ـ |
ـ |
|
|
|||||||||||||||
ــ عن
العرب والمسلمين في أميركا
والغرب صبحي
غندور* بدايةً
أشير إلى خصوصية تتّصف بها
الجالية العربية في أميركا:
فأفراد الجالية الذين هم أبناء
ثقافة واحدة لكن ينتمون إلى دول
وأوطان متعددة، يأتون إلى
أميركا التي هي وطن وبلد واحد
لكن يقوم على أصول ثقافية
متعدّدة. ولهذه
الخصوصية انعكاسات مهمة جداً
على واقع ودور العرب في أميركا.
فهم بنظر المجتمع الأميركي – وحتى
المنطقة العربية- "جالية
واحدة" بينما واقع الأمر
أنّهم يتوزّعون على "جاليات"
عربية. وتنشط غالبية الجمعيات
من خلال تسميات خاصة بالأوطان،
بل بعضها يحصر انتماءه في أطر
مناطقية من داخل البلدان
العربية. وقد أدّت هذه الخصوصية
إلى كثير من المعضلات في دور
العرب على الساحة الأميركية.
فالتسمية النظرية هي: جالية
عربية، بينما الواقع العملي في
معظمه هو تعدّد وانقسام على حسب
الخصوصيات الوطنية أو
المناطقية أو الطائفية
أحياناً، إضافةً طبعاً
للصراعات السياسية التي تظهر
بين الحين والآخر. ورغم
مضيّ أكثر من قرن على بدء الهجرة
العربية لأميركا، فإنّ واقع
العرب في أميركا استمرّ كمرآة
تعكس حال العرب في البلاد
العربية. ولم يستفد العرب في
أميركا بشكل عميق من طبيعة
التجربة الأميركية التي قامت
وتقوم على الجمع بين تعدّد
الأصول الثقافية والعرقية،
وبين تكامل الأرض والولايات في
إطار نسيج دستوري ديمقراطي حافظ
على وحدة "الأمّة"
الأميركية - المصطنعة
أصلاً- وبناء دولة هي الأقوى في
عالم اليوم. في
ظلِّ هذه "البيئة العربية"
في أميركا بدأت وتستمر تجربة
"مركز الحوار العربي" http://www.alhewar.com في واشنطن (تأسّس المركز في
العام 1994) من خلال ندوات أسبوعية
وحوارات دورية لتشجيع العرب على
أسلوب الحوار فيما بينهم بغضِّ
النظر عن اختلافاتهم الفكرية
والسياسية، وعن خصوصياتهم
الوطنية والدينية والإثنية.
فالعرب يشتركون في ثقافة عربية
واحدة لا تقوم على أصل عنصري ولا
يختصّ بها أبناء دين دون آخر..
ثقافة عربية هي الآن الرمز
الوحيد الباقي فاعلاً للتعبير
عن انتماء العرب إلى أمّةٍ
واحدة ذات
مضمون حضاري واحد. إن
تجربة "مركز الحوار العربي" في
واشنطن تتعامل تحديداً مع هذه
المعضلة التي تواجهها الجالية
العربية في أميركا، وهي تجربة
تهتم بالشأن الفكري والثقافي
وبضرورة القناعة بأنّ وجود
تعدّدية فكرية في أي مجتمع
تتطلب أيضاً تعدّدية سياسية في
حياته العامة. فوحدة
الانتماء الحضاري ووحدة
الانتماء الثقافي لا يجب أن
تعنيا إطلاقاً وحدة الانتماء
الفكري أو الانتماء السياسي..
