ــ
مسألة
إلغاء دعم أسعار المشتقات
النفطية
محمد
عبد المجيد منجونة*
تطرح بين حين و آخر
مسألة إلغاء أو تخفيض دعم أسعار
المشتقات النفطية، وفي كل مرة
توضع الأرقام عن الأسعار و
الكميات و تقدر الخسائر الناجمة
عن البيع بأقل من تكلفة الإنتاج
والتوزيع، ثم يطوي الحديث إلى
أن يظهر مجددا" كما هو الحال
في هذه الأيام.
و الحجة جاهزة،
فالأسعار محددة حاليا"، أقل
بكثير من تكلفة الإنتاج أو
الاستيراد و التوزيع ، مايؤدي
إلى خسائر كبيرة تتحملها
الخزينة العامة، الأمر الذي
يقود إلى عجز الموازنة. هذا
فضلا" عن أن انخفاض الأسعار
المحلية عن المستوى أسعار
البلدان المجاورة يشجع على
التهريب.
و لانريد هنا
الدخول في لعبة الأرقام ، لأن
ذلك سيجرنا إلى مناقشات لا نملك
معطياتها الأساسية، ونقصد بذلك
معطيات تصنيع الرقم، و مدى
تعبيره عن التكلفة
الحقيقية،فضلا" عن تحليل
عناصر الكلفة ذاتها.
و المناقشة الهادئة
لهذا الموضوع تقضي وضعه في إطار
مصلحة الاقتصاد الوطني من جهة،
و مصالح جموع الشعب الفقيرة و
محدودة الدخل و الفئات المتوسطة
من جهة ثانية. ما يجعلنا نبحث عن
السياسات الاقتصادية الكلية،
وفي موقع سياسة الأسعار و الدعم
فيها.
ففي ظل اقتصاد
السوق الاجتماعي لا بد من وضع أي
قرار اقتصادي في هذا الميزان، و
النظر إليه من خلال هذا المعيار
الحساس استخدام آليات السوق بما
لا يضر بمسيرة التنمية و تحقيق
العدالة الاجتماعية فإذا كانت
سياسة الدعم مطلوبة قبل إقرار
التوجه نحو اقتصاد السوق
الاجتماعي، فقد أصبحت بعد ذلك
ضرورية ، بعد أن تم هذا الانفتاح
الواسع و بعد تحرير الأسعار و
انسحاب الدولة من السوق. ذلك أن
الإدارة الاقتصادية فهمت
اقتصاد السوق الاجتماعي على أنه
تحرير الأسعار و الأسواق و
للتجارة الخارجية و تشجيع
للاستثمار الداخلي و الخارجي،
دون أن تولي الاهتمام اللازم
للجانب الثاني من معادلة اقتصاد
السوق الاجتماعي ،
ونعني به الجانب
الاجتماعي، و تأتي الآن رغبتها
أي الإدارة الاقتصادية في رفع
أسعار المشتقات النفطية بإزالة
الدعم عن هذه الأسعار في إطار
هذا الفهم. إطلاقا" من أن
اقتصاد السوق الاجتماعي ماهو
إلا مرحلة انتقالية توصلا"
إلى إقامة اقتصاد السوق الحر.
وهنا نتساءل عن مدى
أهمية أسعار المشتقات النفطية
المحلية، و لماذا الإصرار على
زيادتها؟و لماذا يصر البنك
الدولي في إطار إجماع واشنطن
على المطالبة بزيادة أسعار
المشتقات النفطية بوجه خاص،
وإلغاء الدعم المقدم
للمستهلكين و المنتجين على حد
سواء؟
و المساءلة هنا
تتعلق بالسياسات الاقتصادية
الكلية، حيث إن جوهر السياسة
الاقتصادية الكلية في برنامج
الإصلاح و التكييف الهيكلي
المقدم من البنك و الصندوق
الدوليين، و المدعوم من
الولايات المتحدة و الاتحاد
الأوربي، هو الليبرالية
الاقتصادية الجديدة الذي
يتبلور في إجماع واشنطن وهو
التوافق الذي تم بين البنك
الدولي و صندوق النقد الدولي و
حكومة الولايات المتحدة من أجل
إجراء التحول في اقتصاديات
البلدان الاشتراكية السابقة و
البلدان ذات الاقتصاد الوجه
كسورية إلى الاقتصاد الليبرالي
الحر، و محور هذا البرنامج
يستند إلى هدفين أساسيين:
الأول: انفتاح
الأسواق الداخلية و حرية
التجارة الداخلية.
الثاني: الوصول إلى
حكومة الحد الأدنى، أي الحكومة
التي يتم انسحابها من الشأن
الاقتصادي و الاجتماعي.
