ــ
ســاعة
من نهار على ضفاف نهر البارد
بدرالدين
حسن قربي
انتهت
معركة الجيش اللبناني مع مجموعة
فتح الإسلام بما هو معروف للناس
من فرح عموم اللبنانين أو هكذا
خيّل إلينا، وانطلقت أعراس
وأفراح جوّالة ابتهاجاً
بانتصار الدولة على
مستضعِفيها، وانتصار الجيش على
الخارجين عن نفوذه وسلطانه. وكان
أبلغ الفرح وأبينه في الشمال
اللبناني حيث كان مسرح العمليات
الحربية، كما كان جوار فتح
الإسلام وسكناهم فتحاً على أهل
المخيم في هذا الشمال لأبواب
القتل بالمئات من الضحايا،
والدمار لآلاف البيوت
والعمارات، والتشريد لعشرات
الآلاف من سكان المخيم المنكوب
بجوار مجموعة الفتح وناسها
الفاتحين.
أشار
الكثير من اللبنانيين وفي
مقدمتهم الموالاة إلى أن مجموعة
فتح الإسلام صناعة سورية
بامتياز. ودفع
النظام السوري لرد هذه الفرية
أن جماعة فتح الإسلام هي صناعة
فلسطينية فتحاوية انتفاضية أي
من صنع فتح الانتفاضة ونَبْت
منها وأن لاعلاقة له بذلك.
وتأكيداً على براءة ذمة
النظام كالعادة، أُدخل مسؤول
فتح الانتفاضة السيد/ أبوخالد
العملة ظلمات السجون السورية
جزاءً وفاقاً على أفعالٍ
وترتيبات أمضاها دون علم
الأجهزة الأمنية حسب زعمهم.
السلطة
الفتحاوية قالت بدورها أن فتح
هي فتح، وأنها واحدة، ولكن ماهو
الأكيد والمؤكد عند الفتحاويين
بما لايقبل الشك أنها نُفِضت أو
انتفضت بفضل الأشقاء السوريين
وفضلهم، وأصبحت فتوحاتٍ بدؤوب
سعيهم. أما
الجبهة الشعبية- القيادة العامة
بدورها قالت على لسان أحمد
جبريل: إن جماعة فتح الإسلام
أنشأها وأنفق عليها الحريري،
ولما انقطعت عنها المعونات
والرواتب بدأت بممارسة أعمال
السطو على بنوكٍ كانت تقبض منها
مرتباتها فضلاً عن جرائم القتل.
وحدها جماعة حماس سكتت ولم
يكن لها موقف مميز من فتح
الإسلام، لأن خلافاتها
وأزماتها الرئيسة فيما يبدو هي
مع منظمة فتح (اللي بدون الإسلام).
أما المعارضة اللبنانية
الشيعية على لسان السيد حسن نصر
الله اعتبرت أن مواجهة هذه
الجماعة خط أحمر، هدّدت وتوعدت
وحذّرت من تجاوزه، ولكن تصريح
الحليف الجنرال عون بأن هذه
الجماعة إرهابية وعلى الجيش
استئصالها صبّ ببارد مائه على
تصريح السيد حسن نصر الله، وكبح
جماح كلامه في هذا الأمر وأصبح
في خبر كان.
وللتوضيح
نذكر أن شـاكر العبسي المؤسس
لجماعة فتح الإسلام محكوم
بالإعدام غيابياً لدى محكمة أمن
الدولة الأردنية لإدانته في
الاشتراك في اغتيال الدبلوماسي
الأميركي لورنس فولي في عمان في
خريف العام 2002 هرب إلى سورية،
وقُبض عليه فيها في تشرين
الثاني/نوفمبر من العام نفسه،
لتستضيفه المخابرات السورية في
زنازينها وسجونها بتهمة
الانتماء لجماعة إسلامية
محظورة، نفاها فيما بعد مدعياً
أن تهمته كانت محاولة تنفيذ
عملية في الجولان، وحُكِم فيها
بتهمة حيازة السلاح ونقله الى
فلسطين، ولكنه أُخرج من قيعان
السجن بقدرة قادر على غير عادة
المخابرات السورية مع ضيوفهم،
وسُفّر إلى لبنان، وليؤسس
انتهاءً في مخيم نهر البارد
جماعة فتح الإسلام بعد أن سُلّم
فيها ابتداءً مسؤولياتٍ قيادية
في فتح المنتفضة مع العديد من
مواقعها، وهي فيما تبدو عملية
لوجستية معقدة نسبياً، خطط لها
أصحابها لتظهر مجموعة العبسي
وكأنها خروج عن فتح الانتفاضة
أو نَبْت إسلامي منها يؤكد
رفضاً ومواجهةً لعصر (الأمركة)
وسياسته، وليست ناراً للفتنه
أوقدتها شياطين وأبالسة لتخريب
لبنان وتدميره على رؤوس أهله.