ولا يجوز أن يكون اختلاف الفكر
والتوجّه السياسي سبباً للخلاف
بين الأشخاص أو لصراعات عنفية
بين الجماعات في المجتمع
الواحد، بل إن أسلوب الحوار هو
الوسيلة المنشودة للتفاعل
المطلوب بين العرب في مختلف
مواقعهم الرسمية والمدنية. إنّ
الساحة الأميركية (كما هي كل
ساحات دول الغرب) مفتوحة لبثِّ
السموم والأحقاد على الإسلام
والعرب، لكن أيضاً هي ساحة
مفتوحة (ولو بظروفٍ صعبة) على
العرب والمسلمين لكي يصحّحوا
الصورة المشوَّهة عنهم وعن
أصولهم الوطنية والحضارية. وكما
هناك العديد من الحاقدين في
الغرب وأميركا على العرب
والمسلمين، هناك أيضاً
الكثيرون من أبناء أميركا
والغرب الذين يريدون معرفة
الإسلام والقضايا العربية من
مصادر إسلامية وعربية بعدما
لمسوا حجم التضليل الذي كانوا
يعيشونه لعقود. فالغرب تحكمه
الآن حالة "الجهلوقراطية"
عن الإسلام والعرب والقضايا
العربية، وهي الحالة التي تجمع
بين مجتمع ديمقراطي تسهل فيه
حركة وسائل الإعلام وبين تجهيل
تمارسه بعض هذه الوسائل -عن قصد
أو غير قصد - لمسائل تتعلّق
بالعرب وبالمسلمين وبقضايا
المنطقة العربية. لذلك،
من المهمّ أن يعمل العرب
والمسلمون في أميركا والغرب على
تعميق معرفتهم بأصولهم
الحضارية والثقافية وأن يقوموا
بالفرز الفكري بين ما هو "أصيل"
وما هو "دخيل" على الإسلام
والثقافة العربية. كذلك، فإنّ
من المهمّ أيضاً التشجيع على
أسلوب الحوار الدائم بين
المؤسّسات والهيئات العربية
والإسلامية في أميركا والغرب،
وبين غيرها من المؤسّسات في هذه
المجتمعات، إضافةً إلى الحوار
المباشر عبر الإعلام والإنترنت
واللقاءات الخاصَّة. فهناك
أطراف عديدة تريد فرز عالم
اليوم بين "شرق إسلامي"
موصوف بالإرهاب و"غرب مسيحي"
محكوم بالعلمانيّة
والديمقراطيّة. وهذه المسألة
كُتب عنها الكثير منذ نهاية
الاتحاد السوفيتي وأفول عصر "الشرق
الشيوعي" و"الغرب
الرأسمالي". وهناك مصلحة
إسرائيليّة في جعل العرب
والمسلمين العدوّ الجديد للغرب
لتكون هناك ضرورة غربيّة
بالحفاظ على دعم إسرائيل ودورها
في الشرق العربي والإسلامي. إذن،
ليس من الحكمة تأجيج مشاعر
العداء بين بلدان العالم
الإسلامي وباقي العالم، وردود
الفعل الانفعالية لن توقف
الإساءات بل تعمّقها وتزيدها
وتنفع غايات أصحابها المعروفين
والمجهولين. إنَّ
القليل من الفعل السليم خير من
انفعال كبير. وهذا ما تحتاجه
الآن شعوب البلاد العربيّة
والإسلاميّة في تعاملها ليس فقط
مع ظاهرة الإساءات الإعلاميّة
المغرضة في الغرب، بل أيضاً مع
مشاكلها وأوضاعها الداخليّة
المهدّدة بالفرز والتفكّك
والانشطار الطائفي والمذهبي. وإذا
كان العرب والمسلمون لا يجدون
فعلاً مصلحة في المقولة
الأميركيّة/الإسرائيليّة الّتي
ظهرت في مطلع التسعينات من
القرن الماضي عن "صراع
الحضارات" و"الخطر
الإرهابي القادم من الشرق
الإسلامي"، فإنَّ أبسط
الأمور الآن هي عدم الوقوع في فخ
الكمائن المنصوبة لهم على أكثر
من ساحة. وهناك
مقارنة خاطئة تتكرر أحياناً في
الإعلام العربي والفكر السياسي
العربي وهي مقارنة حالة العرب
في أميركا بحالة اليهود
الأمريكيين. فالواقع أن "العرب
الأميركيين" هم حالة جديدة في
أميركا مختلفة تماماً عن الحالة
اليهودية. العرب جاءوا
لأمريكا كمهاجرين حديثاً من
أوطان متعددة إلى وطن جديد،
بينما اليهود في أمريكا هم
مواطنون أمريكيون ساهم العديد
منهم في إقامة (إسرائيل) في قلب
المنطقة العربية، أي عكس
الحالة العربية والإسلامية
الأميركية وما فيها من مشكلة
ضعف الاندماج مع المجتمع
الأميركي. حالة
العرب في أميركا مختلفة أيضاً
