكونغرس
كل من السفير الأميركي كروكر
وقائد القوات الأميركية
الجنرال بيترايوس. ولكن أهمّية
هذا الاستحقاق الزمني القادم لن
تكون في مضمون التقرير بل في
كيفيّة رؤية الأميركيين له
وبالطريقة التي سوف يتعامل
الكونغرس فيها مع ما سيرد فيه من
تبريرات ومن مناشدة لمجلسيْ
الشيوخ والنواب الأميركيين
بإعطاء فرصة أخرى من الوقت
لتنفيذ الخطة التي وضعتها
الإدارة في مطلع العام الجاري.
فقد وافق سابقاً
مجلسا الكونغرس على خطة الإدارة
بشأن زيادة عدد القوات
الأميركية في العراق وعلى تمويل
الخطة، مقابل جملة من الشروط
كان أبرزها وضع علامات فارقة
لمعايير تحسّن الأوضاع الأمنية
والسياسية في العراق. ولذلك
فإنّ تقرير كروكر/بيترايوس
سيحاول جاهداً القول بأنّ هناك
بعض التقدّم قد حدث وأنّ
المطلوب هو فرصة جديدة من الوقت.
وقد جاءت زيارة
بوش لمحافظة الأنبار ومعه أركان
إدارته كوسيلة إعلامية وسياسية
ضاغطة على الكونغرس من أجل
تحصيل الموافقة على تمديد
المهلة للخطة القائمة الآن في
العراق، ممّا يعني استمرار
تمويل القوات الأميركية في
العراق وعدم الضغط لجدولة
انسحابها الآن، لكن مع استعداد
الإدارة لإعادة الآف محدودة من
القوات الأميركية لوطنهم قبل
نهاية العام وذلك تجاوباً مع
دعوة السناتور الجمهوري البارز
جون وارنر.
ولقد كانت مصادفة
زمنية ذات مغزى أن تتزامن زيارة
بوش الأخيرة للعراق مع قرار
بريطانيا بسحب قواتها من مدينة
البصرة وحصر دور البريطانيين في
تدريب القوات العراقية. وهذه
الخطوة من الحليف الأكبر
لواشنطن فيها حتماً معانٍ سلبية
لإدارة بوش التي رفضت في نهاية
العام الماضي الأخذ بتوصيات
لجنة بيكر/هاملتون التي دعت إلى
تخفيض عدد القوات الأميركية في
العراق وتحويل دورها إلى قوة
إعداد وتدريب للقوات العراقية.
إذن، لندن في ظلّ
حكومة براون تسير على توصيات
بيكر/هاملتون بينما لا تزال
إدارة المعني الأول في هذه
التوصيات (الولايات المتحدة)
تمتنع عن ذلك.
وكم هي مراهنة
خاطئة تعتمدها من جديد إدارة
بوش حينما تصرّ على خطة عمادها
الجانب العسكري فقط وخلط لطبيعة
التحالفات المحلية وانتظار
لصراعات داخلية تدفع أطرافها
إلى علاقات أفضل مع القوات
الأميركية. ولربّما تكون نتائج
ذلك كلّه تحسّناً جزئياً ومؤقتا
لحال القوات الأميركية
وتخفيضاً لنسبة العمليات
العسكرية ضدّها، لكن ذلك لن
يدفع بالعراق والأوضاع فيه إلى
مستقبل أفضل أمنياً أو سياسياً
أو اجتماعياً، بل ربّما قد
تؤدّي الصراعات المحلية إلى
مزيد من تدهور كل هذه الأوضاع
وإلى جعل الانقسام السياسي
السائد حالة تقسيمية دائمة
للعراق أرضاً وشعباً.
إنّ إدارة بوش
تأمل بموافقة الكونغرس على
التمديد الزمني لقرار تمويل
القوات حتى الربيع القادم، قبل
الإعلان عن سحب تدريجي
للعسكريين الأميركيين من
العراق، لكن دون وضع أفق سياسي
سليم للمرحلة المقبلة. فالرئيس
بوش ما زال يؤكّد أنّ الحرب في
العراق هي الجبهة الأمامية
للحرب على الإرهاب وجماعات
القاعدة، وهاهو مؤخّراً يضع
الخطر الإيراني بحالة مساوية
لخطر إرهاب القاعدة على أميركا
والقوات الأميركية، بل وعلى
عموم المنطقة والعالم. وهذه
الرؤية السياسية لإدارة بوش
تتناقض مع ما نصّت عليه توصيات
لجنة بيكر/هاملتون من دعوة
للتفاوض مع إيران وكل الجوار
الإقليمي للعراق، ومن حثّ على
إقامة مؤتمرات دولية جديدة
لمعالجة أزمات العراق والمنطقة
كلّها.