قال
محدثي: في المخيم البئيس وفي
أيامٍ معلومات قُيِّض لشاكر أن
يكون مع جماعته محارباً
عبْسياً، سجّل مع مجموعته
صموداً مشهوداً ومقاومةً
عنيدة، وبأساً شديداً، أليس
كذلك..!!؟
قلت:
أنت تراها عَبْسية، وأنا أراها
عبثية. ولئن شدّ نظرك بأسهم
ومقاومتهم، فقد شدّني أكثر
إطلاق سراح فارسهم من سجنه في
حزيران/يونيو 2005 بعد شهرين من
خروج القوات السورية من لبنان
رغم كبير فعلته عند الجهات
الأمنية السورية التي تصغر
أمامها كثيراً كثيراً كلمات
قالها ميشيل كيلو ومن قبله عارف
دليلة وأنور البني وغيرهم من
المعارضين الأحرار، أدخلتهم
غوانتنامو النظام الأمني
السوري، وليس لهم إلى خروج من
سبيل. ولقد
شدني أكثر وأكثر الإعلان عن
تشكيل هالجماعة في أيلول/سبتمبر
2006 وأسلمة فتح الانتفاضة لتصبح
فتح الإسلام. ولكن
ماشدّني حدّ العجب سرعة
امتلاكهم لكل مقومات المواجهة
مع جيش بكامله بعد سبعة أشهر من
التأسيس والتشكيل. ولكن ماشدّني
حد الدهشة حقيقةً هو تمليكهم
وامتلاكهم لكميات هائلةٍ
مخيفةٍ ومريعة من أسلحة وذخائر
وصواريخ لم نسمع عن مصدرها
ولاطريق وصولها، مكّنتهم من
مواجهة جيش بحاله رغم ضعفه
قرابة مئة يوم أو يزيد، وضعوا
فيها لبنان على صفيح ساخن،
وشغلوا قلوب أحبائه في وقتٍ
أثلجوا فيه قلوب قوم آخرين ممن
رسموا وخططوا وموّلوا وموّنوا
وهدّدوا وسلّحوا وعلّقوا عليهم
آمالاً في تخريب وتدمير لبنان
على أهله وناسه، وأوصلوا أنفسهم
عالمَ الأموات في سبتمبر الجاري
بعد عام واحد فقط على بيان
التأسيس.
استكثر
محدثي كثرة الشد قائلاً: شُـدّ
نظرك كثيراً، أفأنت الحليم
الرشيد..!!؟ قلت: أفعال أبالسة
تجعل الحليم حيران.
لقد
أعلنت الدولة اللبنانية أن
الجيش حقق انتصاره على مجموعة
شاكر بني عبس فقال بعضهم: هو
انتصار بطعم الهزيمة، وقال
بعضهم الآخر: بل هي هزيمة بطعم
الانتصار، وقال من قال:
الانتصار بأي معنى أمر غير وارد.
وبقدر
اقتراب القائل من هذا الطرف
اللبناني أو ذاك الفصيل فإن
الكلام تختلف حدته، والتحليل
يتباين شكله، وتتعارض الإشارات
المعطاة من كل الأطراف لتحمل
بين طياتها أملاً حيناً ويأساً
في أحيان أخَر، وليتجدد كالعادة
جدل عقيم بين ماكان هزيمة هو أم
انتصار..!؟
وعندما
أعلنت الحكومة اللبنانية بلسان
رئيسها السنيورة أن ماحققه
الجيش هو أكبر انتصار على
الإرهاب، عقّبت المعارضة
المناكِفة أن أكبر عمل إرهابي
كان الحرب التي شنتها إسرائيل
ضد لبنان الصيف الماضي، ليقولوا
كلمة حق أريدَ بها الباطل، وكأن
مافعلته مجموعة العبسي كان
لعباً ولهواً، وماجرى من دم
الشهداء كان مزاجاً.
قالوا
عن معارك نهر البارد بأيامها
التي جاوزت المئة، أنها أعادت
للأذهان هشاشة الجيوش العربية
وضعف قدراتها القتالية. ولكنهم
ماقالوا إنها المرة الأولى التي
يخوض فيها جيش عربي مواجهته
بقرارٍ حكومي رسمي تحت سمع
العالم وبصره بحركة مكشوفة
وتغطية إعلامية حثيثة ومكثفة
للكثير من الفضائيات العربية
والعالمية مع كشف يومي عن أعداد
القتلى والضحايا والشهداء في
حدود الممكن والمتاح، وتجاوزوا
أنها المرة الأولى التي تحرك
فيها جيش عربي بعملياته إلى
أقصى حدٍ ممكن في الابتعاد عن
إحداث الإصابات والضحايا في
صفوف المدنيين والأهالي رغم
خطورة المواجهة وصعوبتها فضلاً
عن تعقيداتها وامتداداتها. كما
تجاوزوا حقيقة أن الجيوش
العربية لم تكن يوماً هشّة في
مواجهة داخلية بل هي على الدوام
قادرة ومقتدرة وقوية حد التوحش،
بل هذه هي المرة الأولى
والمواجهة الوحيدة التي بدت
فيها الهشاشة من جيش عربي.
إن
المعركة فيما نعتقد مازالت
مفتوحة ولم تنته بعد، بل هي في
أولها، واللبنانييون احتفلوا
بنصرهم مبكراً وقبل أن ينتهي
نهارهم الطويل، وما كان من معارك
وقتلٍ ودمارٍ في مخيم نهر
البارد كان ساعة من نهارٍ
القادم فيه أدهى وأمر،
فلاتقولوا عن نهاركم أبيض حتى
يخلص كله. فلئن
استطاعت الدولة اللبنانية طي
تلك الصفحة فإن هناك من
المتربصين من أعدّ وحضّر لفتح
صفحات جديدة. ولئن
استطاع اللبنانييون إطفاء
نيرانٍ كثيرة أوقدها الآخرون
على أرض لبنان إلا أن هنالك
نيراناً أشد وفتناً مظلمة أكثر
تنتظرهم جاهزة وحاضرة عند من
يعملون لإيقادها من الذين أكدوا
مراراً وتكراراً أن المساس بهم
يعني الدمار والفوضى وشيوع
الارهاب والأرض المحروقة،
وإشعال المنطقة من بحر قزوين
حتى المتوسط، وممن يبشرون بأن
الأشهر المتبقية من عامنا ستحدد
مصير ومستقبل المنطقة وربما العالم كله.
ساعة
من نهار على ضفاف نهر البارد مضت
وانقضت، ولكن ماذا عن تاليها من
الساعات في أيامنا القادمات..!!؟
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|