من حيث الأوضاع السياسية
والاجتماعية، فكثير منهم جاء
مهاجراً لأسباب اضطهاد سياسي أو
عوز مادي، وأحياناً بسبب حالات
أمنية تعيشها المنطقة العربية،
مما يؤثر على نوع العلاقة بين
العربي في أمريكا والبلدان
العربية. بينما حالة العلاقة
بين اليهود الأميركيين
وإسرائيل هي حالة من ساهم في
بناء هذه الدولة وما زال يدعمها. أيضاً،
ليس هناك حالة من التنافس
الموضوعي بين الطرفين على
المجتمع الأمريكي. أي ليس
هناك مؤسسات رسمية أو إعلامية
أميركية محايدة تتنافس عليها
الجالية العربية مع الجالية
اليهودية، فعدد كبير من
المؤسسات الإعلامية الأميركية
هو مملوك من يهود أمريكيين أو
على صداقة خاصة مع إسرائيل،
وهذا بذاته يجعل المقارنة غير
عادلة. من
ناحية أخرى، فإن لدى العرب
الأمريكيين أزمة تحديد الهويّة
ومشكلة ضعف التجربة السياسية،
وهي مشاكل لا يعانيها اليهود
الأميركيون. فقد جاء العرب
إلى أميركا من أوطان متعددة ومن
بلاد ما زالت الديمقراطية فيها
تجربة محدودة، إضافةً إلى آثار
الصراعات المحلية في بلدان
عربية على مسألة الهوية العربية
المشتركة. إنّ
اللوبي الإسرائيلي في أميركا
يتعامل مع علاقة واحدة خاصّة هي
علاقة إسرائيل بأمريكا بينما
تتعامل المؤسسات العربية
والإسلامية الأمريكية مع
علاقات أميركية متشعبة ومختلفة
لأكثر من خمسين دولة عربية
وإسلامية. إنّ
العرب الأمريكيين يتعاملون مع
واقع عربي مجزّأ بينما يدافع
اللوبي الإسرائيلي عن كيان واحد
هو إسرائيل. إنّ
نجاح "اللوبي الإسرائيلي"
لا يعود سببه فقط إلى بداية
اليهود لعملهم السياسي في
أمريكا قبل مائة عام أو أنهم
أكثر عطاءً بالتطوع والمال،
فالعنصر المرجح لكفّة اللوبي
الإسرائيلي إنما سببه أن أمريكا
نفسها ليست طرفاً محايداً
يتنافس عليه العرب من جهة وبعض
اليهود الأميركيين من جهة أخرى.
فأمريكا أسهمت منذ البداية في
الاعتراف بالكيان الإسرائيلي
وزوّدته وما زالت تزوده بكل
إمكانات التفوّق النوعي على
الدول العربية. أضف
إلى ذلك أيضاً، تعدّد
الانتماءات الدينية والطائفية
في الجالية العربية. البعض
مثلا يندفع نحو منظمات دينية
وهو ما يستبعد النصف الآخر من
الجالية العربية. وبعض الجالية
يتقوقع مذهبياً وعائلياً سواء
بسبب منطلقات خاصة به أو
انعكاساً لما يحدث في المنطقة
العربية. فالجالية
العربية والجالية الإسلامية
تنتميان إلى أصول وطنية ودينية
متنوعة، إذ أنَّ حوالي نصف
تعداد الجالية العربية في
أميركا هم من أتباع الديانة
المسيحية، وينتمون في أصولهم
الوطنية إلى بلدان لبنان وسوريا
والعراق وفلسطين ومصر والأردن،
بينما أكثر من نصف عدد الجالية
الإسلامية (حوالي 7 مليون)
ينتمون في أصول أوطانهم إلى
بلدان غير عربية (من بلدان آسيا
وأفريقيا غير العربية) إضافةً
إلى عددٍ من الأميركيين الذين
اختاروا الإسلام ديناً لهم
ومعظمهم من الأميركيين السود. إنّ
أكثر من نصف الجالية العربية هم
من المسيحيين العرب، وأكثر من
نصف الجالية الإسلامية هم من
أصولٍ غير عربية. ولا يمكن وضعهم
جميعاً (العرب والمسلمين في
أميركا) في "سلَّةٍ واحدة"
من الناحتين الدينية والوطنية. إذن،
كلما كان هناك تعاون وتنسيق بين
أبناء الجاليتين العربية
والإسلامية، وكلما كان هناك طرح
لفكر عربيّ سليم فيما يتعلق
بمسألة الهويّة الثقافية
ومضمونها الحضاري، كلّما أصبح
بمقدار العرب والمسلمين في
الغرب أن ينجحوا عملياً وأن
يتجاوزوا الكثير من الثغرات
والعقبات الآنية والمستقبلية. *
مدير "مركز الحوار العربي"
في واشنطن المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |