ــ
الإسلام
وحرية الاعتقاد الديني ....
رد
على الأستاذ ياسين الحاج صالح.
الطاهر
إبراهيم*
من دون مقدمات، أقول إن ما أوقع
فيه الكاتب السوري "ياسين
الحاج صالح" نفسه –في مقال له
نشره موقع "الرأي" لسان حال
حزب الشعب الديمقراطي السوري
بتاريخ 12 أيلول الجاري تحت
عنوان قضية محمد حجازي وحرية
الاعتقاد الديني– يعتبر سقطة
كبرى، ما كان لمثله أن يتورط في
مثلها.
ابتداء، إن حرية الاعتقاد قد
قررها الإسلام كقضية أساسية،
ولم تترك لكاتب مثل الأستاذ
ياسين ليقول: "إن حرية
الاعتقاد لا معنى لها إن لم تشمل
حرية عدم الاعتقاد وحرية تغيير
الاعتقاد". أما "حرية
الاعتقاد وعدم الاعتقاد"
فنعم. لأن النص جاء عليها صريحا
في القرآن الكريم (لا إكراه في
الدين قد تبين الرشد من الغي.
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله
فقد استمسك بالعروة الوثقى لا
انفصام لها والله سميع عليم) (البقرة،
الآية 256)، فمنع الإسلامُ منعا
باتا إكراه غير المسلم على
اعتناق الإسلام.
وأما "تغيير الاعتقاد" كأن
يترك المسلم دينه وينتقل إلى
غير الإسلام، أو ما يسمى
بالردة، فأمر آخر، وليس لنا أن
نجتهد فيه. فقد اعتبر الإسلام
ذلك محبطا للعمل وجاء النص عليه
في القرآن صريحا: (ومن يرتددْ
منكم عن دينه فيمتْ وهو كافر
فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا
والآخرة وأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون) ( البقرة، الآية 217
). وجاء الحديث الصحيح ليبين
عقوبة المرتد كماروى البخاري في
صحيحه عن بن عباس رضي الله عنهما
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من بدل دينه فاقتلوه) (صحيح
البخاري، باب استتابة المرتدين
والمعاندين ..رقم الحديث 6922).
لا نريد هنا أن نفتي كما أفتى
الأستاذ "ياسين"، فنحكم
بالقتل على من بدل دينه وارتد.
لأن ذلك مبسوط في كتب الفقه،
والأمر متروك إلى الحاكم المسلم
الموكل بتطبيق شرع الإسلام. فهو
الذي يقرر العقوبة حسب كل حالة.
وقد ورد في الأثر أن عمر بن
الخطاب أُخبِرَ أن والياً له
قَتَلَ مرتداً عن الإسلام، فقال:
"هلا تركه في السجن حتى يتوب
أو يموت". فالإسلام جاء
بالهدى، فقدم عمر أمر التوبة
على العقوبة.
وما قلناه آنفا يفند ما جاء في
مقال الأستاذ ياسين الذي لم
يذكر لنا من أين استقى أدلته في
قوله: " على
أن للأمر صلة أعمق بحال الفكر
الإسلامي المعاصر فمبدأ حرية
الاعتقاد رغم توفر آيات قرآنية
متعددة تقرره ورغم غياب آيات
قرآنية قاطعة
الدلالة تعارضه ......... مرفوض في
الإسلام المعاصر". فلم يذكر
لنا من أي مرجع أو كتاب اقتبس
كلامه هذا، إلا
أن يكون أراد هنا رفض حرية "تغيير
الاعتقاد".
على أن هذه لم تكن أم الخطايا
التي وقع فيها الأستاذ "ياسين"
في مقاله آنف الذكر، فحسب.
فهو يطالب: ب "تمكين المرأة
بحيازة حق الطلاق، وتقييد هذا
السلاح المطلق بيد الرجال". المصلحة
واضحة في جعل حق الطلاق بيد
الرجل. إذ المرأة سريعة التأثر
تثور وتغضب ،فتبادر لإيقاع
الطلاق على زوجها لأتفه الأسباب
فيما لو كانت العصمة بيدها. أما
الرجل فهو يَعُدّ للعشرة –حفاظا
على أطفاله أو لأسباب مادية- قبل
أن يوقع يمين الطلاق. مع ذلك فقد
نص فقهاء "الحنابلة" على أن
للمرأة -أو وليها- أن تشترط في
عقد الزواج أن يكون لها الحق في
طلب الطلاق. فإذا أرادت المرأة
طلاق نفسها على ما اشترطته،
فتذهب للقاضي وتطلب ذلك منه
فينفذه حكما ويفرق بينهما.
أوردت هذا المثال الأخير، حول
نقده لأمور شرعية، وربما لو
ناقش قضية الطلاق من حيث
المصلحة لما قال به.
على أن ما ورد في مقال الأستاذ
"ياسين" من كلام وتحليلات
طاول العقيدة وصلت إلى حد عدم
الأدب، حتى مع الله سبحانه
وتعالى، إن لم نقل أكثر. يقول
الأستاذ ياسين: "وأصل ذلك
فيما نرى هو ما نسميه عبادة
الإسلام،
أي انعقاد
التقديس والعبادة والولاء على
الإسلام معرفا كأمة وعقيدة أمة،
لا كإخلاص الدين
لله. الله ذاته مقيد بهذه
العبادة، متعادل معها، وهو يبدو
حاكما سياسيا أكثر مما هو طاقة تعالٍ لا تتناهى، تفيض على
الإسلام وكل دين". وأظن
الأستاذ ياسين يوافقني أنه لا
يليق أن يقال: "الله ذاته مقيد
بهذه العبادة، متعادل معها".
ومثل هذه التعابير المغرقة في
حداثيتها تتنافى مع كمال الأدب
مع الله الذي: (ليس كمثله شيء وهو
السميع البصير) ( سورة الشورى،
الآية 11 ).
استطرادا، فقد ابتدعت هذه الأيام
لغة في التعبير جديدة، نقف منها
على حذر. وإذا قبلناها على "مضض"
في مقالات تكتب، فلا نقبلها عند
التطرق إلى الشأن الذي يتناول
أمر العقيدة. وللأسف فإن مقال
الأستاذ ياسين مليء بأمثال هذه
التعبيرات، التي لنا مآخذ
عليها، ليس من حيث اللغة فحسب،
بل من حيث الدلالة.
لا أحد يحق له أن يفرض نفسه وصيا
على الدين الإسلامي، وأن يعتبر
رأيه هو الحق، وما عداه هو
الباطل فيحلل ويحرم من دون علم
أو دليل. لكن في نفس الوقت
وبالمقابل لا يحق لأحد أن يخوض
في أدق أمور الإسلام وهي
العقيدة من دون أن يمتلك
الآليات التي تمكنه من ذلك.
تماما مثلما نرفض أن يأتي عامل
من منجم فحم ليقوم بعملية
جراحية في الدماغ أو يجري عملية
القلب المفتوح.
كثيرا ما كان علامة سورية الشيخ
"علي الطنطاوي" رحمه الله
يقول: القضاء يعاقب على
الاشتغال بالطب لمن ليس طبيبا،
أو الاشتغال في الهندسة لمن ليس
مهندسا، ولكن لا أحد يعاقب من
أفتى في الدين وهو غير عالم فيما
يفتي.
مقال الأستاذ ياسين فيه الكثير
مما ينبغي الرد عليه، واكتفينا
بإيراد ثلاثة أمثلة في الاعتقاد
والتشريع وتجاوز حدود التعبير
مع الذات الإلهية بما لا يليق.
غير أننا لا نتهمه ولا يحق لنا
أن نخرجه عن الإسلام لأنه كتب ما
كتب، لكن عليه أن يحتاط في
كلماته، فإن فيها ما ليس مقبولا
أبدا. وذخيرتي القليلة في الفقه
لا تخولني أن أرد على كل ما جاء
في المقال، وقد يحتاج ذلك إلى
أكثر من مقال. أكتفي بما أوردت،
وأستغفر الله.
*كاتب
سوري
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|