ــ
ومضات
محرّضة:
هل
الإخلاص مطلوب ، في العمل
السياسي ،
أم
هو خلق ديني غير ضروري في
السياسة !؟
عبدالله
القحطاني
1)
الأمور التي يـُتوقع أن يخلص
لها الفرد:
لابدّ ، بداية ، من ذكر الأشياء ،
التي يُتوقع من الفرد أن يخلص
لها ، في عمله السياسي ! لعلّ ذلك
يوضح صورة الفكرة المطلوبة ، في
هذه السطور.. فنقول : إن هذه
الأشياء تنحصر، غالباً ، في
أمور عدّة ، هي :
العقيدة الدينية ـ المبدأ
السياسي.. أو الفلسفي بشكل عام ـ
الوطن ـ الشعب ـ الحزب ـ الطائفة
ـ القبيلة ـ الأسرة ـ الفرد نفسه
!
2) بعض مظاهر الإخلاص :
* بذل
الوقت والجهد ..
*
التضحية بالمال والولد والنفس ..
* الحرص
على إنجاج العمل وإتقانه ، في
خدمة ما يخلص له المرء .. بما
يحتاجه ذلك من إعمال فكر
واستشارة ..
وبالطبع
، كلما ازدادت أهمية الشيء ،
الذي يحرص المرء على خدمته ،
ازداد اهتمامه وبذله ، لما
يحتاج نجاح العمل وإتقانه .. حتى
يصل البذل إلى أقصى درجة
مستطاعة !
3) اندماج بعض العناصر، التي يخلص
لها الفرد .. كأن يخلص لأمرين أو
أكثر.
4) بعض مظاهر عدم الإخلاص :
انتفاء
مظاهر الإخلاص الواردة أعلاه ،
وغيرها من المظاهر الأخرى ،
الدالّة على الإخلاص !
5) التضحية بالمهمّ ، من الأمور
المذكورة ، في سبيل الأهم ، لدى
الفرد ، حسب الدوافع المؤثرة
فيه ، من حبّ ، وكره ، وخوف (
دنيوي .. أو أخروي) ، وطريقةٍ في
حساب القرار، يؤثر فيها العلم
والفهم !
* أمثلة :
- قد
يضحي الفرد الوطني الحزبي ،
ببعض مصالح الوطن ، في سبيل
مصلحة حزبية !
- قد
يضحي الحزبي ، بمصلحة حزبية ، في
سبيل مصلحة شخصية ، أو أسَرية !
- قد
يضحي الفرد الحزبي ، المنتمي
إلى طائفة معيّنة ، بمصلحة حزبه
، في سبيل مصلحة طائفته !
- قد
يضحي صاحب المعتقد الديني ،
ببعض الأمور التي تخدم عقيدته ،
حرصاً على مكسب
معيّن ـ مادي . أو معنوي ـ
له أو لأسرته !
- قد
يضحي السياسي الجالس على كرسي ،
بمصالح وطنه ، خدمة للكرسي الذي
يجلس عليه !
- قد
يضحي سياسي ، طامح إلى كرسي ،
بجزء من تراب وطنه ، أو قرار
وطنه .. في سبيل الحصول على
الكرسي الذي يحلم به !
- قد
يضحي صاحب الفكرة ، بأخلاقه
الشخصية ، من صدق وأمانة وتواضع
.. في سبيل الانتصار لفكرته ،
بالحقّ ، أوبالباطل !
- قد يضحي صاحب الهوى المسيطر،
بأشياء كثيرة ممّا ذكِر،
انتصاراً لهواه ، سواء أكان هذا
الهوى ، نوعاً من الحسد ، أو
الكره ، أو حبّ الظهور، أو
الإعجاب بالنفس ..!
* واضح من الأمثلة المذكورة ، أن
الإخلاص للأمور المضحّى بها ،
ليس منعدماً تماماً ، بل جاء في
درجة متأخرة ، بعد الأمور
المضحى لها !
* ممّا لايغيب عن الذهن ، أن سلّم
القيَم ، الذي يلتزم به الفرد ،
له تأثير كبير، في صناعة دوافع
التضحية ، والمفاضلة بينها !
- فالمؤمن الصادق ، بعقيدة دينية
، يضحي بكل شيء في سبيلها ، من
منصب ومال ، ونفس وولد !
- والمنلهف على كرسي زعامة ، يضحي
في سبيله بكل شيء !
- والنرجسي ، المبتلى بعشق الذات
وتقديسها ، يضحي بكل شيء ، في
سبيل إبرازها ، وتعظيم شأنها ..
بالحقّ والباطل ، والخطأ
والصواب ! لأنه لايرى العالم
إلاّ من خلالها !
- والمغلوب بأهواء النفس غير
السوية ، يضحي بأشياء كثيرة
جداً ، قد تكون عزيزة عليه ،
إشباعاً لهذه الأهواء ، من
أحقاد وثارات ، ومن طمع وحسد ،
ومن شهوات طاغية ، كشهوات الجسد
، أو شهوة جمع المال ، أو شهوة
تحطيم الخصوم والمنافسين ..!
