ــ
ومضات
محرضة :
كلام
يكسّرغيرَه .. وكلام يكسّر بعضَه
!
عبدالله
القحطاني
( في
المثَـل الدارج : فخّار يكسّر
بعضَه !)
حين يكون سلاح شعب ما ، في مواجهة
حكامه المستبدّين ، الكلام ،
مجرّد الكلام ، ولا شيء غير
الكلام .. يكون موقف الحكّام من
هذا الشعب ، كموقف جرير الشاعر،
في مواجهة خصمه الفرزدق ، الذي
هدّد مربعاً ، راوية جرير ،
بالقتل .. إذ قال جرير، حينَها :
زعمَ الفرزدق أنْ سيقتـل مربَعاً
أبـشرْ بطول سلامةٍ ..
يامربع
إلاّ أن
الكلام نفسه ، يصبح ممنوعاً ، في
بعض الدول المحتلة بحكم
اسبتدادي ( وطني !) على غرار
الحكم السوري ، فيطارَد صاحب
الكلمة ، ويحبَس سنين ، بحجّة
تهديد الأمن الوطني ، بكلامه
الذي يقوله ، أو ينشره في وسائل
الإعلام !
وواضح
أن منع الكلام ، هنا ، ليس
نابعاً من خوف على النظام ، من
السقوط تحت وطأة الكلمات ..
فليست الكلمات راجمات صواريخ ،
ولا دبّابات ، ولا قنابل ، ولا
حتى حجارة ..! بل الخوف ناجم عن
أمور أخرى ، أهمّها :
حِرص
النظام الحاكم ، على أن تظلّ
شعاراته ، التي يردّدها صباح
مساء ، في الإصلاح ، والتغيير،
والتصدّي ، والممانعة .. أن تظلّ
تهيمن على وعي الشعب ، وتنطلي
عليه .. فلا ينتـفض ضدّ الفساد ،
والاستبداد ، والظلم .. والقهر
المزمن ، الذي يعاني منه ، تحت
وطأة النظام البوليسي ،
الكابوسي ، الشاذّ ، المقيت !
فإذا
عجز النظام الحاكم المستبدّ ،
عن اعتقال المعارضين ، الذين
يطلقون ضدّه الكلمات ، التي
تكشف سوءه وفساده ، بسبب بعدهم
عن متناول يديه .. إذا عجز عن
اعتقالهم ، أو تصفيتهم جسدياً ،
في الشوارع والبيوت .. لجأ إلى
أسلوب آخر، هو أسلوب التجاهل
والتعتيم! إذ يصمّ أذنيه ، عن كل
كلمة نقد ، تقال عنه ، من قبل
المعارضة ، ويوهِم الآخرين ،
بأنه لايشعر بوجود مثل هذه
المعارضة ، أصلاً .. لعدم
أهميتها ، أو لضعف تأثيرها !
وإذا كانت كلمات المعارضة ، أقوى
ـ إعلامياً ـ من أن يتجاهلها ،
وفرِض عليه ، سياسياً أو
إعلامياً ، التعاملُ معها ، أو
التعليق عليها .. أظهر استخفافَه
بها ، والسخرية منها ومن
أصحابها !
فإذا
زادت قوّتها ، إلى الحدّ الذي
يهزّ سمعته بشكل قويّ ، ويكسر في
نفوس الناس ، جدار الخوف ،
والهيبةَ التي صنعها لنفسه
عندهم ، ويؤثّر في استقرار
الكرسي .. لجأ إلى أساليب أخرى ،
كالضغط على الدول ، التي تقيم
فيها العناصر المعارضة له ،
بأساليب مختلفة من الضغط ،
كالضغط السياسي ، والإعلامي ،
والاقتصادي ، والأمني ..!
وإذا عحزت سائر الضغوط ، عن إخماد
صوت المعارضة .. لجأ النظام
المستبدّ ، إذا كان من طراز
النظام السوري .. إلى أساليب
المجرمين الدوليين ، في تصفية
الخصوم ، خارجَ أوطانهم ، في
سائر أماكن إقامتهم !
أمّا إذا أفلحت أساليبه ، في حجب
صوت المعارضة ، إعلامياً ، وظلّ
هذا الصوت مخنوقاً ، أو شبه
مخنوق ، في دوائر ضيقة ، على
مواقع الإنترنت ، أو في صحف
قليلة الأهمية والانتشار ..
فعنئذ يظلّ مرتاحاً ، مهما كثر
الكلام ، واشتدّت قسوته عليه ..!
إذ المهم لديه ، ألاّ يصل هذا
الكلام ، إلى مسامع شعبه ، بشكل
واسع .. لأن هذا يهزّ صورته ، عند
هذا الشعب ، ويذكّرالناس بفقدان
شرعية الحاكم ، وبسوئه ، وفساده
!
إذا ظلّ
الكلام مهملاً ، في الدوائر
المجهولة ، المحدودة الانتشار..
ظلّ الحاكم المستبدّ الفاسد
مرتاحاً ! حتى لو تحولت قوى
المعارضة ، كلها ، إلى مجموعات
من الكتَبة ، تسلقه بالكلمات
صباحَ مساءَ !
أمّا إذا انشغل بعض قوى المعارضة
، بالردّ على بعضها الآخر ،
واشتعلت بين فئاتها معارك
الكلمات ، ناسيةً جبهتها
الأساسية ضد النظام الفاسد ،
فعندئذ يتنفّس النظام بعمق ،
ويردّد بتشفٍّ :
كلام
يكسّر بعضه !
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|