ويأتي تحت هذا
الهدف إتباع سياسة مالية
انكماشية بحجة تخفيض العجز في
الموازنة العامة للدواة،
بتخفيض الإنفاق الجاري و
الاستثماري وفي هذا السياق يتم
تخفيض الدعم و الإنفاق على
الخدمات الاجتماعية و التركيز
على رفع أسعار المشتقات
النفطية، هو أحد ركائز هذه
السياسة، نظرا" للمهام
الركبة لهذه المشتقات، و
بالتالي لدورها الهام في جميع
القطاعات الاقتصادية.
فهي مادة أساسية
لاستهلاك الأفراد و لأسر من أجل
الحصول على التدفئة و الأشغال
المنزلية ووقود المواصلات، وهي
أيضا" مادة أساسية للمنتجين
الصناعيين و الزراعيين لتوليد
الطاقة، حيث تدخل في حسابات
التكلفة النهائية للمنتج
النهائي، و بالتالي فان زيادتها
عن المعدل السائد من شأنه:
-
الضغط على نفقات الأسرة و
الأفراد.
-
رفع تكاليف إنتاج المنتجات
الزراعية و الصناعية و الخدمات
و خاصة النقل و المواصلات التي
ستنعكس بدورها علة أسعار جميع
المواد و السلع الاستهلاكية في
الأسواق، ما يشكل ضغطا" آخر
على مستوى نفقات الأسرة و
الأفراد، خاصة من أصحاب الدخل
المحدود و الفئات المتوسطة التي
بدأ مستواها بالتراجع فعلا"
إضافة إلى الفئات الفقيرة
بالطبع.
وهذا مايريده
برنامج التحول إلى الاقتصاد
السوء أقصد اقتصاد السوق، الذي
يرفع شعاره الآن بعض أفراد
الفريق الاقتصادي الحكومي بفخر
ليبرالي عظيم كما جاء في مقالة
النيوزيك الأميركية في عددها
الصادر بتاريخ 15-5-2007 ؟ ويعتبر
رفع أسعار المشتقات النفطية أحد
أهم الإجراءات الآيلة إلى بناء
اقتصاد السوق الحر، ذلك أن
المشتقات النفطية تعتبر محرك
الحياة الاقتصادية، وبما أن
تكاليف الحصول عليها تدخل
عمليا" في جميع مكونات السلع
و الخدمات المعروضة في السوق،
فان أسعارها تكتسب حساسية خاصة
في معرض تنفيذ السياسات
الاقتصادية.
تستند الإدارة
الاقتصادية الحكومية في سعيها
لرفع الدعم عن أسعار المشتقات
النفطية إلى ركيزة أساسية
مفادها الخسائر التي تتحملها
الدولة من جراء إبقاء الأسعار
المنخفضة قياسا" إلى
مستوى الأسعار العالمية و
إلى أسعار البلدان المجاورة،
الأمر الذي يؤدي إلى التهريب من
جهة، و إحداث عجز في الموازنة من
جهة ثانية.
في حين نرى أن هذا
التوجه في رفع الدعم، يأتي من
خلال حزمة من السياسات
الاقتصادية التي تصب في إطار
التحول نحو السوق الحر. و الدليل
على ذلك هو مجموعة الإجراءات
التي تم اتخاذها و التي تغلب
عليها طابع اليبيرالية
الاقتصادية الجديدة ، ونشير
بوجه خاص إلى:
-
رفع شعار تحرير التجارة
الخارجية و اعتبارها قاطرة
النمو و تنفيذ هذا الشعار
عمليا" من خلال ما نجده من
بضائع و سلم أجنبية في الأسواق
الداخلية، وكذلك التوجه العملي
نحو تخفيض الرسوم الجمركية.
-
إطلاق حرية استيراد
السيارات السياحية بعد تخفيض
رسومها الجمركية، دون دراسة
دقيقة لإمكانات الاستيعاب
الطرقية.
-
تحرير الأسعار الداخلية و
تلاشي الرقابة على الأسواق
وصولا" إلى فوضى السوق، وظهور
الاحتكار، و تبدى ذلك عمليا"
بإلغاء وزارة التموين.
-
تخفيض الضرائب على الأغنياء
من خلال قانون ضريبة الدخل
الجديد، ومن خلال التشريع الخاص
بالعقارات.
-
المناخ العام الذي شجع على
المضاربات العقارية و ارتفاع
أسعار بيوت السكن و خاصة مايعلن
عن السياحة و الاستثمار العقاري
كقاطرة للتنمية.
-
تراجع الاستثمار العام،
وتوقف الاستثمار العام في
القطاع الصناعي و ما يروج حول
الخصخصة.
