ــ
حتى
لا ننسى اليوم الحادي عشر من
سبتمبر
أمير
أوغلو
تطل
علينا الذكرى السادسة لليوم
المشؤوم الذي دخل التاريخ
بواسطة آلة الإعلام الأمريكية
الهائلة تساندها آلات الإعلام
العربية التابعة والمهرولة
والتي تتكسب من وراء تضحيم هذا
الحدث وترسيخ ذكراه في الوعي
الجمعي العربي والإسلامي، عن
قصد وعن غير قصد،
مساهمة بهذه الطريقة في
تحقيق أهداف الإدارة الأمريكية
ومن يقف معها، في خلق عدو جديد،
بعد الشيوعية، ترتكب باسم الحرب
عليه كل الخروقات لكل ما عرفه
العالم الحديث من مبادئ أخلاقية
وقوانين إنسانية وأساليب
سياسية تعارف عليها العالم وكان
يحاول من خلالها تحقيق التعايش
السلمي بين أممه
المختلفة.
لقد قيل إن التاريخ
سيتغير بعد هذا الحادث وإن
شيئاً لن يبقى كما كان عليه،
وهذا كله كذب، فالتاريخ لا يخضع
للطغاة المجانين الظالمين
الذين يتشبهون بالآلهة أو يظنون
أنفسهم أنصاف آلهة، التاريخ له
سننه وقوانينه الثابتة التي لا
تتغير. إن ما نراه من تغيير ما هو
إلا محاولاتهم لتغيير سنن
التاريخ وهي ستفشل بكل تأكيد
مهما بدا للناس من قوتها
وصرامتها وبطشها وتجبرها
وحمقها، فسنن الله تقتضي
التدافع والتنوع ولا تسمح بغلبة
الباطل إلى الأبد، وسنن الله
تقتضي الإبتلاء والامتحان
ولكنها لا تسمح بزوال الحق،
وسنن الله تقتضي المد للظالم
ولكنها لا تسمح بدوامه ولا
بدوام ظلمه.
قد يتساءل القارئ
لماذا تكتب وتذكر إذا بهذا
الحدث وتصر على ألا ننساه؟
الحقيقة أنني أكتب عن يوم
الثلاثاء الحادي عشر من
سبتمبر، وأكتب لأذكر بجريمة
كبيرة حصلت في هذا اليوم ولكنني
لا أكتب عن السنة الأولى بعد
الألفين وإنما عن عام 1973.
في هذا اليوم من ذلك
العام حصلت جريمة كبرى راح
ضحيتها ثلاثة آلاف إنسان على
الأقل وقُلب فيها نظام حكم
ديمقراطي واستبدل بأبشع نظام
ديكتاتوري عرفته تلك البلاد
وقتل الرئيس المنتخب من الشعب
واستبدل بقائد الجيش الذي أثبت
فيما بعد أنه مجرم من الطراز
الأول بدليل أن هناك دولا
أوروبية ظلت تلاحقه قضائيا حتى
يوم وفاته.
إنني هنا أكتب عن
تشيلي ذلك البلد الذي نكب بتسلط
الجنرال بينوتشيه الذي مات
نهاية العام الماضي بعد أن حكم
التشيلي بالنار والحديد، وقتل
وشرد واعتقل من أبنائها عشرات
الآلاف، هذا الدكتاتور الذي لم
يجد مكانا للسجناء فاضطر لتحويل
أكبر ملعب لكرة القدم هناك إلى
سجن، الدكتاتور الذي لاحقته
الدول الأوروبية مثل فرنسا
وإنكلترا بسبب اختفاء مواطنيها
في التشيلي في عهده الميمون.
في الحادي عشر من
سبتمبر عام ثلاثة وسبعين قامت
جماعة إرهابية بتدبير وتمويل
هذا الإنقلاب على الدكتور
الطبيب سلفادور اللندي الذي
انتخبه شعب التشيلي في انتخابات
ديمقراطية نزيهة، هذه الجماعة
اسمها سي آي إيه، لم يطاردها أحد
ولم يلجأ رؤساؤها إلى مغاور
تورا بورا ليختفوا، فهم أبطال
دوليون تكرمهم حكومتهم في كل
سنة ويرفعوا إلى أعلى المناصب
كلما زادت جرائمهم وكلما كثر
قتلاهم، الجماعة لم تصنف مع
الجماعات الإرهابية لأنها هي
الوحيدة التي لها حق تصنيف
الجماعات والأحزاب
والجمعيات والدول.
أما المجرم الذي
أعطى الأمر بتنفيذ هذا الإنقلاب
فهو وزير خارجية أميركا حينذاك
السيد هنري كيسينغر الذي كوفئ
بجائزة نوبل للسلام في نفس
العام. منفذ العملية لم تطارده
دول العالم ولم يعتبر الإرهابي
رقم واحد في العالم، لأن الناس
الذين قتلوا في تشيلي ليسوا من
نفس جنس الناس الذين قتلوا في
نيويورك ولأن قصر الرئاسة
والبيوت الأخرى التي دمرت في
سانتياغوا لا تساوي برجي
نيويورك ولأن دولة تشيلي ليست
بأهمية دولة أميركا العظمى.
بعد مجزرة التشيلي
ومقتل سلفادور
أللندي لم تشن التشيلي حروبها
الإستباقية ولم تحتل أميركا
لتطهرها من عصابات الإجرام ومن
الأسلحة النووية، ولكنها
انكفأت تلعق جراحها وتعد قتلاها
بصمت وتتطلع إلى يوم الخلاص من
هذا الدكتاتور الذي جثم على
صدرها إلى أن نالت جزءاَ من
استقلالها بعد سبعة عشر سنة.
لا أدري إن كانت
فضائيات العرب والمسلمين ستركز
هذا العام على أحداث سبتمبر
ولكن الحري بها إن أرادت هذا أن
تعتمد سنة 1973 بدلا من 2001 لأنها
الأحق بالتذكر والتذكير فعادة
يجب التذكير بما هو منسي لا بما
هو حاضر في أذهان الناس ليل نهار.
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|