* إن أكثر الصراعات ، التي تنشأ في
المجتمعات العربية ، بشكل عامّ
، إنّما تنشأ ، بسبب الدوافع ،
الناجمة عن هذه العناصر
المذكورة آنفاً ! وغالباً بسبب
الخلل في ترتيب سلّم القيَم ،
لدى الكثير من الأفراد ، وفي
مستويات مختلفة ، من المواقع
الاجتماعية والثقافية
والسياسية !
6- قيمة الإخلاص :
ويبقى
السؤال الأهمّ ، في هذا البحث
كله ، والذي يدور حوله العنوان ،
هو: ماقيمة الإخلاص في العمل ،
بالنظر إلى الجهة التي يخلِص
لها الفرد !؟ ( مع ضرورة التأكيد
، على أن الإخلاص ، ليس قيمة
خلقية ، وحسْب .. بل هو قيمة
عملية أيضا ! ومع التذكير بالفرق
بين إخلاص العمل لجهة معينة ،
وبين الإخلاص فيه ، بمعنى
إعطائه مايستحقّ من العناية) .
ويمكن
أن تأتي الإجابة المختصرة على
هذا السؤال ، بالشكل التالي :
- العمل
لأجل عقيدة دينية ، لايـُقبل
عند الله ، من صاحبه ، إلاّ إذا
كان خالصاً لوجه الله ، سواء
أكان هذا العمل صغيراً أم
كبيراً ! فالله لا يقبل أن يشرَك
به أحد سواه ، في أيّ عمل يقصَد
به وجهه سبحانه وتعالى ! وقد
يكون العمل ممتازاً ، من حيث
نوعيته ، وشدّة نفعه للأمّة ..
إلاّ أن ثوابه عند الله معدوم ،
وإنّما يأخذ المرء أجرَه عليه ،
من الناس الذين أشركهم مع الله
في نيّته ! وهذا كله ، فيما يتعلق
بالثواب الأخروي على العمل . (وهذا
النوع ، من إخلاص العمل ، لايكون
عامّة ، إلاّ في العمل الذي
يقصَد به وجه الله ، ويرجى عليه
الثواب في الآخرة ! والكلام فيه
، أو عنه .. إنّما يوجّه ، أساساً
، إلى الذين نَدبوا أنفسهم له .
أمّا الأعمال الأخرى ، فيندر أن
يكون أيّ منها ، خالصاً لجهة
واحدة بعينها ! فما يَغلب عليه
الطابع الوطني ، تدخل فيه
المصلحة الشخصية ، أو الحزبية ،
أوالقبلية ! وما هو حزبي في
عمومه ، يدخل فيه الجانب الشخصي
، والوطني ! فالأمور الاجتماعية
والإنسانية ، فيها تداخل كبير،
بطبيعتها .. ويَصعب إفراد أيّة
جهة إنسانية ، أو اجتماعية ،
بعمل خالص لها وحدها ، دون أن
تمتزج فيه مصالح أخرى ، لجهات
أخرى ! وينظَر، في العادة ، إلى
ماهو غالب على العمل ، من ظواهره
، وسياقاته ، والنيّات المعلنة
بشأنه ! أمّا النيّات المضمّرة ،
فلا يَعلمها ، عدا أصحابها ،
إلاّ الله وحدَه !) .
- أمّا
أهمّية الإخلاص في العمل ، بشكل
عامّ ، أيّ عمل كان ، سواء أكان
صالحاً أم فاسداً، وسواء أخدَم
به المرء نفسه ، أم خدم وطنه ، أو
حزبه ، أو قبيلته ، أو طائفته ..
أمّا أهمية الإخلاص في العمل ،
فتنبع من أنه يشكل دافعاً قوياً
لِ :
• المواظبة
على العمل ، وبذل مايناسبه ، من
الجهد والوقت والمال .
• الحرص
على تحدّي المعوّقات التي تعترض
العمل ، وتذليلها .
• الحرص
على إنجاح العمل ، حتى لو كان في
أصله فاسداً، أو شابته شوائب ،
من خيانة ، أو غدر، أو مكر سيّء !
كمن يرتكب خيانة وطنية ، في سبيل
مصلحة شخصية ! ( وهذه الخيانة ،
لا تنفي عن العمل صفة الإخلاص ،
لكنها تنقل الإخلاص ، من دائرته
الصحيحة ، إلى الدائرة الفاسدة
.. أي : من دائرة الإخلاص للوطن ،
في الزاوية التي اؤتمِن عليها
الفرد ، إلى دائرة الإخلاص
للنفس ، على حساب الوطن .. وهي
دائرة الخيانة ، التي تدفع
إليها الأنانية ـ أيْ : حبّ
الأنا .. أو حبّ الذات ـ ! ومثل
هذه ، خيانة الحزبي لحزبه ،
خدمةً لنفسه ، أو لأسرته ،
كتسريب أسرار الحزب ، التي
اؤتمن عليها الفرد ، إلى جهات في
الأسرة تستغلّ الحزب أو تعاديه .
وتقاس على هذه وتلك ، أنواع
كثيرة ، من الخيانات الأخرى !)
المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|