من هنا يجب أن ينظر
إلى مسألة رفع الدعم عن أسعار
المشتقات النفطية، كجزء أساسي
من حزمة الإجراءات و السياسات
الاقتصادية، وهذا يعني التخلي
عن عنوان رئيسي من عناوين
السياسات الاقتصادية اقتصاد
السوق الاجتماعي فضلا" عن
ذلك، فمن الناحية الاقتصادية،
سوف يؤدي رفع الدعم عن المشتقات
النفطية إلى ارتفاعات متوالية
في أسعار المواد و السلع و
الخدمات، ما سيؤدي إلى المزيد
من التضخم ، بالإضافة إلى ما
يحققه ذلك من ضغط على دخول
الأفراد وعلى مستوى معيشة
السكان.
ولهذا الإجراء أثر
اقتصادي سلبي هام يتبدى في
توجهين أساسيين:
الأول:
سيضعف القدرة التنافسية
للمنتجات المحلية، سواء فيما
يتعلق بالتصدير أم في منافسة
السلع المستوردة التي غزت
الأسواق الحلية بعد إطلاق حرية
الاستيراد لتلك المنتجات.
الثاني:
سيضعف حملة التوجه نحو
الاستثمار المحلي
و الخارجي لأنه سيزيد من تكليف
الإنتاج مايخفض من عائد
الاستثمار .
إن الحصول على
الطاقة الرخيصة يعتبر من أهم
عوامل المناخ الاستثماري، كما
انه من محركات عملية التنمية،
ومع الطاقة المرتفعة الأسعار
علينا إن نودع التنمية و
الاستثمار.
إن أوروبا لم تستطع
تعمير ما خربته الحرب العالمية
الثانية ، أو تحقيق الازدهار و
النمو الاقتصادي الهائل إلا
بفضل حصولها على الطاقة
الرخيصة.
وإذا كانت النية
متجهة لدى الإدارة الاقتصادية
إلى استمرار العمل في السياسات
الانفتاحية- التحريرية و اعتبار
ذلك قاطرة للنمو، فان سياسة
الدعم للمشتقات النفطية و
للمنتجين و للمستهلكين في إطار
سياسة اجتماعية تنسجم مع توجهات
اقتصاد السوق الاجتماعي
تصبح أكثر ضرورة و
إلحاحا"، فكيف يمكن مواجهة
الآثار المترتبة على تحرير
الأسعار و التضخم بالنسبة
لأغلبية أفراد الشعب من دون
دعم؟
بقي هناك العديد من
النقاط الهامة لابد من أخذها
بالحسبان لدى مناقشة هذا
الموضوع وهي:
1-
أننا بلد منتج للنفط( رغم كل
ما ينشر حول انخفاض الإنتاج)
ولهذا فان التسعير المحلي
للمشتقات يجب ألا ينطلق من
أسعارها العالمية ، بل لابد من
وضع ( الميزان النفطي) للكميات و
المبالغ دون أن ننسى أن
المواطنين جميعا"(مع الأجيال
المقبلة) لهم حقوق في ثروتها
النفطية.
2-
إذا كانت المسألة إيجاد
مورد جديد للخزينة،أي سد العجز
في الموازنة، فليست هذه هي
الوسيلة الأنجع أو الأفضل. فلا
يجوز استسهال
الحلول بزيادة أسعار
المشتقات النفطية ، إنما لا بد
من البحث جديا" في السياسة
المالية و الضريبية، وفيما إذا
كانت تلبي أغراض المرحلة. و يأتي
من خلال ذلك تحسين أداء الإدارة
المالية و إيجاد مطارح ضريبية
تتناسب مع أهداف واقعية و عادلة
للسياسات الضريبية و تحسين
أساليب فرض و تحصيل الضرائب و
الرسوم.
ويأتي في هذا
السياق:
1-
تقليص الهدر في النفقات
العامة و ضبط عملية تخصيص و
استعمال السيارات الحكومية و
خاصة لكبار المسؤولين.
2-
القضاء على الفساد أو الحد
منه ماأمكن ، و خاصة الفساد
الكبير المتمثل في الصفقات
الكبيرة و العمولات و السمسرة.
3-
إعادة الاعتبار لمراقبة
الأسعار و الأسواق .
4-
الربط مابين الأسعار و
الأجور و القضاء
على التضخم.
5-
ترشيد استهلاك المشتقات
النفطية، و تشجيع استخدام
البدائل.
6-
القضاء على الفاقد
الكهربائي.
7-
إصلاح القطاع العام الصناعي
، و التوقف عن
الترويج لخصخصته، و إعادة
الاعتبار لسياسات الاستثمار
العام.
*الأمين
العام المساعد لحزب الاتحاد
الاشتراكي العربي الديمقراطي
في سورية
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|