فالوفاق الوطني
العراقي سيتحقّق حتماً إذا جرى
وفاق إقليمي/دولي بشأن العراق
وأزمات المنطقة، وإذا ما تراجعت
إدارة بوش عن نهجها السياسي
المعتمد على إشعال الحروب بدلاً
من البحث عن تسويات عادلة
وشاملة ودائمة.
فما يحتاجه
العراق هو تغيير في الرؤية
والأساليب الأميركية والعودة
إلى مرجعية مجلس الأمن بشأن
العراق وتحقيق تفاهم إقليمي/دولي
حول كيفيّة ضمان وحدة العراق
واستقراره وسيادته الوطنية،
كما تبرز أيضاً حاجة كبيرة إلى
وقف الصراعات العربية/العربية
التي تنعكس سلباً على العراق
وعلى المنطقة كلّها.
إنّ إدارة بوش
تعمل الآن على محاولة توسيع دور
الأمم المتحدة في المهام
التنفيذية وليس في الصلاحات
الدستورية، وهناك فارق كبير بين
الحالتين، وإدارة بوش تشجّع
الآن على الصراعات العربية/العربية
وعلى تغذية الصراعات المحلية في
كلٍّ من العراق وفلسطين ولبنان،
إضافةً إلى بناء سياسة المحاور
في الشرق الأوسط التي تستهدف
إشعال العداوة مع إيران وتحقيق
التطبيع مع إسرائيل!
ولو سلّمنا جدلاً
بصحّة ما قاله الرئيس بوش
مؤخّراً عن وجود خطرين الآن في
العراق: القاعدة والدور
الإيراني، فإنّ السؤال المهم هو
من الذي أحضر هذين الخطرين
للعراق؟ أليس السياسة الراهنة
للإدارة الأميركية التي قامت
باحتلال العراق دون أي مبرّر
شرعي؟ ثمّ أليس استمرار السياسة
نفسها من قبل الإدارة ذاتها هو
الذي دفع بأوضاع المنطقة كلّها
إلى التأزّم وإلى مخاطر حروب
أهلية وإقليمية؟!
طبعاً لا يعني ذلك
كلّه تبريراً للنظام العراقي
السابق ولممارسته الإجرامية
بحقّ شعبه وجيرانه العرب
والمسلمين، فخلاصة أوضاع
العراق الآن أنّ النظام السابق
كان مسؤولاً عن إحضار الاحتلال
الأجنبي، والاحتلال هو المسؤول
الآن عن حال التدمير والانقسام
والمآسي والصراعات في العراق.
إنّ الاحتلال هو
الذي دمّر مقوّمات الدولة
العراقية وأوجد الفراغ الرسمي
الأمني والسياسي ممّا شجّع
القوى المحلّية على التنافس
والانقسام، والقوى الإقليمية
على التدخّل في شؤون العراق
لأسباب مختلفة.
العدّ العكسي
لسقوط إدارة بوش قد بدأ منذ
نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في
الانتخابات الأميركية الأخيرة،
وقد سقطت حتى الآن رموز مهمّة من
أركان إدارة بوش، لكن لم يسقط
بعد النهج السياسي للإدارة في
كثير من القضايا. ولعلّها الآن
أخطر مرحلة في ظلّ إدارة بوش؛
فإمّا الاستمرار في نهج إشعال
الحروب والسير على الطريق
المسدود، أو المراجعة في
السياسات والأساليب حرصاً على
مصلحة الحزب الجمهوري إن لم تكن
المصلحة الوطنية الأميركية.
في الحالتين،
فإنّ غياب التضامن العربي
الفاعل وسياسة "انتظار قرار
واشنطن" هي الأشدّ خطورة على
المنطقة العربية وأزماتها!!
*
مدير "مركز الحوار العربي"
في واشنطن
alhewar@alhewar.com
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|